صدّ المهاجرين إلى أوروبا… المتوسّط ليس مجرّد مقبرة بل مسرح جريمة

شادي عاكوم

تصدرت سياسة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمهاجرين الحوادث أخيراً، مع وصول أعداد كبيرة منهم في النصف الأول من عام 2023، إلى أوروبا، وبرزت أصوات لمسؤولين تطالب بصدهم في بلدان العبور والبحر، وإنشاء مناطق ساخنة للبت بمصيرهم على الحدود الخارجية الأوروبية، وهذا ما استدعى استنكاراً من منظمات إغاثية غير حكومية مع ارتفاع أعداد الغرقى في البحر المتوسط، بفعل التلكؤ والتخاذل في إنقاذهم من قبل خفر السواحل ووكالة فرونتكس، فضلاً عن إعاقة عمل المنظمات الناشطة في الإنقاذ البحري.
يأتي ذلك، بعد غرق 500 مهاجر نتيجة انقلاب مركبهم وبروز إفادات لطالبي لجوء أمكن إنقاذهم بأن السفينة انقلبت بعد سحبها من قبل خفر السواحل اليونانية، والتحقيق مفتوح حالياً من جانب المفوضية الأوروبية لكشف ملابسات القضية. فما هي المنهجية المتبعة لصد المهاجرين مع خرق الدول الأوروبية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية؟
طرق هروب أطول وأكثر خطورة
مع اعتماد الدول الواقعة على الحدود الخارجية لأوروبا مراقبة دقيقة وتدابير صارمة وإخضاع السواحل التونسية والليبية لمراقبة دقيقة بالطائرات من دون طيار من قبل فرونتكس، تحولت طرق الهروب إلى الأجزاء الشرقية من ليبيا، حيث حضور الوكالة أقل. هذا الواقع أكده فيليكس فايس المتحدث باسم منظمة “سي واتش”، مشيراً إلى أن الزيادة الكبيرة التي تشهدها نقاط انطلاق المهاجرين هي بنغازي وطبرق. كما بينت صحيفة “دي تسايت”، أن الهروب إلى أوروبا عبر البحر المتوسط بات يستغرق نحو 5 أيام، لذا فهو أطول وأكثر خطورة بعدما كانت القوارب تصل إلى سواحل إيطاليا خلال يوم ونصف أو يومين. وفي غضون ذلك، تفيد منظمات غير حكومية معنية بعمليات الإنقاذ أنها أضحت تفتقر إلى الأموال، وهذا ما يدفعها إلى تقليص نشاطها للمساعدة في عمليات الإنقاذ، وبأنها ما زالت تنتظر مساعدات بملايين اليوروات من دول التكتل، وفي مقدمتها ألمانيا، بعدما حظرتها وزارة خارجيتها.
وفي هذا الإطار، اتهم كارل كوب، الناشط المؤيد للهجرة، الاتحاد الأوروبي بالنفاق، مبيناً أن حوادث غرق المهاجرين في المتوسط هي نتيجة لسياسة العزلة المتبعة والسماح بموت المهاجرين في البحر، ولافتاً إلى أن دولاً مثل اليونان وإيطاليا متهمة باستخدام عمليات صد غير قانونية لمواجهة هذا التهريب، إذ تدفع القوارب إلى البحر، عدا استخدام العنف أو تهديدهم جسدياً ولفظياً، كما يصار أيضاً إلى صدهم مع انطلاق قواربهم من دول شمال أفريقيا أو تركيا من قبل خفر السواحل هناك، وفي كثير من الأحيان يُلقى القبض عليهم ويزجّون في أماكن غير مؤهلة للسكن.
من جهة أخرى، أفاد كوب بأن منظمات الإنقاذ عادة ما تتواصل، وعلى وجه السرعة، مع السفن التجارية القريبة لإقناعها بإنقاذهم، لكن في الواقع انخفض الاستعداد كثيراً للمساعدة، لأن أطقمها باتت تخشى العقوبات. وليضيف، أنه بالإمكان تفادي هذه الكوارث لو تم الالتزام بالقانون الدولي. هناك تسع منظمات غير حكومية تمتلك سفن إنقاذ في البحر الأبيض المتوسط تنشط منها ست حالياً.
وفقاً للأمم المتحدة، لقي 1874 شخصاً مصرعهم أثناء محاولتهم الفرار عبر البحر المتوسط في النصف الأول من هذا العام، وهذا أعلى رقم منذ عام 2017، إذ لقي فيه ما لا يقل عن 2278 مهاجراً حتفهم. وتفيد التقارير بأن من المحتمل أن تكون الأرقام الفعلية أعلى، لا سيما بعد غرق القارب الذي كان يقل أكثر من 500 مهاجر قبالة سواحل اليونان.
ورغم حديث الداخلية الألمانية عن أن الهدف من خطة الإصلاح في الاتحاد الأوروبي استعادة القدرة على العمل من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد، ومكافحة ما يسمى الهجرة غير النظامية قبل العبور المحتمل للمهاجرين ومساعدة دولهم مادياً، برزت انتقادات للخطة، وفيها أن التوجهات تزيد الواقع خطورة، لأن الناس ستلجأ إلى المهربين وتصبح حياة كل من يبادر إلى المغادرة معرضة لخطر الموت. وهنا، تفيد تعليقات لخبراء في شؤون الهجرة بأن عمليات صد المهاجرين باتت أكثر منهجية مع تعزيز التعاون مع الجهات الفاعلة من خارج التكتل الأوروبي، وأنه يصار في الكثير من الأحيان إلى استخدام العنف والتهديد، سواء كان جسدياً أم لفظياً، فيما اعتبرت منظمات إغاثية أن الاتحاد الأوروبي يواصل تشديد سياسة العزلة القاتلة، وأن البحر المتوسط ليس مجرد مقبرة بل مسرح جريمة.
إلغاء حق اللجوء
وأثار السياسي عن الحزب المسيحي الديموقراطي المعارض في ألمانيا تورستن فراي، في مقالة له نشرت أخيراً في صحيفة “فرانكفورتر الغماينه”، غضباً وانتقادات بدفعه إلى إلغاء حق الفرد في اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي، ومقترحاً بدلاً من ذلك حصصاً على مستوى التكتل، قوامها ما بين 300 و400 ألف لاجئ ينبغي استقبالهم مباشرة من الخارج وتوزيعهم على الدول الأعضاء. هذه الفكرة قوبلت بغضب عارم من حزب الخضر، إذ اتهم السياسي عن الحزب البيئي أنطون هوفرايتر السياسي فراي بجعل المواقف المتطرفة مقبولة اجتماعياً. كما جاءت انتقادات، بحسب دي تسايت، من الاشتراكي الديموقراطي والليبرالي الحر الشريكين في الائتلاف الحاكم، فيما أشارت السياسية عن اليسار كلارا بونغر إلى أن اتفاقية جنيف للاجئين المتعلقة بحق الفرد في اللجوء كانت نتيجة مباشرة لفشل المجتمع الدولي في مواجهة جرائم الاشتراكية القومية والمحرقة، حتى أن منظمات إغاثة وأخرى مدافعة عن حقوق اللاجئين استنكرت وأدلت ببيانات مماثلة.
حتى أنه وفقاً لاستطلاع أجراه أخيراً معهد “فورسا” لمؤشرات الرأي بطلب من مجلة “شتيرن”، حول قانون الهجرة واللجوء، وما إذا سيكون من الصواب ألا يسمح في المستقبل لكل شخص بتقديم طلب لجوء في الاتحاد الأوروبي أم ينبغي الاحتفاظ بهذا الحق، خلصت النتيجة إلى أن غالبية الناس في ألمانيا تؤيد الحفاظ على نظام اللجوء الحالي، وفقط 32% من المستطلعة آراؤهم يؤيدون اقتراح فراي إلغاء حق الفرد في اللجوء، فيما أيد 64% الإبقاء على اللوائح الحالية و4% لم يحسموا قرارهم. وبحسب الاستطلاع، كان 88%من بين مؤيدي الخضر مع الإبقاء على اللوائح الحالية، و84% من الليبرالي الحر، إلى 76% من مناصري الاشتراكي الديموقراطي، وفقط ناخبو البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أيدوا بأغلبية 56% اقتراح فراي.
تجدر الإشارة إلى أنه يحق لدول الاتحاد الأوروبي مراقبة حدودها ورفض دخول الأفراد الذين يعبرون إلى أراضيها عبوراً غير قانوني، بيد أنه باعتبارها طرفاً موقعاً على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن حماية اللاجئين والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن هذه الدول ملزمة أيضاً باحترام تعهداتها، بما يشمل حظر الطرد التعسفي أو الحق في طلب اللجوء ومنع مبدأ الإعادة القسرية، وتحظر إعادة طالبي اللجوء إلى أي بلد يمثل خطراً على حياتهم.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى