هل يبقى الاحتكاك الروسي ـ الأميركي في أجواء سورية تحت السيطرة؟

هبة محمد

قال “مركز المصالحة الروسي” في سوريا، إنه رصد مقاتلات الشبح الأمريكية المتطورة من طراز “إف-35” فوق المجال الجوي السوري، وذلك للمرة الأولى منذ تدخل الولايات المتحدة في البلاد.

واعتبر فاديم كوليت، نائب رئيس “مركز المصالحة”، أن طيران “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة يواصل خلق أوضاع خطيرة في سماء سوريا.

وأضاف في مؤتمر صحافي: “تم تسجيل 8 حالات انتهاك لبروتوكولات تفادي التصادم خلال اليوم الماضي، تتعلق برحلات جوية لطائرات مسيّرة لم يتم تنسيقها مع الجانب الروسي”. وتابع: “تم تسجيل 6 انتهاكات للأجواء السورية من قبل مقاتلتين من طراز (إف-16) و4 مقاتلات من طراز (إف-35) وثلاث مسيرات من طراز (MQ-1C) في منطقة التنف التي تمر عبرها الخطوط الجوية الدولية”.

وكانت قد استرعت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت إزاء تصاعد الاحتكاكات الروسية – الأمريكية في سوريا اهتمام الباحثين والخبراء الذين طرحوا جملة من الأسئلة وعلى رأسها هل سيبقى الاحتكاك بين القوى الكبرى في سوريا مضبوطاً بشكله الحالي؟ وماذا يعني وجود مبالغات في التحرك الجوي لقوات الطرفين الروسي والأمريكي وهل هي تحت السيطرة، وما مدى احتمال الانزلاق إلى مواجهات أو حرب بالوكالة بين القوى الكبرى؟

بوتين «مستعد»

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال في تصريحات سابقة، إن موسكو لا تسعى إلى صدام مع قوات حلف شمال الأطلسي “ناتو” في سوريا، مؤكدا خلال مؤتمر صحافي أنه “إذا أراد أحد ذلك فإن روسيا مستعدة”.

وأضاف في معرض سؤالٍ عن الاستفزازات الأمريكية في سوريا، إنّ “روسيا مستعدة لأي سيناريو، لكنها لا تريد صداماً عسكرياً مباشراً مع الولايات المتحدة”، مضيفاً: “نحن جاهزون دائماً لأي سيناريو، لكن لا أحد يريد ذلك، وبمبادرة من الجانب الأمريكي، أنشأنا ذات مرة آلية خاصة لمنع هذه الصراعات”.

td موازاة ذلك، أعلن مركز المصالحة الروسي في سوريا التابع لوزارة الدفاع الروسية، يوم الأحد، أن حصيلة الانتهاكات الأمريكية التي أحصتها في سوريا خلال يوليو/ تموز الحالي لبروتوكولات “منع التصادم” تجاوزت 300، فيما أجرى طيران التحالف 23 مواجهة خطيرة هذا العام مع الطائرات الروسية في سماء سوريا.

وكانت وزارة الدفاع (البنتاغون) قد وصفت تصرف طائرة روسية حلّقت بشكل “خطير” في 18 الشهر الحالي بالقرب من مسيّرات أميركية بأنه “سلوك متهور”.

وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، دعا في تصريحات سابقة، خلال مؤتمر صحافي عقده أثناء زيارته إلى أستراليا، القيادة الروسية لـ”التأكد من أنها تصدر توجيهات لقواتها للالتزام بقوانين السماء والتأكد من وقف هذا السلوك غير المسؤول”.

وجاء تصريح المسؤول الأمريكي الرفيع بعد تعرض طائرة أمريكية مسيّرة لأضرار بالغة، بعدما أصيبت بشعلة من طائرة مقاتلة روسية في الأجواء السورية، في 25 يوليو/ تموز الحالي.

احتكاك مضبوط

ولا يهدد تقاذف الاتهامات بين الجانبين الروسي والأمريكي، رغم ارتفاع حدة الاحتكاكات في السماء السورية، بمواجهة عسكرية بين الطرفين، كما أنه لا ينذر بوقوع حرب بـ”الوكالة”، برأي بعض المحللين والمتابعين للشأن السوري، وهو ما ذهب إليه الباحث في الشؤون الروسية البروفيسور محمود حمزة، حيث قال: بالنسبة للمواقف المتوترة والاحتكاك بين القوى الجوية الروسية والأمريكية هي تحت السيطرة ولن تخرج عن السيطرة.

ورأى في تصريحه لـ “القدس العربي” بأنه لا يوجد توتر حقيقي بين موسكو وواشنطن، بل هو “توتر جزئي لن يؤدي إلى صدام عسكري، ولن ينتهي بهم المطاف إلى الفراق وكما نعلم أن بين الجانبين اتفاقية فض اشتباك وتنسيقاً على الأرض السورية لتجنب الاحتكاك بين القوات الجوية ولتنسيق النشاطات العسكرية للطرفين”.

وحول التأزيم المتصاعد في الفترة الأخيرة، رأى أنه مرتبط بالحرب الروسية في أوكرانيا، والوضع الميداني بسبب نشاطات الميليشيات الإيرانية والتحرش بالقواعد الأمريكية، فضلاً عن نشاطات القوات الروسية.

وأبدى المحلل في الشؤون الروسية اعتقاده بأن هذا كله يصب في ميزان الضغط السياسي والإعلامي، إذ أن “كل جانب يحاول أن يمارس هذا الدور على الطرف الآخر لتحقيق مكاسب سياسية” لافتاً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على صد الروس وإبعادها عن منطقة شرق الفرات، لكن لها مصلحة في ذلك. وقال: هناك مصالح جيوسياسية كبيرة، وأصلاً دخلت روسيا إلى سوريا عسكرياً بضوء أخضر أمريكي فلا يتوهم أحد بأن يدخل الأمريكان بحرب على الأرض السورية مع روسيا، وهذا مستبعد تماماً، خاصة أن هناك تفاهمات كبرى بين روسيا وأمريكا وإسرائيل حول سوريا، لن يتخلوا عنها بهذه البساطة.

وخلص المتحدث إلى استحالة أن تنزلق الأوضاع إلى صدام عسكري شامل بين الطرفين، معتبرًا أن “هذا خطير وسينقل الوضع إلى مستوى آخر” وأضاف “إن كان هناك صدامات لا بد أن تحدث، فسوف تكون بالوكالة عن طريق مرتزقة كل طرف وستكون بين ميليشيات قسد وميليشيات الروس من النظام أو فاغنر أو مجموعات مسلحة مختلفة، أما ان تصل الأمور إلى أن تصادم دول كبرى على الأرض السورية فهذا مستبعد تماماً”.

«صفقات سرية»

وقال حمزة: منذ أن دخلت القوات الأمريكية 2014 شكلت التحالف الدولي وهم يعملون على الأرض السورية بكل حرية، وبعدها دخل الروس عام 2015 وتفاهموا على توزيع الأجواء والأرض، وصحيح يمكن أن تحدث مبالغات في التحرك الجوي ولكن كله تحت السيطرة ولن يخرج عن السيطرة.

وبالمناسبة، تحدث حمزة عن تسريبات قوية حول اتفاقيات وصفقات سرية بين روسيا وأمريكا حول أوكرانيا، معتبرا أن ما يجري هو “لعب خلف الستار”.

وهو ما اتفق معه مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية محمد سالم، في تصريح لـ “القدس العربي” حيث ذهب إلى أن هذا الاحتكاك سيبقى مضبوطاً بشكله الحالي دون انزلاق الى مواجهات أو حتى حرب بالوكالة بين القوى الكبرى.

وعزا سالم السبب إلى وجود إرادة أمريكية للبقاء وقدرتها على ردع الروس والايرانيين من القيام بنشاطات أكبر، مرجحاً أن تبقى محاولاتهم في ذات المستوى المتواضع خوفاً من ردات فعل أمريكية قوية.

وقال المتحدث: إن الاحتكاك بدأ بالدرجة الأولى من قبل الروس من خلال تحرش مقاتلاتهم بالمسيرات الأمريكية (الطائرات بدون طيار)، وذلك بالتوازي والتنسيق مع التحرشات الايرانية بالقواعد الأمريكية عبر المسيرات والصواريخ، ويهدف الطرفان إلى الضغط على الأمريكيين لدفعهم للانسحاب.

وعلى النقيض من ذلك، رجح الضابط المصري نصر سالم في لقاء مع قناة “روسيا اليوم” أن تدفع كل من روسيا وأمريكا القوى المتحالفة لخوض حرباً عنها بالوكالة.

وقال إنّ “الرئيس الروسي يعي جيداً في خطابه إمكانية حدوث مواجهة بين أمريكا وروسيا على الأراضي السورية”. وأضاف اللواء أنّ “الأمريكيين قد يلجأون لتسخين الجبهة السورية لاعتبارات عدة، أوّلها أنهم مشتبكون عسكرياً رفقة دول (حلف الناتو) مع روسيا على الأراضي الأوكرانية ولو بأسلوب غير مباشر، ومن ثم فإن فتح جبهة جديدة مع روسيا على الأراضي السورية وارد وبقوة والرئيس بوتين يعلم ذلك جيداً ومن ثم أطلق هذا التصريح التحذيري”.

واستبعد اللواء المصري أنّ “تتورط الولايات المتحدة بأسلوب مباشر في مواجهة مع روسيا في سوريا”، مرجحاً أنها ستجعل القوى المتحالفة معها تخوض حرباً بالوكالة.

وقال: من الممكن أن يكون فتح جبهة جديدة مع روسيا في سوريا من قبل الأمريكيين بأسلوب غير مباشر أيضاً من خلال إعادة تمويل وتسليح تنظيم “داعش” أو الأكراد أو غير ذلك من القوى الموالية لهم على الأراضي السورية، وذلك لتشتيت الجهود الروسية واستنزاف قواها العسكرية وهو الأمر الذي ينتبه إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيداً؛ لذلك إنّ تصريحاته محسوبة بدقة”.

وتابع: ربما يكون إخفاق القوات الأوكرانية في تحقيق أي نتائج ملموسة على الأرض في مواجهة القوات الروسيّة سبباً آخر لرغبة الأمريكيين في فتح جبهة جديدة في سوريا.

وكانت القوات الجوية الأمريكية، قد أعلنت يوم الأربعاء، أن سرباً من طائرات “إف-35” المقاتلة وصل إلى منطقة القيادة المركزية الأميركية، لتعزيز سرب طائرات “A-10” و”F-16″، الموجودة بالفعل في المنطقة، والقيام بدوريات في مضيق هرمز، وفق قناة “سكاي نيوز” الأمريكية.

ويأتي ذلك بعد محاولات متعددة من جانب إيران، في وقت سابق هذا الشهر، للاستيلاء على ناقلات نفط بالقرب من مضيق هرمز، مما دفع البحرية الأمريكية إلى الرد، بالإضافة إلى المشاركة في العمليات ضد “تنظيم الدولة” (داعش) في سوريا، وبشكل خاص بعد المناوشات مع الطائرات الروسية في الأجواء السورية.

المصدر: «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى