قراءة في كتاب: سؤال المصير ٨ من ٨ ||   قرنان من صراع العرب من أجل السيادة والحرية

أحمد العربي

ربيع سوريا.

لقد كان انتقال الربيع العربي الى سوريا شبه مستحيل. النظام السوري مطمئن لذلك. فسوريا دولة القمع والقهر ، وجود المعارضة رمزي على شكل افراد، لا احزاب متجذرة في الواقع، استطاع النظام ان يستأصلها منذ عقود، هذا غير مافعله النظام في الثمانينات من القرن الماضي: حيث قضى النظام على الحراك الشعبي والسياسي من القوى الوطنية الديمقراطية والعسكري من الطليعة المقاتلة والاخوان المسلمين. وكان نتيجتها عشرات الالاف القتلى ومثلهم معتقلين وبعض المدن دمّر احياء بها مثل  حماة وحلب وجسر الشغور. واصبحت سوريا جمهورية صمت ورعب وخوف…

لذلك كان الربيع السوري تحديا للنظام وكأنه مواجهة مباشرة مع الموت، لكنه حصل، لم يقبل الشباب السوري والشعب من ورائه استمرار المظلمة التاريخية الواقعة على الشعب منذ عقود. نظام طائفي مهيمن في الجيش والأمن وجميع مفاصل الدولة. الفروع الامنية تتابع نفس كل مواطن سوري. الفساد والمحسوبية والظلم سيد الحياة. لذلك خرج الشعب السوري باعلى نسبة في جميع البلدان العربية وصل عدد المتظاهرين في احدى الجمع الى خمسة ملايين سوري في شوارع وساحات المدن والبلدات السورية. وهذا يعني ان كل خمسة أشخاص في سوريا شارك أحدهم في الثورة والمطالبة بإسقاط النظام وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. وهذا ما لم يحصل في اي مكان في العالم وعبر التاريخ…

لكن ذلك لم يكن يؤثر على النظام الذي قرر ومنذ أول لحظة ان يقتل المتظاهرين وان يدمر بلداتهم ويقتل ويهجر بيئتهم الحاضنة وان يدمر مدنهم وبلداتهم… لقد تدرج في ذلك ولكن وعبر سنوات تحقق ذلك. ولان الحراك السلمي تطور لحراك مسلح دخلت كل الدنيا تبحث عن مصالحها من خلاله. كان الغرب وأمريكا وإسرائيل يراقبون الوضع السوري. قرروا منع اسقاط النظام ودعمه فهو جزء من اجندة الغرب وهناك مصالح مشتركة معه. سمحوا بدخول الميليشيا الايرانية والأفغانية والعراقية الطائفية كذلك حزب الله اللبناني لمساعدة النظام ومنع إسقاطه، إضافة لإيران عسكريا وماليا وسياسيا. ومع ذلك بدأ النظام يترنح أمام قوى الثورة السورية. عندها تدخلت امريكا واسرائيل عام ٢٠١٥م بالمباشر وطلبت من روسيا ان تدعم النظام وتمنع سقوطه، ودخلت روسيا في الحرب على الشعب السوري. وكانت حصيلة عنف النظام  وحلفائه وإيران وروسيا. مئات آلاف من القتلى ومثلهم معتقلين ومغيبين وأكثر من نصف الشعب السوري لاجئا مهاجرا داخلا وخارجا. يعني اثنا عشر مليون سوري فقدوا بيوتهم واملاكهم وأرضهم وتشردوا في داخل سوريا وخارجها في كل دول العالم. هذا غير تدمير المدن والبلدات الثائرة. ولم يسلم الا حاضنة النظام العلويين وبلداتهم ومناطق تواجدهم.

 الحساب الختامي لسوريا الآن بلاد مقسمة يسيطر على شرق الفرات الأمريكان ناهبين  النفط و داعمين قوات الحماية الشعبية الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني. إنهم يؤسسون لشبه دولة كردية يسمونها روج آفا غرب كردستان. وبعض سوريا الساحل وبعض المدن الداخلية تحت سيطرة النظام شكليا أما عمليا  فهي تحت سيطرة إيران والميليشيات التابعة لها وكذلك تحت سيطرة الروس. وبعض الشمال السوري محرر بدعم من تركيا… سوريا تعيش واقع التقسيم. والفقر والفاقة والعوز يضربها من كل الجهات. هذا ما يعيشه  من تبقى في سوريا. أما من هرب داخل البلاد يعيش تحت حد الفقر والعوز. وفي الخارج في الاردن مخيمات وأكثر من مليون يعيشون في اسوأ حالاتهم. وكذلك أكثر من مليون في لبنان وعدة ملايين في تركيا. وحوالي المليون وصلوا لأوروبا. والكل يعمل بكل طاقته ليؤمن لقمة عيشه ويعيد تأسيس حياته في اغترابه…

في سوريا بعد اثنا عشر سنة للثورة وبعد أن فعل النظام وحلفاؤه ما فعله بسوريا وشعبها، انتقلت مأساة الحياة الى حاضنة النظام وبدأت ترفع صوتها وتستنكر المستوى المعيشي الذي وصلت إليه ولم يسلم من نقدها أحد حتى رأس النظام.

سوريا تخلفت عشرات السنين واصبحت جغرافيا لحكم استبدادي طائفي فج مجرم قاتل. تحت حماية إيران وروسيا . وأصبحت مركزا موردا للمخدرات لجميع انحاء العالم…

هكذا وجد الغرب أن ما يريده قد حصل وافضل مما كان متوقعا…

 في سوريا الخطط الغربية تسير على أحسن وجه …

ربيع السودان.

 

تأخر ربيع السودان الى عام ٢٠١٨م حتى جاء: جاء مندفعا سلميا رائعا. خرجت القوى الوطنية السودانية من كل الأطياف ومن كل الاقاليم في ثورتها السلمية التي استطاعت الاطاحة بحكم عمر البشير. دخل الجيش السوداني على خط الثورة وأعلن تأييده لها،  حصل على اثر ذلك تحالف مدني عسكري لقيادة المرحلة الانتقالية الديمقراطية في السودان، ومن هنا طالب التحالف المدني إبعاد العسكر عن الحكم وأن يكون هناك انتخابات برلمانية ورئيس وزراء مدني. بينما رفض الجيش الابتعاد عن السلطة متعللا بأنه مؤتمن على البلاد حتى تدخل في الديمقراطية وهو شريك في الحكم حتى ذلك الوقت. عيّن رئيس وزراء مدني ولم يستمر طويلا بسبب هيمنة العسكر على الحكم. وبدأ الحراك المدني بقواه السياسية بالابتعاد عن الواجهة السياسية حيث عاد الحكم عمليا للعسكر وكأن المطلوب فقط أبعاد البشير من واجهة السلطة…

هذا أقل ما كان يرضي الغرب وصناع القرار في العالم . حيث منعوا عودة السودان للديمقراطية، وان رجعنا للوراء أكثر سنعرف دور الغرب والقوى الدولية في تقسيم السودان الذي انتهى بوجود جمهورية جنوب السودان والجمهورية السودانية…

لم ينتهي الأمر في السودان بسيطرة العسكر، بل بدأ الصراع يظهر بين جناحي العسكر المسيطرين تاريخيا في السودان الجيش السوداني وقوات التدخل السريع: التي تشكلت سابقا مليشيات مسلحة دُعمت دوليا وإقليميا وكان لها دور في الحرب الاهلية في دارفور ووصل تعدادها إلى حوالي ١٠٠ ألف مقاتل مع عتاد جيوش. وكانوا شركاء الجيش في دعم ثورة السودان وتقاسم غنيمتها. اختلف قائد الجيش والسلطة عبد الفتاح البرهان مع محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع على تقاسم السلطة والنفوذ وانتهى الحال للوصول إلى الصراع المسلح. فالجيش السوداني يصل تعداده حوالي ١٥٠ ألف مقاتل. يعني القوى متعادلة والدعم الدولي والإقليمي مؤمّن للطرفين وكل له حسابه الخاص. وميدان الصراع هو الخرطوم والسودان كله. والضحايا هم اهل السودان ووجوده ومستقبله، قُتل المئات للآن وتهجّر ملايين السودانيين داخل السودان وخارجه في دول الجوار والحال يسير نحو الأسوأ. ظهر التشبيح والقتل على الهوية والاغتصاب والسرقة…

السودان يسير نحو حرب العسكر تورّث حربا اهلية ولا أفق لحل ومخرج للسودان نحو إمكانية عودتها إلى واحة الديمقراطية والعدالة والحياة الأفضل…

هكذا يريد الغرب والقوى الاقليمية التي تسير بركابه وهكذا حصل..

مع الاسف .

إيران ودورها في بلاد العرب.

 

اريد في هذا التعقيب أن أتحدث عن الدور الإيراني في بلادنا العربية المواكب والمتنافس و المتناغم مع الدور الغربي بحسب الحال وحسب البلد…

لن أغوص في التاريخ القديم واقول ان العرب المسلمين هم من اسقطوا الامبراطورية الفارسية الى غير رجعة وان الفرس حتى في الوقت الذي دخلوا فيه الإسلام أرادوا ان يزرعوا روحهم القومية فيه، بحيث يعيدون تسويقه بصيغة فارسية. بدأت منذ اسماعيل الصفوي الذي اخذ بالمذهب الشيعي الاثني عشري وانفصل عن الدولة العثمانية السنيّة. واستمر الحال حتى عصر رضا بهلوي والتحاقه مع الحلف الغربي الأمريكي وجعل ايران جزء من خطط هيمنة الغرب على منطقتنا العربية. وحتى عندما حصلت الثورة الايرانية وحولها الخميني لتكون دولة دينية برسالة إلهية تعيد مجد وامتداد الإمبراطورية الفارسية بوجهها الديني الشيعي الفارسي في كل العالم. وبدأت بشكل جدي منذ عقود، شكلت حزب الله اللبناني ودعمت نظام الأسد الأب والابن الطائفي في سوريا. امتدت الى الشيعة العراقيين وتحولت مع الميليشيات الطائفية العراقية التابعة لها بالولاء والدعم العسكري لتحكم العراق بالتناغم مع أمريكا منذ ما قبل احتلال العراق من أمريكا عام ٢٠٠٣م وبعده. تغلغلت في شيعة دول الخليج وشكلت لهم ولدولهم مشكلة وجودية. حاولت هذه الدول حلها بالتعاون مع أمريكا لكن لم تستطع ان تقضي عليها وهي تحاول الان احتواءها من خلال احتواء إيران نفسها والتوافق معها وتقاسم المصالح واياها… كما دخلت بالقوة العسكرية في اليمن وتحولت الى قوة فاعلة عبر الحوثيين ولم تدخل القضية اليمنية بالحل إلا بتوافق سعودي إيراني عبر وسطاء دوليين… الخ.

هكذا نرى أن إيران لاعب مهم في بلادنا يتناغم مع الغرب في تقاسم المصالح والدفع لاستمرار حال التجزئة والتخلف والتبعية والاستبداد ودعم الواقع الطائفي القبلي وجعله مصيرا تناحريا للعرب إلى مستقبل بعيد…

لم يختلف الغرب مع ايران الا بقضية السلاح النووي وامتلاكه وتحوله الى تهديد جدي على مصالح الغرب واسرائيل ابنة الغرب المدللة غير ذلك هي راضية عن الدور الإيراني في بلادنا المتناغم مع الغرب ومصالحه ومطالبه…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى