ملخص التقرير
يهدف التقرير إلى التعرّف إلى الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي نتجت عن وجود الحرّاقات (مصافي النفط البدائية) وتشغيلها، في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، في الشمال الشرقي والغربي من سورية. ولتحقيق هذا الهدف، اطّلع فريق البحث على الدراسات والتقارير الاستقصائية التي تناولت الموضوع، وأجرى مقابلات معمّقة مع عيّنة من الأشخاص الفاعلين في مناطق تشغيل الحراقات: (مالكي الحراقات، المشرفين والعاملين في الحراقات، وموزعي الإنتاج، والمستهلكين، والخبراء والمتخصصين والمعنيين: أطباء، صيادلة، مهندسين زراعيين، ومزارعين، ومربّي الماشية)، وذلك لمناقشة الموضوع من كل جوانبه ومعرفة مدى أبعاده، ويضاف إلى ذلك الاستفادة من الملاحظات الميدانية التي تابعها الفريق الميداني للتقرير. ومجالات التقرير الميداني هي مناطق وجود الحراقات المنتشرة في محافظات (دير الزور، الرقة، الحسكة، ريف حلب، إدلب).
تضمّن التقرير واقع النفط السوري بعد ثورة 2011، والحرب التي تلتها وما نجم عنها من انحسار سيطرة النظام على منابع النفط، وحدوث أزمات نفطية من جرّاء تدهور الإنتاج النفطي، وظهور حرّاقات النفط البدائية كحلّ بديل. حيث حدد التقرير أنواع تلك الحراقات، وخريطة انتشارها، والبيئة القانونية المتعلقة بها، وكيفية الحصول على النفط الخام، وآلية تشغيل الحراقات.
بدأ ظهور الحراقات عام 2012 حول آبار النفط، وفي مناطق وجودها، من بعد انسحاب النظام وتوقّف توريد المشتقات النفطية إلى تلك المناطق، وخضعت آبار النفط في دير الزور لتغيّرات عديدة في الجهة المسيطرة عليها، وانتشرت الحراقات باتجاه الشمال الغربي، في ظل الحاجة إلى المشتقات النفطية.
وركز التقرير الميداني على آثار تشغيل مصافي النفط البدائية على المجتمعات المحلية؛ حيث أظهر التقرير آثار تشغيل المصافي على صحّة العاملين في الحراقات ضمن ظروف غير صحية، مع الافتقار إلى أدنى عوامل السلامة والأمان، وغياب الضمانات الاجتماعية للعاملين فيها، رغم مخاطرها الصحية الشديدة، وحدد التقرير أهمّ المخاطر الصحية لعمل الحراقات، على العاملين فيها وعلى المقيمين في التجمعات المجاورة.
وقد أكد الأطباء الذين قابلهم فريق البحث الميداني، في المناطق التي فيها الحراقات، أن العديد من المشكلات الصحية ظهرت لدى السكان المحليين، بسبب الحراقات ونواتجها، وأن معدل الوفيات ارتفع بشكل ملحوظ، كما ارتفع معدّل الأمراض، وخاصة الأمراض التنفسية والسرطانات وأمراض الكلى، فضلًا عن ظهور أمراض جديدة، وعودة أمراض سابقة كانت قد اختفت من المنطقة.
ورصد التقرير آثار الحراقات على الأنشطة الزراعية وعلى تربية الحيوانات، حيث لاحظ السكان المحليون في الشمال السوري تراجعًا في المردود الزراعي بنسب عالية، ولا سيما في المناطق القريبة من الحراقات والمناطق المجاورة لمنابع النفط، أو مساقط المياه والأنهار الملوثة بالنفط بفعل الانسكابات النفطية التي تحدث في جوارها، حيث أمست تلك الأنهار تسمى “أنهار الموت”.
وأدّى التلوث الناجم عن عمل الحراقات إلى تأثيرات سلبية على الثروة الحيوانية، حيث ازدادت أمراض المواشي، وارتفع معدّل نفوقها، نتيجة شربها مياهًا ملوثة بالنفط، أو سقوطها المباشر في برك نفطية، أو رعيها ضمن مناطق ملوثة بالنفط ومخلفاته. واشتكى مربّو المواشي من التلوّث الناجم عن عمل الحراقات، كما اشتكوا من تأثيراتها الكبيرة على المراعي والمحاصيل والبيئة عامة.
وأدّى انتشار الحراقات أيضًا إلى تدمير النظم البيئية المحلية، وجعلها أقلّ تنوعًا ومرونة وقدرة على التكيّف. ونتيجة لذلك كله، تصبح هذه المجتمعات المحلية أكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، ومنها تآكل التربة والجفاف والتقلبات الجوية الشديدة، إضافة إلى آثار تشغيل مصافي النفط البدائية على البيئة الاجتماعية للمجتمعات المحلية؛ حيث ظهرت نزاعات ومشكلات عديدة بسبب تشغيل الحراقات، بالرغم من وجود لجنة تقوم على تنظيم أمور البيع والشراء للمواد النفطية، فضلًا عن النزاعات على الأراضي التي أقيمت عليها هذه المصافي، خاصة بعد انتشار السلاح بيد معظم المواطنين في المنطقة، ولا يخلو الأمر من إراقة الدماء بين المواطنين، على خلفيات تتعلق بتشغيل الحراقات ومنتجاتها، وبذلك تُعدّ الحرّاقات بوّابة للصراع الاجتماعي.
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة