سمر يزبك، كاتبة وروائية سورية متميزة، تنتمي للثورة، قرأنا أغلب إنتاجها وكتبنا عن بعضه.
تقاطع نيران، هي يوميات واكبت سمر الربيع السوري بتفاصيله، في المدن المواقع الميدانية، ومن خلال الناشطين أنفسهم، شهادات مباشرة وصوتية وفيديوهات، وذلك في فترة الأشهر الأربعة الأولى للربيع السوري، الذي أصبح ثورة سورية بجدارة. ولأن اليوميات تكاد تكون متماثلة في سرد الحراك الشبابي ومن ثم الشعبي السلمي للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، وإسقاط المستبدين ومحاسبتهم، فقد فضلت أن أتحدث عن اليوميات من خلال الاطلاله على موضوعاته التي تغطيها ضمنا هذه اليوميات، ومن خلال هذه التغطية الموضوعاتية، نكون قد غطينا الكتاب -نسبيا- ،مع التنويه أن الكتاب مهم بتفاصيله والاطلاع عليه كاملا، انه شهادة مهمة للثورة السورية في أوائل ولادتها وبراءتها الاولى.
١. الأسباب الموجبة للثورة السورية، والظروف المباشرة لذلك.
تتوقف سمر عبر شهادتها عند مجموعة الظروف الموضوعية والذاتية التي يعيشها كل مواطن سوري، تجعله جاهزا لأن يكون أحد افراد الثورة، المظلومية والفساد والقهر والفقر والبطالة والاعتقال السياسي والتمييز الطائفي وهيمنة الجيش والأمن على مفاصل الدولة والمجتمع، كل هذه الظروف قد تبرر الثورة نظريا، لكن هيمنة النظام على كل نفس يتنفسه الناس يجعل أي عمل ضدّه شبه مستحيل، خاصة أن هناك تجارب حزبية معارضة كثيرة، قد عانت من السجون والمعتقلات، وهناك مجازر طالت مدن وسجون، واصبح المعارض نادر الوجود يخاف منه الناس، وتلاحقه السلطة. إلى جاء الربيع التونسي وامتد ليصبح عربيا، مما جعل كثيرا من شباب الجيل الشبابي مع بعض السياسيين والمعارضين يأملون، هل يصل الربيع إلى سوريا؟!!، وبالفعل بدأت تتشكل نويات شبابية صغيرة في كل المحافظات السورية، تواصلت فيما بينها على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر اللقاء المباشر، وبدأت تخطط ان ترفع صوتها مطالبة بالحرية والكرامة والعدل والديمقراطية، كانت البدايات من الجامع الأموي والأسواق المجاورة له ، ثم انتقلت الشعلة إلى كل المدن والمناطق السورية، وكان رد فعل النظام القمعي العنيف في مواجهة المطالب السلمية للمتظاهرين، تأثيرا عبر تأجيجها للحراك الذي تصاعد واصبح ثورة امتدت على كامل الخارطة السورية.
٢. الكاتبة سمر يزبك وخلفيتها الطائفية ومعارضتها للنظام، وانعكاس فعلها عليها من قبل السلطة والأجهزة الأمنية.
سمر يزبك فتاة علوية كاتبة وصحفية ، لها موقف حر ومعلن ضد السلطة السورية ، التي تهيمن عليها عائلة الأسد وعصبة من الانتهازيين عبر الجيش والأمن، المتمركز في مفاصل الدولة كاملة، ركزت سمر على اعتماد النظام على استدراج الطائفة العلوية، عبر بعض المكاسب لبعض ابنائها، لتكون الدريئة التي تحميه، والتي تدعي أنها تحمي مصالح الطائفة، وأن الحكم الحقيقي هو حكم العلويين، اكدت سمر كذب هذا الادعاء ، وان النظام استطاع عبر عقود أن ينمي هذا الاعتقاد في الطائفة، ويجعل البعض يرتبط عضويات بالسلطة، خاصة عناصر الجيش والأمن والمنتفعين المباشرين، سرايا الدفاع والصراع ..الخ. حاول النظام من البداية أن يؤكد على سنيّة الثورة ضد العلويين وبقية الأقليات، وعمل في مناطق تواجد العلويين والسنة على مقولة السنة الذين يريدون إبادة العلويين، وانهم يجهزون عصابات مسلحة ستصبح جماعات إرهابية لاحقا، وخاصة في الساحل السوري، اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس ، سيلاحق الأمن سمر في كل تحركاتها، ويطالبها بالابتعاد عن الناشطين و إدانتهم والخروج علنا على التلفزيون السوري، وتتبرأ منهم وتدينهم، سمر ترفض ذلك، تستمر بالتواصل مع الناشطين على مساحة سوريا كاملة، سواء بالذهاب المباشر أو عبر التواصل مع الناشطين، و وسائل التواصل الاجتماعي، سيزداد الضغط عليها، وتستدعى إلى الفروع الامنية، ويتم اذلالها وتهديدها بالاغتصاب، هي وابنتها، ويتم إدخالها المعتقلات للاطلاع على واقع المعتقلين لعلها تخاف وتستسلم، كان النظام حريصا أن لا يظهر اي صوت علوي معارض له ، لكن ما شاهدته من تعذيب وإذلال زاد اصرارها على الثورة، وخوفها من بطش النظام، خاصة على ابنتها، التي كانت أقل وعيا لما يحصل و يسكنها الخوف، وتود لو تترك أمها الاهتمام بالثورة، وتعيد ولاءها للطائفة العلوية، الطائفة التي أعلنت الحرب على سمر وعلى أي علوي انتصر لمطالب الشعب السوري وثورته، لقد نجح النظام في جر أغلب الطائفة للاعتقاد بأن النظام يحمي الطائفة والبلد، وبذلك ارتضت ان تعطي النظام أولادها ليكون قاتلين ومقتولين في مواجهة ثورة الشعب السوري، عاشت سمر حياة التخفي وأصبحت مستهدفة من النظام والطائفة، كانت تحت المراقبة طول الوقت، وأدركت أخيرا ان لا حل لها سوى مغادرة سورية، وهذا ما يحصل عندما تختم رواياتها أثناء توجهها للمطار .
٣. متابعة سمر الميدانية لوقائع الربيع السوري في الاشهر الاولى.
تابعت سمر واقع الربيع السوري، مباشرة أو عبر شهادات في كل سورية، قدمت تفاصيل عن ما حصل مع أطفال درعا، وكيفية استجابة الأمن لمطالب الاهل بالإفراج عنهم، وإذلالهم، وبداية التحرك وتطوره ليصبح اعتصاما في الجامع العمري، وكيفية محاصرته، والمجازر المتتابعة بعد ذلك، تفاصيل كثيرة عن الاندفاع الهائل للشباب، دون خوف أو رهبة، وخاصة أن النظام قد حسم أمره بالحل الامني، وبدأ الشهداء يسقطون تباعا، وبدأ تشييع الشهداء وتكرار التظاهر وتكرار الاستهداف بالسلاح وسقوط شهداء وجرحى، وهكذا في سلسلة متتابعة للقتل والاعتقال واستمرار التظاهر، هذا النموذج حصل في درعا ودمشق ودوما والمعضمية وداريا وجديدة عرطوز وكل سوريا ، مترافقة مع مجازر مروعة، ومدن الساحل السوري، وزاد عليها في الساحل التجييش الطائفي للعلويين ضد السنة، وخلق فتنة طائفية، واستعمال الشبيحة ورجال الأمن للتصعيد وقتل الناس وزيادة الترهيب والاشاعات في المناطق التي يسكنها علويين وسنة، اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة، كلها عانت من هذه الحالة ، وزاد عليها حصول مجازر في البيضة وبانياس وغيرها، تم استخدام التصعيد الطائفي، الذي جعل العلويين والسنة يخافون من بعضهم و ظهروا في صفين متناقضين، العلويين مع النظام، والسنة مع الثورة، مع تبرير استعمال العنف المسلح ضد الناس، تحت دعوى العصابات المسلحة ، سيسقط الكثير من الشهداء والمصابين، الحساب اليومي بالعشرات للشهداء في سورية، وتضاعف في ايام الجمع التي أصبحت تسمى في كل جمعة باسم جديد، يعبر عن توجهات الثورة ومطالب الثوار. الوقائع الميدانية في الأشهر الاولى تؤكد أن الحراك الثوري للمتظاهرين بدأ يتوسع وينتظم ويصبح مؤسسيا ، وانتقل من المطالب الإصلاحية إلى مطلب إسقاط النظام ومحاسبته، توسع الفعل الحركي للتظاهر، وأصبح يغير تكتيكه أول بأول للرد على طريقة مواجهة الأمن للتظاهر، الذي أصبحت أكثر عنفا و دموية وشراسة، النظام قرر أن يستأصل التظاهر والمتظاهرين عمليا، واعتمد على دعاية إعلامية متواترة ودائمة، تؤكد على وجود الجماعات المسلحة وخلقه مجموعات من الشبيحة، تتغلغل في أوساط المتظاهرين، وتطلق النار وتقتلهم، واعتمدت على القناصة، وعندما توسع الحراك الشعبي ووصل إلى مستوى تحرير المدن، انتقل النظام لاستخدام الجيش لقمع التظاهر، وكان يقتل من يتردد من الجنود، ويتهم بقتلهم العصابات المسلحة، واصبح يدخل المدن بكثافة آلاف الجنود، وصحبة الدبابات، وهذا فرز ردود فعل عند بعض الجنود والضباط ، الذين علموا حقيقة الأمر ، وظهر العساكر والضباط المنشقين، كان الضابط حسين هرموش أولهم توالى بعده الجنود والضباط، الذين أعلنوا عن مواقفهم، بأنهم يحمون المتظاهرين والناس من بطش الأمن والجيش، وتوالت التفاعلات لتؤدي بعد ذلك لواقع سورية الان.
٤. يوميات الثورة شهادات الناشطين الميدانية.
اعتمدت سمر يزبك على لقاءات مباشرة مع ناشطين، وحضور الكثير من التظاهر في كثير من المدن والمناطق، عاشت بأحاسيسها، الواقع اليومي من قتل واعتقال ووحشية من النظام وأمنه وشبيحته وجيشه، وعاشت الروح المندفعة المضحية للشباب الناشطين، في معركة غير متكافئة بأي شكل بين النظام والناشطين ومن وراءها من الشعب السوري، الوحشية من النظام التي أظهرت حقدا وطائفية وظلم منقطع النظير. الناشطين الذين يستشهدون في الساحات، والمعتقلات ، وأماكن العزاء التي تتحول المناسبات افراح التظاهر مستمر وقد يتكرر الهجوم عليها وتؤدي لشهداء جدد.
٥. النتائج.
ما نستنتج من اليوميات التي كانت لأشهر قليلة من عمر الربيع السوري، شرعية الثورة واندفاع الشباب ووراءهم الناس، والتضحيات الكثيرة والكبيرة التي قدمها الشعب السوري، وتكشف ان النظام الاستبدادي السوري، قد استعمل كل ماهو ضد الانسان وانسانيته، القتل والاعتقال والتجويع وحصار المدن وتدميرها أن الزم، كان لسان حال النظام يقول: كما أعلن دائما: الأسد أو يحرق البلد. وكانت سمر يزبك نموذجا عن الإنسان الذي قرر أن ينتصر لحق الناس وأن تدفع الثمن مهما غلى، وأنها خافت على ابنتها، غادرت لتتابع رسالتها من خارج سورية.
.اخيرا.
في تقييم اليوميات نقول أننا بحاجة لمثل هذه الشهادات لتأريخ ثورة وقعت طول الخط، ضحية صمت من الكل، دعم للنظام الذي قتل ويقتل الشعب للان، بعد مضي سبعة سنوات ونصف، نعم بعد هذه السنين التي مرت على الثورة السورية، ظهر أن النظام قد تمادى ضد الشعب السوري في سابقة لم تحصل في التاريخ، أكثر من مليون شهيد ومثلهم مصابين ومعاقين، أكثر من ثلاثة عشر مليون بين نازح ولاجئ، أصبحنا مبعثرين في كل العالم، شبعت من لحومنا أسماك البحار، واعتبرتنا كثير من الدول مشكلتها الرئيسية، النظام دمر اكثر مدن سوريا، بعد أن هجر أكثر من نصف الشعب، اصبحنا بلدا مستباحا، لكل دول العالم، روسيا وإيران وأمريكا..الخ ، و المرتزقة حزب الله وغيرهم من المقاتلين الطائفيين، ظهرت القاعدة وتمددت في سوريا والعراق، وتطورت لتصبح داعش بكل وحشيتها، وتبعيتها لأجهزة مخابرات النظام وغيره، اتفق العالم كله وتوافق مع النظام على إعادة شرعيته في أسوأ عمل تسويق لنظام قتل ويقتل شعبه تحت أنظار العالم و برضاه، حصل النظام على شرعية دولية وإقليمية، رغم كل ما فعله… الخ.
سوريا تحتاج لكثير من الشهادات الأخرى تغطي هذه الفترة التاريخية من عار العالم المتجسد في سوريا، لكي لا ننسى، ولكي لا تضيع الحقائق مع طول الزمان.