لم يتوقف التنسيق الأمني والسياسي، الذي تفعّل في الأيام الماضية بين عدد من القوى والدول، عند حدود التعاون في سبيل إطلاق سراح المواطن السعودي الذي تم اختطافه. إنما كرس التعاون قاعدة أساسية لاستمرار التنسيق وضبط الوضع، ومنع تكرار مثل هذه العملية. لكن الأمر الأهم هو توقيت العملية وكيفية معالجتها، وكيف يتم العمل على وضعها في سياق سياسي، بالتزامن مع كل المسار التقاربي الذي تشهده المنطقة.
عندما وقعت عملية الخطف، كان حزب الله أكثر المستنفرين في سبيل إطلاق سراحه فوراً. وقد عملت القوى الأمنية اللبنانية والأجهزة العسكرية على الاستنفار، لتحريره، فيما كانت المواكبة الديبلوماسية من قبل السفارة السعودية بأقصى فعاليتها. وقد سجّل لحزب الله استنفار كبير في لبنان، حيث قام بجهود كبيرة، بما فيها الضغط على بعض القوى المسلحة الموالية له وللنظام في سوريا، للمساعدة على إطلاق سراح المواطن السعودي.
تجار المخدرات والمهرّبون
وقد نتج عن ذلك مسارين. المسار الأول أمني ذات بعد سوري. والمسار الثاني سياسي ذات بعد لبناني. فيما يتعلق بالبعد السوري، فإن الحزب وبالتعاون مع دمشق مارس ضغوطاً على الخاطفين، وهم من تجار المخدرات الذين يتخذون من مناطق سورية محاذية للحدود اللبنانية مقراً لهم. ما بعد إطلاق سراح المواطن السعودي، عملت الأجهزة السورية على تسليم عدد من المتورطين في عملية الخطف، في إشارة إلى الحرص السوري على التنسيق مع السعوديين. كذلك تكثف الاهتمام بشؤون تلك المنطقة، وضرورة إعادة ضبطها وإخراج تجار المخدرات والمهربين من على طول الحدود اللبنانية السورية. وفي هذا السياق، تم توجيه تحذيرات وإعطاء مهل للكثير من التجار الكبار، والمعروفة أسماؤهم، لمغادرة تلك المنطقة ووقف أنشطتهم هناك. وهذا سيفتح المجال أمام تساؤلات كثيرة حول من سيحل مكانهم في تلك المنطقة. وهذا سينطوي على تنسيق بين الحزب والنظام في دمشق برعاية الإيرانيين على تعزيز وضع الجيش السوري من الجهة السورية، مقابل انسحاب كل القوى المسلحة الأخرى، بالإضافة إلى اغلاق كل المعابر غير الشرعية بين البلدين؟ ثمة نية للذهاب بهذا الاتجاه. ولكن يبقى الأمر رهن الأيام المقبلة وما ستحمله.
الحزب والتهدئة
أما المسار الثاني وهو المسار السياسي، فإن مسارعة حزب الله إلى إطلاق سراح المواطن السعودي بضغط كثيف مارسه على الخاطفين، أعطى صورة أساسية حول تماهي الحزب مع حالة التهدئة والتقارب في المنطقة، وسط معطيات تفيد بنقل رسائل وإشارات إيجابية حيال الاستمرار في هذا الاتفاق، وانسحابه على الساحة اللبنانية، بما فيها استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية. إلا أن الصورة حالياً تبدو مختلفة كلياً، نظراً لتعاطي حزب الله المتوتر مع ترشيح قوى المعارضة لجهاد أزعور. ما دفع بالحزب إلى وصف الرجل بمرشح المواجهة ومرشح المناورة، وسط سعي لتعطيل نصاب الدورة الثانية. وهذا يمثل انقلاباً من قبل الحزب على مواقفه السابقة حول دعوة الجميع لتسمية مرشحيهم والذهاب إلى الحوار.
توتر في ملف الرئاسة
لا جواب واضح حتى الآن حول السبب الذي يدفع الحزب إلى هذا التوتر. وهل يرتبط ذلك بمسار أبعد من لبنان وأبعد من الاتفاق السعودي الإيراني، وله علاقة بما يعتبره الحزب تصعيداً أميركياً لقطع الطريق على مرشحه سليمان فرنجية، فما كان منه إلا مقابلة التصعيد بالتصعيد. أم أن الأمر مختلف، وهو أن الحزب يريد أن يقول للجميع إن التوافق يجب أن يحصل وفق شروطه هو، ووفق ما يمليه على الآخرين، ومن ثم تفاجأ هو بتسرب الماء من بين يديه، طالما أن المعارضة اتفقت على مرشح. وهذا ما لا يريده، لا سيما أنه كان ينظر إلى كل التطورات الإقليمية بأنها ستصب في صالحه وصالح مرشحه. ولكن هذا لم يحدث.
في هذا السياق، تدرج مصادر ديبلوماسية متابعة، أن حزب الله يجب أن يكون قد وصل إلى قناعة بعدم موافقة القوى الأخرى على سليمان فرنجية. وبالتالي، يجب عليه الانتقال إلى خطة أخرى. ولكن لا يريد الحزب أن يبيع مثل هذه الورقة إلى أي طرف لبناني داخلي. كما أن مثل هذه الورقة لا يمكن بيعها للفرنسيين أيضاً، إنما يفترض أن تُباع لطرف آخر، إما تكون السعودية وإما الولايات المتحدة. وهذا لا بد أن يكون له ارتباط بسياقات وملفات أخرى أيضاً في المنطقة.
قائد الجيش؟
وفق هذا المنطق، يفترض بتصعيد حزب الله أن يستدعي من القوى الأخرى المهتمة في لبنان أن تدخل إلى الساحة وتعرض ما لديها. وعلى هذا الأساس يفترض أن يحصل التفاهم. أما بحال لم يتحقق ذلك، فلدى الحزب ما يكفي من قدرة على الصبر والصمود، لإحراق مرشح المعارضة والبقاء على مرشحه. فحينها، ستخرج أصوات جديدة للمطالبة بالذهاب إلى تسوية على قائد الجيش جوزيف عون. وهو ما قد يحظى برعاية إقليمية. ولكن حينها، سيبرز رهان آخر لدى الحزب وهو جعل باسيل يذهب للموافقة على فرنجية مقابل تحصيل مكاسب كبرى. فبالنسبة إلى باسيل، يبقى فرنجية أهون لجهة التعاطي معه وعقد الاتفاقات برعاية الحزب من العلاقة مع جوزيف عون. ربما أيضاً، وجهة النظر هذه تلتقي مع وجهة نظر الفرنسيين الذين سيضطرون إلى تغيير موقفهم ولهجتهم حالياً. ولكن يبقى رهانهم على معجزة ما تعيد إحياء مبادرتهم.
المصدر: المدن