صناعة الحزن في عاشوراء

د- عبد الناصر سكرية

أن تكون ذكرى مقتل الحسين بن علي عليهما السلام والحب والإكرام، مناسبة لإستجرار حزن مصطنع فات أوانه ، واستجداء تحريض غريزي يتخذ لذاته طابعا مذهبيا ؛ وإستخراج سلسلة من الممارسات اللاعقلانية بكل ما فيها من تمثيل ومبالغة وتسخيف للعقل وكرامة الإنسان ؛ عبر جماعات منظمة من المنشدين المتخصصين في استدرار النواح في المناسبة مدفوعي الأجر ، إنما يمثل كل ذلك منهجاً محدداً في إستغلال المناسبة لغير قيمها ومعانيها الاستشهادية والأخلاقية والإنسانية وما فيها من ترفع عن مصالح الدنيا ومغرياتها لصالح قيم الحق والعدل..وذاك منهج رعته وترعاه قوى محلية وإقليمية ودولية ذات مصالح سياسية دنيوية لا تمت إلى الإسلام بصلة ولا إلى آل بيت الرسول بقرابة من قيم ومثل وأخلاق..لم يكن في سيرة أحفاد الحسين شيء من هذا أبدا..ليس من سنة ولا شيعة..ولمن يريد أن يكون صادقا في حب آل البيت والحزن على مقتل الحسين فليلتزم نهج وسلوك وسيرة الإمام العظيم جعفر الصادق أحد أهم فقهاء الإسلام المجتهدين ومؤسس المذهب الجعفري الشيعي العربي..

ما يجري منذ رعاية الإحتلال البريطاني للعراق في عشرينات القرن العشرين من إدماج التحريض المذهبي في إحتفاليات عاشوراء والمبالغة بالتعبيرات المتطرفة عنها ؛ مرورا برعاية نظام الشاهنشاه الإيراني لذات المنهج وصولا إلى تضخيمه مع النظام الديني الحالي في إيران ؛ ليس عملا إيمانيا بل تسخير سياسي لمناسبة تاريخية لخدمة مصالح وأطماع ليست في مصلحة دين الإسلام وقيمه وأخلاقه ولا في مصلحة المسلمين وما تقتضيه من وحدة وتضامن وتكاتف في مواجهة عشرات التحديات والأخطار التي تهدد دينهم برمته وأخلاقه  بل تهدد  وجودهم ذاته..ما لم تكن أية إحتفالية بأية مناسبة ؛ دينية أو سياسية أو تاريخية ، توظف لتعزيز التماسك الإجتماعي في بلاد العرب والمسلمين وبالتالي تعزيز مناعتهم وصمودهم وقدرتهم على مواجهة التحديات الوجودية عليهم جميعا ؛ فإنها تفقد قيمتها ..بل تصبح خطرا يضاف على ما تواجهه بلادنا من أخطار إذا ما إقترنت بالتحريض الغريزي الإنقسامي وبالحض على العصبيات المذهبية القاتلة..من أية جهة أتت وكائنا من كان وراءها..علم بذلك أم لم يعلم..وحدة وتماسك مجتمعاتنا ترتقي إلى مستوى القدسية خصوصا في مثل ما تعيشه من تحديات وأخطار وأمراض..

إن مراسم الإحتفالات القائمة بعاشوراء وما يصاحبها من تعبئة وشروحات مضخمة يشوبها الكثير من المغالطات والمبالغات والأكاذيب التاريخية ؛ تقوم على تحريض غريزي مذهبي إنقسامي مباشر و عدائي موجه ضد من يسمونهم ” السنة ”  بصفتهم” قاتلي”  الحسين وأحفادهم.. وتلك التعبئة وذلك التحريض يجعلونها عملاً يومياً مستمراً متصاعداً بل جعلوها محور تفكير وإهتمام الإنسان بما يحقق لهم ترسيخ فكرة الإنقسام المذهبي في عقل ووعي ولا وعي المسلم ممن يسمونهم ” الشيعة “..وهذا خطر يتهدد الجميع سنة وشيعة وإسلاما ووجودا ..يعيش المسلمون اليوم في اخطر مراحل تاريخهم فيصارعون أعداء متعددين ذوي إمكانيات هائلة وإمتدادات متشعبة يخوضون علينا مئات المعارك الوجودية في كل ميادين الحياة..مشمولين بكل أنواع الفساد المدروس والإفساد المتعمد ؛ فليس مقبولا وسط هذا كله ؛  الإمعان في تشتيت القوة وتصديع البنيان وإثارة الغرائز من أية جهة كانت..المنهج المؤمن الصادق يجب أن يكون توحيديا جامعا طاردا لكل أشكال الضعف والتشتت والإنقسام..وهذا عدو صهيوني يحتل بلادنا ويقتل شعبنا ويتسلل في كل حياتنا ومجالاتها حتى ليكاد يكون هو الموجه والمسيطر والمستفيد الأكبر من واقع حالنا المتردي في كل بلاد المشرق العربي وغيرها..فهل يعقل أن لا نسمع خطابا أو أدبا يحدثنا عن ماهية الصهيونية وأساليبها ويفند أكاذيبها وإدعاءاتها الدينية التي تبرر بها إغتصابها لفلسطين وينبهنا إلى إمتداداتها داخل بلادنا وفي أجهزتها وإعلامها وسياساتها ومصالحها الإقتصادية ومياهها البحرية وأنهارها ؛  إلى غير ذلك من أشكال التوعية والتعبئة اللازمة لتحصين مجتمعاتنا وتحضيرها لصمود طويل المدى مطلوب للبقاء وإسترجاع الحق السليب والأرض المغتصبة والتحرر والتقدم ؟؟ وهل مواجهة الفقر والجهل والتخلف والقهر والظلم والضعف والفساد الذي يعيشه إنساننا العربي ، تكون بالعصبيات المذهبية والتحريض الإنقسامي ؟؟

إن مواجهة تحديات الحياة الراهنة للمسلمين جميعاً ،  أولى وأهم وأصدق تعبيراً من أية إحتفاليات مهما تكن رمزيتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى