كل الأنظار تتوجه هذه الأيام إلى ما يسمى محاربة الإرهاب، سواء كانت دولية أم إقليمية، يضاف اليها تلك المتحالفة بالضرورة مع العصابة الحاكمة في دمشق، من دول طائفية، كإيران أو تلك الميليشيات التي استقدمتها معها إلى الأرض والجغرافيا السورية، فالقوات الأميركية ومعها الروسية وتلك التحالفات الدولية لم يعد من هم لها، سوى التجمع والتكوّر لمحاربة الإرهاب، لكنها جميعًا وعلى طول المدى، متغاضية عن التوجه لمحاربة أو لجم ذلك الإرهاب الأساسي والأصلي، ومن ولد ذاك الإرهاب المصنع في سجون النظامين العراقي والسوري، والمرسل من أجل شيطنة الثورة السورية، والإساءة الى الربيع العربي برمته، في محاولة جادة من أجل لي عنق الثورة، واستباحة دم الثوار، ومن ثم التوجه لمحاربة ( تنظيم الدولة الإسلامية) وملحقاتها، وكأن ما يفعله بشار الأسد ونظامه الفاشيستي وميليشياته الطائفية مما يسمى بـ(الدفاع الوطني) أو (النجباء) أم ( الفاطميون) أم ميليشيا ( حزب الله) اللبناني، كأن كل هؤلاء ليسوا بإرهاب، ولا ينخرطون تحت مسمى الإرهاب، وكأن سياسة الأرض المحروقة التي يتبعونها، وسياسة التدمير بالبراميل، والصواريخ البالستية، والنابالم والفوسفور، والكيماوي ومنه الكلور، كأن كل ذلك لا يدخل تحت مسمى الإرهاب، وأن إرهاب الدولة الممارس ضد الشعب السوري منذ أكثر من ست سنوات أو يزيد، واستشهاد ما يربو عن 600 ألف مواطن سوري مدني، واعتقال أكثر من 300 ألف سوري في أقبية الموت الأسدي اليومي، وتهجير ما يعلو على عشرة آلاف مواطن سوري تهجيرًا قسريًا في الداخل والخارج، كأن كل ذلك وغيره من قتل عشرات الآلاف من الناس تحت التعذيب، لا يدخل تحت مسمى الإرهاب، ولا يقارب التصنيف الدولي للإرهاب سيء الصيت .
إن الممارسة الطاغوتية الأسدية الإيرانية لإرهاب الدولة/ العصابة بمعناها المصطلحي فاق كل حد ، وتجاوز كل معنى ، وطغى على جميع التصنيفات الاستبدادية العنفية الهادرة لدم الانسان ، والقامعة لحرية البشر، والتي تسفك الدماء بلا أي وازع من ضمير أو أخلاق ، وهي في الوقت ذاته مدعية للمقاومة والممانعة وحراسة حقوق البشر، وهي من تقوم بهدر كرامة الناس ، ومحو الأنسنة برمتها، تحت دعاوى كثيرة ، ليس آخرها الحفاظ على السيادة الوطنية ، بعد أن أصبحت مشاعا للغادي والصادي، وأضحت مجالا للفكاهة والسخرية، بينما إسرائيل تستبيح سماء سورية، وروسيا تستبيح أجواءها ، لتترك الاستباحة الأرضية لإيران ومن انضوى تحت لواء مشروعها الفارسي الطائفي، الذي يطال المنطقة كل المنطقة وليس سورية فقط.
الإرهاب الأسدي هو من سمح بالانخراط الاحتلالي الروسي الصريح في الواقع السوري عسكريًا، وإرهاب الدولة/ العصابة هو من أدخل الدور الروسي الذي جاء ومنذ البداية ليتكئ مباشرة على مصالحه البراغماتية، دون الالتفات إلى كل المحددات الأخرى، في واقع معاناة الشعب السوري عامة.. وهو إذ يفعل فعله اليوم احتلالًا عسكريًا أباحيًا في الجغرافيا السورية، فإنما مرد ذلك إلى الكينونة الإقليمية، الغارقة في تدخلاتها واحتلالاتها المستمرة، منتهكة بذلك قدسية الأرض السورية، ومعولة أيضًا على حالة التراخي الدولي، التي لم تعد خافية على أحد ،في تعاملها مع الدم السوري النازف، والتهديم اليومي لكل البنى التحتية في مدى الجغرافيا السورية من أقصاها إلى أقصاها… وهنا وضمن هذا الواقع الذي يرفضه الشعب السوري بقضه وقضيضه، مهما كانت مصالح روسيا أو سواها، ومهما صرحت بعض وسائل إعلامها، من أنها غير متمسكة برأس السلطة السورية الآنية، وأن مصالحها هي الأبقى والأكثر أهمية .. فإنه يجدر القول: أن خيارات (بوتين) في سورية، خيارات آيلة للسقوط إن لم تكن قد سقطت في الوحل السوري، الذي سيغرقها خنقًا، إن شاء الله، فليس الشعب السوري من يركن لهذه الاحتلالات، التي يعرفها جيدًا قديمًا وحديثًا، ويدرك كيف يتعامل معها، من أجل وحدة ترابه، والخروج من عنق الزجاجة، إلى مآلات الحرية والكرامة، التي خرج من أجلها، منذ اليوم الأول للثورة السورية السلمية الظافرة.
ولعل من نافل القول الحديث عن مسألة أن من يستمر في التلطي على أبواب موسكو (رغم هذا التدخل الروسي السافر لمصلحة النظام) إنما يكون وسواء وعى ذلك أم لم يعيه، قد جعل من هذا التدخل شرعيًا، بل ومقبولًا دوليًا واقليميًا.. وهو بذلك يعرف أن كل من وضع بيضه في سلة موسكو عاد بخفي حنين، ولم يجنِ للشعب السوري أي مسألة تفيد مساره باتجاه الحرية، وأن الروس يلعبون في الوقت الضائع، ويطبلون ويزمرون لبعض أشكال المعارضة التي صنعتها الأجهزة الأمنية السورية، ليصنعوا منها (بعد مدة من الزمن) حالة يبدو وكأنها حقيقية. بينما يرى الشعب السوري أنها وهمية وضحلة، ولا تعبر عنه بل تساهم في لجم ثورته وبعثرة مساراتها، والواقع البراميلي يشير إلى استمرار القتل اليومي الفاجر لشعبنا، الذي لم يعد يصدق أحدًا، ولم يعد يقبل لا بموسكو ولا بمنتجاتها، ولا بكل المتشدقين باسم الشعب والشعب منهم براء.
إن إرهاب الروس وسياسة الروس المرتكنة إلى الإرهاب الأسدي، وهي اليوم تقحم نفسها في المخاضة السورية، إنما تدفع بسياساتهم العسكرية والاقتصادية إلى مآلات لا يمكن العودة عنها، ولن يغفرها لهم الشعب السوري المقهور والمظلوم، والطالع من رحم المعاناة إلى سمو الحرية والكرامة التي لا ولن يتراجع عنها، وصولًا إلى سيادة الدولة الوطنية السورية على كامل التراب الوطني السوري.
المصدر: الغربال