المجتمع المدني

سمير خراط

تعود فكرة نشأة المجتمع المدني الى عصر النهضة الفكرية بأوربا، والتي رفضت طبيعة الحُكم الإقطاعي القائم في معظم الدول الأوروبية، فاعتمدت مفاهيم المجتمع المدني على الاقتراب من مفهوم حقوق الإنسان المطبق في الوقت الحالي، ويُعدّ الفيلسوف والمفكّر جان جاك  روسو من أوائل الفلاسفة الذين اهتمّوا بفكرة تطبيق المجتمع المدني في أوروبا، من خلال منح الشعب الحُريّة في إدارة شؤونهم الخاصة بالاعتماد على التنسيق بينهم وبين الدولة، ممّا يُساهم في تحديد الحقوق والواجبات لكل فرد داخل المجتمع، حتى تطورت واصبحت اساس العلاقة بين الفرد والدولة ، حيث اعتبرها كبار مفكري المجتمع ، المساحة الحرة بين الدولة والمواطن والتي من خلالها يستطيع المواطن متابعة ادارة الدولة لشؤون المجتمع ككل ، في حال شطحت بقراراتها تستطيع تلك المنظمات ( نقابات ، تجمعات ) فرملة الدولة ، ومن جهة اخرى تتوجه الدولة الى تلك المنظمات للتشاور معها من اجل تطوير او تنظيم مفاهيم قانونية لحماية حقوق المواطن ان كان طالب او عامل حتى الاطباء والمهندسين ، وبالشكل العام تبتعد تلك المنظمات عن العمل بالميدان السياسي المباشر بالدولة كي تبقى جهة حيادية ، اليوم اين هي تلك المنظمات والنقابات في المجتمع السوري ، حديثي ليس فقط خلال الثورة بل ما قبلها ، ما الذي قدمته للمواطن ، كانت تمثل النظام اكثر من تمثيلها لإرادة وحقوق المواطن بحد ذاته ، هذا الوضع يقودنا بلا شعور للثورة على تلك المنظمات لإعادة هيكلتها وفق المفهوم العام لدورها والبحث عن النقاط بدستورنا التي بالأساس وجدت لحمايتها وتفعيل دورها بالدولة والمجتمع على حد سواء لأنها بالواقع تمثل ارادة شعب وحقوقه .

يتبين لنا أن المجتمع المدني هو العمل الجماعي الذي لا يتسم بالإكراه، والذي يدور حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة ومتبادلة لذلك بات من الضروري إعادة بناء تلك المنظمات وفق المفاهيم الحقيقية للمجتمع المدني وليس وفق الاسلوب الذي اتبعه النظام بالتسلط عليه واعتباره إحدى فروعه الأمنية بامتياز ، حيث لا تقبل عضوية أحدهم دون الانتساب للحزب الحاكم وبعد عملية مسح شامل لحياته وأفكاره وإمكانية توجيهه وفق ما يرونه مناسبا لهم وليس وفق ما تتطلبه المصلحة العامة للمواطن مما أفرغ تلك المنظمات من فحواها الاساسي لتصبح أداة بين أيدي النظام  .

وكما نعلم أن المجتمع المدني يضم في طياته عادة التنوع من حيث مجال العمل ويضم المجتمع المدني في أغلب الأحيان منظمات ومؤسسات مثل الجمعيات الخيرية المسجلة، ومنظمات التنمية غير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي.

كونها منظمات تطوعية وغير ربحية وحيث تلعب دورا مهما بين الأسرة والمواطن من جهة والدولة من جهة أخرى لتحقيق مصالح المجتمع في السلام والاستقرار والتكافل الاجتماعي ونشر ثقافة (لا عنف لا تميز لا ترهيب لا قمع) بكل أنواعه (الديني والقومي والمذهبي والسياسي والفكري وغيرها) بتعزيز وترسيخ قيم ومبادئ ومعايير التسامح والمحبة والتعاون والتراضي والتعايش السلمي والاحترام وقبول الآخر والأمر المهم بالمجتمع المدني   الأحزاب والإعلام لا يمكن اعتبارهم من هيئات المجتمع المدني.

حيث لازال موضوع اعتبار نشاط وعمل الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة (أممية أو وطنية أو قومية أو دينية) وكذلك الإعلام بكل أنواعه (المرئي والمسموع والمقروء) مثار نقاش وجدل وحوار واسع بين المختصين والعاملين في مجال منظمات المجتمع المدني.

 وفي حال وصول الأحزاب السياسية إلى المجتمع المدني أو على الأقل المشاركة والمساهمة فيها بأي شكل ستسعى لتحقيق أهدافها السياسية بكل الطرق والوسائل المتاحة وان ذلك يتناقض ويتقاطع مع مبادئ وشروط وأهداف منظمات المجتمع المدني ولا يستقيم ويتناغم معها.

أما الإعلام كونه يتأثر بالمعايير والمقاييس والعوامل السياسية وبرامج القوى السياسية المختلفة في الحكم والسلطة ويعتبر مرآة تعكس نشاطها وفعالياتها وتلمع أعمالها ومواقفها وتضخم انجازاتها ومشاريعها خاصة كما نراه اليوم بسورية.

أما إذا عدنا الى منظمات المجتمع المدني السوري وبصريح العبارة والتوصيف له حتى ما قبل الثورة،  الذي كان يتشكل بأغلبيته من اتحاد الطلبة ، اتحاد العمال ، اتحاد الفلاحين ، الاتحاد النسائي والجمعيات الخيرية بشتى راياتها سنجد أنها لا تمثل إلا النظام وتسلطه على جميع المرافق للمجتمع ، ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبه اتحاد الطلبة بقمع الطلبة المعارضة ببداية الثورة وحتى الكوادر التدريسية وكيف حولوا هذا الاتحاد الى شبكة وساطات وفساد ورزيلة مستغلين حاجة الطلبة إن كان في مساكنهم الجامعية أو نجاحهم بإحدى المواد ، وهذا لا يقل عما يفعله اتحاد الفلاحين بتوزيع البذار والاسمدة والمحاصصة بالمحصول بين الفلاح وأعضاء الاتحاد ناهيك عن الزامهم بمناصرة النظام بكل ما يقوم به ولا نستغرب هذا التصرف مطلقا لأننا نعيش مفاهيم الفساد لإدارة البلاد ، أكبر مثال جميعة البستان الخيرية التي شكلها أحد رؤوس النظام الاقتصادية رامي مخلوف والتي بالحقيقة هي منظمة تشبيحية بامتياز،  أعضاؤها حملة سلاح وشبيحة يعملون على قمع المواطن ويستفيدون من عمليات الخطف والإتاوات على كل عملية تتم وفيها ربح مادي أو هيمنة وسيطرة على مناطق جغرافية وكل ذلك تحت شعار العمل الخيري ،  إذا عن أي منظمات مجتمع مدني نتحدث هنا ، بالحقيقة هي شبكة قمعية بامتياز لا أكثر مما يدفعنا اليوم البحث عن سحب هذا البساط من تحت أقدام النظام والعمل على ترقيته وإعادته لمساره الحقيقي الذي لا غنى عنه في نهضة الوطن والمساعدة على سموه  الخلقي ليصبح المساهم الأكبر بنهضة سورية من جديد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى