منذ فجر التاريخ وهناك مشكلة صميمية في الوجود الإنساني. مشكلة التناقض بين غرائزية الإنسان (بحثه الغريزي عن المأكل والمشرب والتملك والسيطرة والعدوانية…وكل ما يجعله ابن الغابة) وبين الأنسنة -مشتقة من الإنسان- (قيم الخير والحق والتساوي والعدالة والأخلاق والإيثار والتضحية حتى.). هذا التناقض الذي حكم الإنسان فردا وجماعة .وداخل الجماعة و مع الجماعات الاخرى جعله يبحث دائما عن مرجع يثبت موقفه ويدعمه في الحياة … الغرائزية ليست بحاجة لدعم فهي ابنة الطبيعة ، مزروعة في وجود الإنسان الفطري. اما الانسنة فكانت دوما بحاجة لمرجع يدعمها ويؤكد مصداقيتها .هنا جاء المبرر الموضوعي لوجود الفلسفة (بشمولها كل تأمل في الكون وبحث عن معنى له وسبب وغاية وتفسير وجود الإنسان وغايته في الوجود وتقديم فكرة الواجب وتصور لحياة الإنسان بعد الغابة وأبعد منها ومتعالي عليها وتقديم مفاهيم الخير والحرية والعدالة…الخ لتفسير حياة الانسان و مآلها). وجاءت رسالات السماء (الديانات السماوية ) وكذلك (الأرضية) تتحرك في ذات الحقل الإنساني وربطت ذلك بالله وبرسله مع تنوع كبير في هذه الاعتقادات، ادت ان تسنّ فرائض على الإنسان وأن تحدد اهداف لوجوده والعودة في الآخرة لله للمحاسبة فإما جنة أو نار
هكذا كان هناك دائما مرجعا لأي موقف في الحياة الانسانية. وكانت الأديان تأخذ الحيز الأكبر لهذا كمرجع ومشروعية. يصح هذا على البنية الاجتماعية بكل تنوعاتها. فالدين الإسلامي في تاريخنا كان مرجعا لكل الأطراف. الحكام والثائرين عليهم . والتنوع المذهبي والطائفي كله داخل الدين الإسلامي (الاختلاف كان في فهم وتفسير وتأويل الاسلام) .
.في العصر الحديث وعلى خلفية مصادرة المسيحية الغربية للحيز السياسي والاجتماعي و..الخ. في أوروبا جاءت الليبرالية تتحدث عن إخراج الدين من حيز السياسة وحصره بالفرد فقط حياته الشخصية.وسميت العلمانية
.تنوعت دعوات إخراج الدين من حيز السياسة في حياتنا من خلفيات مختلفة (لبراليه اوماركسيه او علمانيه…).
.بعد هذا المدخل الضروري لوضوح ارضية الموضوع.نقول:
.اولا ان للدين الإسلامي وغيره واي عقيدة اجتماعية اخرى الحق بطرح ماتراه صورة للحياة كما يجب أن تكون وخاصة انها تعبر اعتقاديا ومشاعريا عن اغلب البنية الاجتماعية لسوريا.
ثانيا.على كل الأطراف في سوريا الإقرار بالاحتكام الى الديمقراطية كحرية الرأي والاحتكام للعقد الاجتماعي والدستور الوطني والانتخاب الحر وفصل السلطات….الخ.
ثالثا.الإقرار أن خلفية الاعتقاد لأي فرد تعنيه شخصيا وكل اعتقاد محترم بصفته الذاتية مع العلم والإقرار بتنوع واختلاف الاعتقادات.
رابعا.الاقرار بان مرجعية اي اعتقاد ديني او وضعي لا تعطيه ميزة ولا نقيصة وحق الكل بالتفاعل وطرح بدائل .على أرضية الديمقراطية.
خامسا.كل اعتقاد عند صاحبه (دين) فالاسلام والماركسيه واللبراليه والوجوديه و…. لها حق الوجود وحق طرح نفسها في الواقع من خلال الديمقراطية .
سادسا. اخراج كل اعتقاد من حيز الفئوية أو الطائفية أو الاثنية او القبائلية لحيز الوطنية الجامعة.
سابعا.حق كل اعتقاد (من خلال الديمقراطية) ان يقدم رأيا ويناضل له فيما يتعلق في الأمور القيمية والاخلاقية والاجتماعية والسياسية في دولته الديمقراطية.ويحتكم لرأي الشعب حول ذلك.