لماذا لا يصل حزب الشعب الجمهوري إلى السلطة في تركيا؟

لطفي أوزشاهين

يبدو وكأنه منفصل عن المسيرة الاجتماعية للأمة ويتعثر أحياناً في فهم سطحي للتاريخ يربطه بـ”الكمالية”. في البداية أود أن أشير إلى أن الغرض من كتابتي هذا المقال هو عدم إلقاء اللوم على حزب الشعب الجمهوري والأشخاص الذين صوتوا لصالحه وإهانتهم، هدفي هو التعبير عما أفكر به بوضوح، والاستفادة من النقد العلمي، وجعل أعضاء الحزب المخلصين يفكرون، وبالطبع ستكون دقة المقال وأوجه القصور فيه موضوعاً للمناقشة، راجياً أن يكون مفيداً.

النقد والتعليقات بخصوص حزب الشعب الجمهوري على شاشات التلفاز هي بعيدة كل البعد عن أنها تعكس الحقيقة السياسية والاجتماعية والتاريخية، فهذه التعليقات لا تتعدى معلومات “القيل والقال”، دعونا نصل إلى جذر المشكلة.

كما هو معروف فإن عصر التنوير الفرنسي يتركز على مقولة فولتير الشهيرة: “كل شيء للشعب، ولكن لا شيء مع الناس”، لماذا؟

لأن الشعب وقف إلى جانب الكنيسة والإنجيل والأساقفة، في الواقع فإن الناس هم خراف الكنيسة التي يتم حلبها عندما يحين الوقت، أي إن الغالبية العظمى من الناس لديهم روح القطيع، ولا يملكون المؤهلات والمعدات اللازمة لاتخاذ الخيارات بأنفسهم، فهم في حاجة إلى التنوير والتحرر من العقائد والأساطير، لأنهم بعيدون عن العقل والعلم.

بعض الناس قد يكونون فظين أو ساذجين أحياناً، ويريدون أن يتنوروا بنور العلم والمعرفة والعقل، وليس ببشارة الكنيسة، هؤلاء يجب إنقاذهم من ظلام العصور الوسطى، كل هذه الأحكام والتحليلات كانت مبررة في تاريخ ومجتمع متمركز حول أوروبا، بالتأكيد يوجد بعض الحقيقة في هذا، وعلى رغم ذلك فإن هذه المسألة هي قضية منفصلة، ومجال منفصل للبحث، لكن ما نفعله ليس انتقاداً للدين والكنيسة والتقاليد، وإنما لفهم انعكاس نموذج التنوير بشكل صحيح على حزب الشعب الجمهوري، وتحليل المسألة وفقاً لذلك، فلا ضير من قول هذا.

عندما يتعلق الأمر بتركيا، يمكننا القول إن فهم الكماليين الأرثوذكس لحزب الشعب الجمهوري ونهجه في الدين والتقاليد والسياسة والثقافة، هو بالضبط مثل هذا، باستثناء بعض الفروق الدقيقة لدى بعض السياسيين والأكاديميين والكتاب في حزب الشعب الجمهوري، وبعبارة أخرى، فإن البعض يرون أن الشعب التركي (الفلاحون، الهيكل التربوي العقائدي، الجهلة، الرجعيون)، هم عقبة أمام التقدم والحداثة، وكما يقول يعقوب قادري في روايته “يابان”: “غالباً ما يكونون مبتذلين، وقحين، وجبناء، وغير موثوقين”.

ولأنهم تجمعوا في المسجد حول إمام أو ملا أو شيخ، يؤمنون بهم ولا يستطيعون استخدام عقولهم، فهم غير متعلمين، ويؤمنون بالقرآن الذي يفترض أنه نزل من السماء، لذا فهم في حاجة إلى أن يستنيروا ويتحرروا من أجل مصلحتهم وخلاصهم، ويجب أن يكونوا مثل الغربيين حتى في أزيائهم، ولذلك ليس من غير العلمي أن نقول إن الفلسفة التأسيسية لحزب الشعب الجمهوري هي في الأساس مناهضة للتقاليد والدين والإسلام، لا سيما مثل عصر التنوير الفرنسي، ومع ذلك فإن هذا الحكم لا يعني أن جميع المواطنين الذين صوتوا للحزب هم على هذا النحو، بل يوجد بينهم أشخاص متدينون ومرتبطون بشدة بالقيم الوطنية والروحية وبعضهم حتى يؤدي فريضة الحج، وما نفعله هو فهم الفلسفة التأسيسية المستنيرة النخبوية لحزب الشعب الجمهوري، هذا هو الهدف الرئيس الذي استمر حتى عام 1950 باستثناء ما فعله كل من عدنان مندريس ومصطفى بولنت أجاويد اللذين تركا حزب الشعب الجمهوري ونأيا بنفسيهما عن الفهم الكمالي الأرثوذكسي، ويمكن أن يطلق عليهما “المراجعين”، إذاً ما هو الإسقاط الثقافي الاجتماعي والسياسي لهذه الأيديولوجية المستنيرة؟

في هذه الرؤية فإن كل شيء مفروض على الناس من الأعلى، فلا يؤخذ رأي الشعب في شيء، فهذا نظام موحد لا يسمح إطلاقاً بالتعددية الثقافية والتعليمية، إنها لغة قومية وبناء أمة علمانية قائمة على أساس عرقي (الكردية، اللازية، الجورجية، الشركسية… إلخ)، فهي لا تتسامح مع مثل هذه المفاهيم، وهذا فهم على الطريقة السوفياتية للعلمانية، وهو ضد تجلي الدين في المجال العام.

وحزب الشعب الجمهوري ليس حزباً يسارياً بالمعنى الماركسي، كما هو مفترض، بل إنه يتوافق مع حزب قومي يميني كلاسيكي، لذلك لا يستطيع العمال المضطهدون الحصول على أصوات شرائح المجتمع، فهو حزب نخبوي بعيد عن لغة الناس، وتواصله مع الجمهور ضعيف، وقد ظل بعيداً من اتخاذ موقف واضح في ما يتعلق بالانقلابات العسكرية، بل على العكس من ذلك فقد أيد انقلاب عام 1960 والممارسات العلمانية لعملية 28 فبراير (شباط)، وهذا الوضع جعل حزب الشعب الجمهوري غير آمن في نظر غالبية الناس، ولن نبالغ إذا قلنا إن هذا هو حزب الشعب الجمهوري الكلاسيكي بشكل عام، وبمعنى آخر، وفق تعبير إدوارد تشايلدز، فإن حزب الشعب الجمهوري، كحزب مستنير، لا يعكس الخيال الاجتماعي والسياسي للأمة، ووفق بعض علماء الاجتماع الأميركيين، يبدو الحزب وكأنه منفصل عن المسيرة التاريخية والاجتماعية للأمة، حيث يتعثر أحياناً في فهم ضحل للتاريخ يكون سطحياً لدرجة أنه يبدأ التاريخ التركي مع الجمهورية، فهل يمكن لحزب لديه مثل هذا الفهم أن يكون في السلطة ضمن بيئة ديمقراطية؟

أما بخصوص رئيس الحزب السيد كمال كليتشدار أوغلو، فلأول مرة في تاريخ حزب الشعب الجمهوري يكون له زعيم من أصل علوي، ولقد حاول بصدق أن يقود الحزب إلى خط ديمقراطي ليبرالي، وقد قال “بالنسبة لنا فإن الشعب أهم من الدولة، حيث تأتي رفاهية وسعادة الشعب في المقام الأول، ونحن نحتضن جميع شرائح الجمهور كما هي، الأكراد، اللاز، الشراكسة، المساجد، الأئمة، المحجبات… ليست لدينا مشكلة مع الجميع”.

وهذا الفهم يعد ثورة في تاريخ حزب الشعب الجمهوري الكلاسيكي، لكن هذه الثورة لا تنتشر في الحزب لأنه لا يتكون فقط من كليتشدار أوغلو، وإنما يتألف من طبقة “النبلاء المزيفين”، والأكاديميين السابقين والفنانين، وقضاة وباشاوات متقاعدين، متجمعين في الأحياء الفاخرة بالمدن، وهذه الجماعات هي العمود الفقري الأيديولوجي لحزب الشعب الجمهوري، ولهذا لا يمكن زرع الثقة لدى الشعب.

أما الأسباب الثانوية فيمثلها الانهيار الاقتصادي والفساد وعدم الثقة في العدالة، وانعدام الكفاءة، وعدم كفاية الحلول البديلة، وغير ذلك.

نقلاً عن “اندبندنت تركية”

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى