أعدها معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب وتقدم تقييماً لاستراتيجية “المعركة بين الحربين” خلال 10 سنوات.
على مدى السنوات الأخيرة، ومع كل تهديد وجهته إسرائيل إلى إيران، وإثر كل قصف نفذه سلاح الجو الإسرائيلي على سوريا، كانت القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب تتسلح بمخاوفها من “تموضع إيران في سوريا”.
لكن ما تمخضت عنه دراسة إسرائيلية حول الوضع الأمني في الجبهة الشمالية والتركيز على خطة الجيش “المعركة بين الحربين”، أظهر أن استخدام هذا المصطلح مبالغ فيه، والمعركة التي كثفت تل أبيب تنفيذها من خلال قصفها المتواصل على سوريا، لم تحقق أهدافها فحسب إنما أدت إلى نتائج سلبية في كثير من المرات.
الدراسة الممتدة على 50 صفحة من إصدار معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، تناولت مختلف الجوانب ذات العلاقة بالتوتر الأمني تجاه سوريا ولبنان، وكذلك دور روسيا والولايات المتحدة في المنطقة، وركزت بشكل خاص على مدى نجاعة “المعركة بين الحربين” وخرجت بتوصيات عدة في مركزها:
– تركيز عمليات المعركة على الأهداف المهمة باستهداف “حزب الله”، إزاء الثمن الذي تتكبده إسرائيل مع تغيير وضعية رئيس النظام السوري بشار الأسد وشرعيته الإقليمية.
– إعادة التفكير في مهاجمة أهداف مدنية وتشكيل وتوظيف وسائل غير عنيفة وسرية وسياسية في المنطقة.
– خلق تمييز واضح بين ميليشيات “حزب الله” والحكومة اللبنانية والشعب اللبناني من أجل زيادة الضغط لكبح جماح “حزب الله”.
– تشكيل تحالفات إقليمية وعالمية، ليس فقط لغرض محدود وقوي لمفهوم “جبهة دفاعية ضد إيران” إنما في إطار أوسع من شأنه أن يساعد على تجديد الاهتمام الأميركي في المنطقة وتشكيل ثقل موازن لقوة إيران المتنامية.
حرب متعددة الجبهات
الدراسة الإسرائيلية حذرت بشكل واضح من ضعف لدى الجيش الإسرائيلي في مختلف الجوانب، موصية بضرورة “إعداد سيناريو حول استعداد الجيش لمواجهات متعددة الجبهات، وفحص قدراته بدقة وتجديد الاهتمام بالجوانب التي تم إهمالها، خصوصاً (القوة البرية واللوجيستيات والعمليات بقوات كبيرة وجيش الاحتياط)”.
وشككت الدراسة في قدرة الجيش الإسرائيلي على خلق وضع يتعامل فيه مع سيناريو حقيقي متعدد الجبهات.
استقرار نظام الأسد
“المعركة بين الحربين” ركزت بالأساس على قصف سوريا وأهداف بعيدة المدى، لكن ما شهدته المنطقة من تغيرات إقليمية، سواء في استقرار النظام السوري والتقارب بين إيران وما سمتهم الدراسة خصومها في المنطقة مقابل ابتعاد الولايات المتحدة، كانت نتائج لجانب سلبي جلبته المعركة وكل ذلك ليس في صالح إسرائيل.
بحسب الدراسة فإن “القصف المكثف على سوريا بشكل مستمر وتحمل إسرائيل المسؤولية، خلافاً لما كان متبعاً لدى قيادتها في بداية هذا القصف بالامتناع عن الرد أو تحمل المسؤولية، ساعد على تشكيل محور داعم لإيران وضد تل أبيب، مما جعل الاحتمال أكبر لخطر امتداد المواجهات إلى جبهات متعددة وخلق أعداء مختلفين”.
جانب آخر من المردود السلبي لخطة الجيش الإسرائيلي “المعركة بين الحربين” يتمثل في أن تركيزه على العمليات الجوية والسرية إلى جانب الاستخبارات والسايبر أدى إلى استخدام أدوات باهظة على حساب مهام ضرورية للجيش واستعداده، خصوصاً لحرب متعددة الجبهات.
هذا الاستعداد أوضحت الدراسة في أكثر من جانب عدم جاهزية الجيش له، على عكس التصريحات والتهديدات التي أطلقتها القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل، خلال الفترة الأخيرة، متمسكة بأن “هناك تخوفاً من صعوبات حقيقية لدى القيادة العسكرية وقوات الجيش البرية والجوية والبحرية في التأقلم مع ظروف مواجهات كهذه”.
ضرورة إنهاء الحملة
إحدى أبرز توصيات الدراسة هي “إجراء بحث معمق في كيفية إنهاء خطة (المعركة بين الحربين) والتركيز على عمليات مقتصرة على منع تعاظم القدرات العسكرية لدى العدو، و(حزب الله) على وجه الخصوص، والتوقف عن الحديث عن الخطوط الحمراء المتعلقة بتموضع وترسيخ إيران في سوريا”.
في مقابل هذه التوصيات ترى الدراسة ضرورة في أن تظهر إسرائيل، على رغم حقيقة الوضع، أنها لا تخشى حرباً متعددة الجبهات والأهم “عدم قبول أي نوع من الخطوط الحمراء التي يحددها العدو”.
وتمسكت بضرورة العمل بشكل مكثف على ضمان عودة الولايات المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط وضمان دور مهم لها، وذلك “من خلال إقامة تحالفات ليس فقط إقليمية إنما عالمية أيضاً تشكل وزناً كبيراً قادراً على مواجهة إيران والمحور الداعم لها في المنطقة وكذلك روسيا والصين”.
10 سنوات
تزامنت الدراسة الإسرائيلية مع مرور عشر سنوات على تنفيذ خطة الجيش “المعركة بين الحربين”، التي انطلقت في عام 2013، “كعمليات ضد أهداف محددة، في مركزها منع نقل الأسلحة المتطورة من سوريا إلى حزب الله في لبنان واتسعت إلى حملة واسعة النطاق”.
بدا توجيهاً واضحاً من الدراسة لمتخذي القرار في إسرائيل “بأهمية إعادة البحث في مدى فائدة الخطة وتأثيرها في الوضع الإقليمي لإسرائيل والطريقة التي ينظر بها مختلف الخصوم إليها في كل مرحلة من مراحلها”، لأنها بذلك تعزز استعداد الخصوم لخوض المجازفة وتنفيذ عمليات في وقت لا يكون الجيش جاهزاً لها.
من نهاريا وحتى إيلات
بعد ساعات من نشر هذه الدراسة، دعا الحاخام نير بن ارتسي، الذي يدعي أن لديه قدرات خارقة للطبيعة، إلى وقف أعمال الاحتجاج ضد الحكومة الإسرائيلية، موضحاً أن “حزب الله يجري تحقيقاً حول ضعف إسرائيل لشن هجوم من نهاريا (شمال إسرائيل) حتى إيلات (جنوب)”.
وقال إن “حزب الله يفحص نبض إسرائيل وشعبها ويتحقق من مدى ضعف وزارة الأمن والجيش، وينتظر اللحظة المناسبة عندما تكون الحكومة في حيرة من أمرها، لشن هجوم من نهاريا إلى إيلات ضد تل أبيب ومدينة تلو الأخرى، هذه صورة حقيقية للوضع”.
وفي حديثه دعا إلى تكريس الوقت في إسرائيل لتعزيز الأمن “وإجراء تفتيشات داخل كل قرية (يسكنها فلسطينيو 48)، إذ إن بعض العرب من المطلة وحتى إيلات يمتلكون أسلحة وذخيرة”.
وذكر الحاخام بن ارتسي “لدى حزب الله آلاف الصواريخ المثبتة والموجهة نحو تل أبيب ومحيطها. الأمر يتطلب الضغط على زر واحد من لبنان من قبل حزب الله وحماس والجهاد، وكذلك من جنين والخليل ونابلس وإيران… الجميع ينتظر هناك وفي المقابل هناك بعض الفلسطينيين في الضفة الغربية يبحثون عن هذه اللحظة لتنفيذ حرب كحرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973)”.
المصدر: اندبندنت عربية