يعود الاستعصاء السياسي ليقف في طريق الملف الإنساني في سورية، إذ تدل المؤشرات على أن روسيا ستذهب بعيداً في عرقلتها لتجديد آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية عبر الحدود، لا سيما بعد تكرار استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الغربي الهادف لتمديد الآلية لمدة 9 أشهر، في حين تصر على تمديدها لـ6 أشهر فقط.
واستخدمت روسيا مساء أمس الأول الثلاثاء حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار سويسري ـ برازيلي يجدد آلية إدخال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود لشمال غرب سورية، عبر معبر باب الهوى، لتسعة أشهر، إذ صوتت 13 دولة لصالح القرار، وامتنعت الصين عن التصويت، فيما استخدمت روسيا الفيتو ضد المشروع.
وإثر ذلك، تقدمت روسيا خلال الجلسة نفسها بنص مشروع قرار خاص بها حصل على تأييد منها ومن الصين فقط، وامتناع عشر دول عن التصويت، واعتراض ثلاث دول عليه، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وبالنتيجة، لم يتم تبني مشروع القرار الروسي. ويجدد المشروع الروسي للآلية لستة أشهر بدلاً من تسعة أشهر.
ومن غير الواضح ما إذا سيشهد مجلس الأمن الدولي جولة مفاوضات جديدة حول التجديد للآلية عبر مشروع قرار جديد، وهو ما حدث في الماضي في سيناريوهات مشابهة.
اشتراطات روسية
وخلال مداخلته قبل التصويت على مشروع القرار الروسي، بعد استخدام روسيا للفيتو على مشروع القرار البرازيلي السويسري، قال مندوب روسيا إلى مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا: “يمكن إنقاذ الآلية العابرة للحدود فقط إن قمتم بدعم مشروعنا، والذي يتضمن إجراءات لتصليح هذه الآلية”، وهدد بأنه “إن لم يحظ مشروعنا بالدعم فإن هذه الآلية قد تغلق، ولا ننوي القيام بتجديد فني لأي فترة كانت”.
وردت السفيرة السويسرية لدى الأمم المتحدة، باسكال بيريسويل، بالقول: “لن نسمح بأن يعيق الفيتو الذي استُخدم جهودنا، وسنعمل مع كل أعضاء المجلس للوصول بالمساعدات إلى كل من يحتاج إليها، سنعمل من أجل التوصل لحل”. وتحدثت للصحافيين بعد الجلسة عن محاولة “التوصل لأرضية مشتركة”، غير أنها لم تفصح عن تفاصيل أو مفاوضات للتوصل لتلك الأرضية.
وتصدت سويسرا والبرازيل لصياغة المشروع كونهما يحملان قلم الملف الإنساني السوري في مجلس الأمن في دورته الحالية، ويشير البلدان إلى أنهما أخذا بعين الاعتبار، وبعد مفاوضات طويلة، المواقف المختلفة، بعد الاستماع للعاملين في الميدان والأمم المتحدة التي عبّرت عن ضرورة التفويض لعام كامل لتنفيذ المشاريع التي تتجاوز مجرد إنقاذ الأرواح، وأن مشروع القرار نص على التمديد للآلية لتسعة أشهر (كحل وسط بين المطالب الغربية والمطلب الروسي).
وأعلنت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن-كلير لوجاندر، في تصريحات أمس الأربعاء، أنّ “فرنسا تأسف للفيتو الروسي ضدّ هذا القرار”. وأوضحت أنّ “هذا الموقف يؤكّد عزلة روسيا المتزايدة في كلّ المحافل الدولية”. وأضافت أنّ “المساعدات الإنسانية عبر الحدود حيوية لملايين السوريين”، معتبرةً أنّ “لا بديل اليوم لإيصال المساعدات لأكثر من 4,5 ملايين شخص”.
من جهتها، قالت مندوبة بريطانيا لدى مجلس الأمن الدولي، باربرا وودورد، إنه “لا توجد حجة منطقية أو أخلاقية للفيتو الروسي ضد القرار بشأن إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سورية”. ودعت في كلمة لها أمام المجلس، روسيا لأن “تضع احتياجات الشعب السوري فوق أي اعتبار آخر”.
من جهتها انتقدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أسلوب روسيا بفرض رؤيتها على المجلس، وقالت: “إما أن تكون الأمور كما نشاء أو لا تكون. هذا هو أسلوب التفاوض الروسي”.
وانتقدت كذلك رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالقول: “المنظمات الإنسانية تدعو لتمديد للعمل عبر المعابر الثلاثة ولمدة سنة على الأقل (بالإشارة إلى معبري الراعي وباب السلامة اللذين وافق الأسد على فتحهما لإدخال المساعدات بعد كارثة الزلزال في فبراير/ شباط الماضي، بالإضافة لمعبر باب الهوى المفتوح أساساً أمام المساعدات الأممية)”. وتابعت: “قال الأسد إنه سيبقي على هذه المعابر مفتوحة بعد 13 أغسطس/ آب كما سمعنا من بعض الدول الأعضاء في المجلس”، مضيفة: “إذا لم يفِ بذلك، فإننا سنعرض هذا على المجلس خلال رئاستنا لمجلس الأمن (الشهر المقبل)”.
يُشار في هذا السياق إلى أنه من المتوقع أن تطلب رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد اجتماع لنقاش استخدام روسيا للفيتو خلال أسبوعين، وهو إجراء بدأ العمل به منذ قرابة العام بعد تبني الجمعية لقرار بموجبه يجب عقد الجمعية لاجتماع تشرح فيه الدول مواقفها حول الموضوع، وتقدم الدولة التي استخدمت الفيتو أسبابها.
استهتار بمصير ملايين السوريين
من جهته، دان فريق “منسقو استجابة سورية”، ما وصفها بـ”التصرفات غير المسؤولة من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، والاستهتار الواضح بمصير ملايين المدنيين في سورية”. وأشار في بيان إلى أنه “كان من المتوقع أن يستخدم الجانب الروسي حق النقض قبل بدء الجلسات العلنية، ومع ذلك أصرت باقي الدول على تقديم مقترح مشروع محكوم عليه بالفشل سابقاً”.
وأوضح الفريق أن “التصرفات التي يقوم بها أعضاء مجلس الأمن الدولي، ستبقي حركة معبر باب الهوى الحدودي متوقفة لمدة تقديرية لا تقل عن أسبوعين أمام حركة العمليات الإغاثية وحركة الوفود الأممية نتيجة توقف الآلية السابقة، وبالتالي نقص إضافي في المخزون الحالي في شمال غرب سورية”.
وتابع: “طالبنا عدة مرات بتحويل أي مشروع قرار يخص العمليات الإنسانية في سورية إلى الجمعية العامة للبت فيه بعيداً عن التلاعب الروسي في الملف الإنساني السوري، علما أن القانون الدولي واضح وصريح ولا ينبغي أن يكون هناك حاجة لأي تصريح من مجلس الأمن الدولي لإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين لها”.
هل تكون “إنصاف” البديل؟
وحول البدائل الممكنة في حال إصرار روسيا على مقترحها، وعدم التجاوب الغربي معه، رأت المديرة الإقليمية لـ”هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية” هدى أتاسي، أن البديل عن آلية الأمم المتحدة هو منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية، التي من المفترض أن تأخذ الجزء الأكبر من المنح المقدمة من الدول إلى سورية.
وأضافت لـ”العربي الجديد” أن “المنظمات الدولية ستبقى مستمرة بإدخال المساعدات على الرغم من توقف الآلية الأممية”، مشيرة إلى أن “القرار سيوقف فقط قافلات المساعدات التي ستدخل عبر الأمم المتحدة، ووكالاتها المتعددة، وبالتالي فإنه يمكن استبدال الأمم المتحدة ووكالتها لإدخال المساعدات بالمنظمات الدولية التي لا تعمل تحت إطار الأمم المتحدة، أو تكون هناك عقود واتفاقات مباشرة مع المنظمات المحلية السورية”.
وكشفت أتاسي أن “الفترة الأخيرة شهدت تحضير منصة بديلة عن “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا)، وهي منصة “إنصاف” والتي تأخذ على عاتقها دوراً تنسيقياً لتوزيع المنح بين المنظمات”. وتابعت: “في هذا العام تسلمت “إنصاف” أول المنح لها بمبلغ 25 مليون دولار، وتم تسليم المبلغ لعدد من المنظمات كبداية لعمل هذه المنصة، وبالتالي يمكن لهذه المنصة أن تكون بديلاً أول كمنصة تنسيقية بين الدول المانحة والمنظمات، والبديل الثاني هو المنظمات الدولية”.
وأشارت أتاسي إلى أن “المنظمات السورية المحلية، طرحت نفسها أيضاً بديلاً عن الآلية لاستلام المنح المقدمة من الدول، لأن المنظمات بات لديها كفاءة وخبرة طوال أعوام طويلة من العمل الميداني على الأرض”. وأشارت إلى أن “هذه البدائل ممكن أن تسد جزءاً كبيراً من عمل الآلية سابقا، لكن لا ينفي ذلك أن تكون هناك صعوبات في البداية لتغير الأنظمة المتبعة سابقاً”.
من جهته، اتفق علاء بكور، وهو مدير برامج الشباب والحماية في منظمة “بنفسج” التي تعتبر من أبرز المنظمات المحلية السورية العاملة شمال غربي البلاد، مع أتاسي بأن تكون “منصة إنصاف بديلاً عن الآلية الأممية”، معللاً لـ”العربي الجديد” بأن “الغرب أنشأها لهذا الغرض وهم بالأساس بدأوا بتمويل هذه المنصة وتفعيلها”. ورأى كذلك أن الأمر قد يأخذ وقتاً للاعتياد على المنصة الجديدة، لكن لن تتوقف عملية إدخال المساعدات، بحسبه.
وقلل بكور احتمالية عدم التوصل لاتفاق في مجلس الأمن بين الروس والغرب، قائلاً إن “من مصلحة الروس أن يتم الاتفاق على إدخال المساعدات عبر الأمم المتحدة، لكون “أوتشا” تقوم بتوزيع الدعم في مناطق سيطرة النظام، أما المنصة الجديدة فستركز على الدعم في شمال وغرب سورية، ما يعني أن الروس في حال تشبثهم سيخسرون الدعم المقدم من قبل الأمم المتحدة لمناطق النظام السوري”.
يُذكر أن “إنصاف” هو صندوق إنساني مشترك متعدد المانحين تم إنشاؤه من قبل المانحين الدوليين نهاية العام الماضي لتلبية الاحتياجات ذات الأولوية في شمال سورية، تحسباً لعرقلة روسيا تمديد آلية إدخال المساعدات بداية العام الحالي. وكان الاسم يشار له بداية إلى “أنصاف”، قبل أن يتم اعتماد AFNS وهي اختصار لـThe Aid Fund for Northern Syria، أي “صندوق المساعدات لشمال سورية”.
وتم إنشاء المنصة للحفاظ على استمرارية المساعدة الإنسانية للمحتاجين، في المجتمعات المحلية ولتكملة الاستجابة الشاملة وتستند إلى الاحتياجات الإنسانية وحدها. وتربط المنصة البلدان المانحة والوكالات المتعددة الأطراف والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص في ترتيب تعاوني مع مهمة جماعية للحفاظ على استمرارية المساعدة الإنسانية المرنة متعددة المانحين لسورية في سياق ديناميكي ومتوافق مع خطة الاستجابة الإنسانية إلى شمال غرب سورية. ودعمت أربع دول هي: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى إنشاء الصندوق أو المنصة، على أن تقودها شركة “آدم سميث” الدولية، مع فريق توجيهي ومساعد من المنظمات المحلية السورية والدولية.
المصدر: العربي الجديد