في سلسلة من العمليات السرية التي امتدت على مدى العامين الماضيين، كشفت الاستخبارات التركية عن عدة شبكات تجسس إسرائيلية تعمل على أراضي البلاد.
يسلط مقال حسن عليق في “ذا كاردل” الضوء على الكشف الأخير في 3 يوليو / تموز، الذي يمثل رابع جولة لاعتقال عملاء إسرائيليين في تركيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، ويشير إلى تحول كبير في ديناميكيات التعاون الأمني بين أنقرة وتل أبيب.
ويشير المقال، الذي ترجمه “الخليج الجديد”، إن المخابرات التركية والموساد – جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي – تمتعا بتفاهم غير مكتوب، ما مكن عملاء الموساد من التنقل بحرية في الأراضي التركية.
ويرى الكاتب أن هذا الترتيب كان على أساس تحالف سياسي بين البلدين. ومع ذلك، فقد شهدت السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا، حيث تحول تركيز الموساد داخل تركيا من ملاحقة أعداء إسرائيل على مستوى العالم إلى تجنيد مواطنين أتراك ليكونوا عملاء سريين لإسرائيل.
وقالت مصادر أمنية تركية إن تجنيد الموساد للمواطنين الأتراك يمثل انتهاكًا كبيرًا للأمن القومي التركي. وتعد الآثار المترتبة على مثل هذا الخرق بعيدة المدى، مما يتيح للموساد الوصول إلى معلومات حساسة حول أمن تركيا وقدراتها العسكرية ومكانتها الاقتصادية. كما تفتح هذه الخطوة الباب أمام عمليات سرية محتملة على الأراضي التركية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة تركيا.
وكشفت المصادر نفسها، أنه قبل عدة أشهر، تواصلت المخابرات التركية مع مختلف الأجهزة الأمنية المشاركة في مكافحة التجسس الإسرائيلي، داخل العالم العربي وخارجه، بهدف تبادل المعلومات لتفكيك شبكات عملاء الموساد.
خلايا التجسس
تهدف خلايا التجسس هذه إلى جمع معلومات حساسة، مع التركيز بشكل أساسي على الطلاب الفلسطينيين، وكذلك الشخصيات والشركات الإيرانية المؤثرة.
وكان من دواعي القلق بشكل خاص تسلل الموساد إلى مجال “التحقيقات الخاصة”، وهو قطاع تقدره المخابرات التركية بشدة. وقد أصاب هذا الانتهاك صميم سيادة تركيا، حيث أسس الموساد ببنية تحتية تعرض أمن تركيا ومصالحها للخطر.
ووفقا للكاتب تمثل الحملة الأخيرة على شبكات الموساد مثالا على نتائج جهد منسق للغاية بين المخابرات التركية والوكالات المتحالفة. وقد كشفت صحيفة ديلي صباح التركية، المعروفة بميولها المؤيدة للحكومة، أن الشبكة ضمت أتراك ولبنانيين وسوريين.
وقد تم نشر صور لسبعة أفراد تم القبض عليهم، يُعتقد أنهم جزء من “شبكة” أكبر تضم 56 شخصًا مرتبطة بتسع خلايا للموساد.
ويشير المقال أن الشبكة استخدمت تكتيكات خادعة، حيث أنشأت مواقع ويب مزيفة تتنكر في شكل خدمات توظيف بينما كانت تجمع في تكتم السير الذاتية للمجندين المحتملين.
الخط الأحمر
يشير المقال أن عددا من هؤلاء الجواسيس سبق لهم القيام بمهمات للموساد في بيروت ولبنان وسوريا، وجمعوا معلومات عن عدد من المسؤولين العسكريين في حزب الله، وحددوا المبنى الذي يعيش فيه أحدهم في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية.
ويضيف المقال أن هذه المعلومات، التي سربتها الأجهزة الأمنية التركية، تبدو وكأنها رسالة سياسية لكل من حزب الله وإسرائيل.
يمثل هذا التسريب تحذيراً شديداً القسوة لتل أبيب من أنه إذا تجاوز الموساد داخل الأراضي التركية، فستكشف أنقرة عن بيانات إضافية حول جهود المخابرات الإسرائيلية ضد حزب الله.
بشكل عام، تقوم تركيا بقمع العمليات الاستخباراتية الإقليمية التي يتم إطلاقها من ونحو أراضيها. وفي فبراير/شباط 2022، قامت المخابرات التركية بتفكيك خلية تجسس يُزعم أنها تعمل لصالح المخابرات الإيرانية، والتي تدعي أنها كانت تخطط لتنفيذ عملية أمنية ضد رجل أعمال إسرائيلي.
كما أعلنت أنقرة عن شن حملات على شبكات التجسس الروسية.
ومن خلال القيام بذلك، تبعث تركيا برسالة إلى جميع حلفائها بأنها “لن تسمح لهم بنقل صراعاتهم إلى أراضيها”.
ومع ذلك، هناك من يرى أن هناك رسالة بعينه توجهها تركيا إلى إسرائيل من خلال هذه الإجراءات، وهي أن العلاقة السياسية “الجيدة” والعلاقة التجارية الممتازة بين أنقرة وتل أبيب لم تعد تنطبق على علاقاتهما الاستخباراتية.
ووفقًا لمسؤولين مرتبطين بالمخابرات التركية، فإن العلاقات مع الموساد لم تعد دافئة كما كانت قبل أن يصبح هاكان فيدان رئيسًا للمخابرات التركية.
ويشير المقال أن فيدان – وزير خارجية تركيا الآن – ظل ملتزمًا بموقف الحياد بين إسرائيل وخصومها، وإن كان أكثر ميلًا للتعاطف مع الأخيرين.
ويقول مسؤولون أمنيون إن المخابرات التركية تجاهلت منذ فترة طويلة تحذيرات نظرائها العرب من أن الموساد كان يحاول تجنيد لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وآخرين على الأراضي التركية، لكن مصادر استخباراتية عربية تقول إن فيدان بدأ يأخذ هذه المعلومات في الحسبان، الأمر الذي دفع المخابرات التركية الآن إلى اتخاذ إجراءات.
التجسس على الفلسطينيين
كانت أنقرة قد طلبت في وقت سابق من حركة المقاومة الفلسطينية حماس الحد من أنشطتها في الأراضي التركية، وهي خطوة فشلت في استرضاء الموساد.
فلطالما أعربت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية عن عدم ارتياحها لمجالات الدراسة التي يتابعها عدد كبير من الطلاب الفلسطينيين في الجامعات التركية، بما في ذلك الهندسة الميكانيكية وهندسة الطيران والمعلومات.
وتضيف المخاوف المحيطة بالطلاب الفلسطينيين المسجلين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات المتخصصة في الجامعات التركية طبقة أخرى من التعقيد إلى العلاقة بين أنقرة وتل أبيب.
وفي حين تقدم تركيا منحا دراسية مجانية لنحو 600 طالب فلسطيني في تخصصات مختلفة، تخشى وكالات الاستخبارات الإسرائيلية من أن تستغل فصائل المقاومة الفلسطينية هذه التخصصات لأغراض عسكرية.
وتزيد مراقبة هؤلاء الطلاب والأفراد المتهمين بدعم المقاومة الفلسطينية من تعقيد الديناميكيات الدقيقة بين البلدين.
وبخلاف مراقبة الطلاب الفلسطينيين، يراقب جواسيس إسرائيل أيضا الجمعيات والأفراد الذين تتهمهم الولايات المتحدة وإسرائيل بدعم المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، فإن أنشطة الموساد في تركيا تتجاوز مجرد جمع المعلومات الاستخباراتية، مع تركيز واضح على تحييد التهديدات المحتملة للمصالح الإسرائيلية.
لذلك، فإن نطاق أنشطة الموساد في البلاد تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات السياسية بين أنقرة وتل أبيب، والتي ليست حاليًا في مستواها الأمثل، على الرغم من الاستئناف الكامل للعلاقات العام الماضي.
ويخلص المقال إلى أن الكشف المتكرر لجواسيس الموساد ومهامهم يبعث برسالة سياسية واضحة لإسرائيل وهي أن أي تدخل إضافي في أمن تركيا القومي سيؤدي حتما إلى توتر العلاقات.
المصدر | حسن عليق/ ذ كاردل – ترجمة وتحرير الخليج الجديد