في جمهورية مولدوفا وبالقرب من الحدود الأوكرانية اجتمع في اليوم الأول من شهر حزيران 2023, سبعة وأربعون 47 رئيس دولة وحكومة أوروبية من أجل تاكيد الموقف الأوربي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا ولكي يرسلوا رسالة للعالم بأن القارة الأوربية مجتمعة تقف ضد سياسة بوتين التوسعية وأنها تدعم الشعب الأوكراني بشكل مطلق.
هذا الإجتماع هو الثاني من نوعه الذي تنظمه “المجوعة السياسية الأوربية” والتي تأسست في شهر أكتوبر من العام الماضي 2022 بمبادرةٍ من الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون وهي تضم كل دول القارة الأوربية وتركيا وبريطانيا ضمناً ولكنها تستثني روسيا وبلاروسيا.
تم اختيار جمهورية مولدوفا الصغيرة بوعي شديد لتكون المضيف للاجتماع الثاني, لأن هذه الدولة الصغيرة تحدها رومانيا من الغرب وأوكرانيا من الشرق وهي على مرمى حجر من الأراضي الروسية, وهنا نذكر أن جمهورية مولدوفا هي آخر جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق التي استطاعت الحصول على استقلالها في أوائل تسعينيات القرن الماضي. إضافة إلى ذلك هناك خوفاً كبيراً في البيت الأوربي من أن تصبح هذه الدولة الصغيرة (2,6 مليون نسمة) مقبلات لجوع الدب الروسي في عملية إلتهامه لدول الجوار.
أول من وصل إلى العاصمة المولدوفية, كيشيناو, كان الرئيس الأوكراني زيلنسكي, بينما الرئيس التركي اعتذر عن الحضور بسبب تشكيل الحكومة الجديدة والجلسات الأولى للبرلمان التركي ومراسم القسم أمام أعضاء البرلمان, إضافة إلى ذلك فإن الرئيس أردوغان لا يريد أن يكون طرفاً في هذا الإستقطاب الأوربي الروسي الحاد وهو يفضل أن يبقى عاملاً للوساطة وساعياً للخير من أجل الوصول إلى حل للأزمة الأوكرانية.
رئيسة مولدوفا, مايا ساندو, ذكّرت ضيوفها بأن الحدود الأوكرانية كانت على بعد 20 كيلومتراً فقط من مكان الإجتماع, وهي اغتنمت الفرصة لاستخدام الضغط اللطيف لإقناع الاتحاد الأوروبي بقبول انضمام بلدها إليه وأن بلدها تستحق بالتأكيد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, حيث أن هذا البلد الفقير قد استقبل أعداداً كبيرةً من اللاجئين الأوكرانيين مقارنة بأية دولة من دول الاتحاد الأوروبي الغنية نسبياً. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية, أورسولا فون دير لاين, “مولدوفا هي القلب السياسي لأوروبا هذا الأسبوع”, لكنها لم تذكر موعداً للانضمام. ومع ذلك كانت الرئيسة ساندو متفائلةً من نتائج هذه القمة والتي كانت أكبر قمة تحصل في تاريخ مولدوفا.
هذه إشارةً واضحةً من الاتحاد الأوروبي بأن هذه القمة لها علاقةً بالجغرافيا السياسية والجوار القريب الذي يطمع به بوتين, وأن الاتحاد الأوروبي يريد أن يوسع دائرة نفوذه لضمان المزيد من الأمن لأعضاء إتحاده. إضافةً إلى ذلك فرضت بروكسل قبل أيامٍ قليلةٍ عقوبات على الأوليغارشية الموالية لبوتين والتي تعمل على زعزعة الإستقرار في مولدوفا.
في هذه القمة أكد الرئيس الأوكراني زيلينسكي مرة أخرى رغبة بلاده في التسريع في ضم بلاده إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وقال في مأدبة غداء في قلعة ميمي التاريخية “يجب اتخاذ قرارات هذا العام.”
لكن الولايات المتحدة وألمانيا مترددتان بشأن عضوية أوكرانيا في الناتو لأن هذا سيجعل القوتين النوويتين الولايات المتحدة وروسيا في حالة مواجهةٍ مباشرةٍ وخطيرةٍ للغاية. وفي نهاية الاجتماع قال زيلينسكي بأن الضرورة القصوى الآن هي دعم أوكرانيا وليس الأولوية لعضويتها في الناتو.
المستشار شولتس التقى مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي ومع الرئيس الفرنسي ماكرون إضافة إلى لقائه مع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ونظيرته الكوسوفية فيوزا عثماني. في النهاية تحول هذا اللقاء الثنائي إلى لقاءٍ رباعي للقادة الأربعة من أجل البحث عن حلٍ للتوتر المتزايد بين صربيا وكوسوفو وذلك بعد ما يقارب من 25 عاماً على انتهاء حرب كوسوفو.
إلى جانب الغزو الروسي لأوكرانيا والتوتر في كوسوفو كانت كذلك الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان حاضرةً في هذه القمة, حيث تمت إجتماعات ما بين رئيسي الدولتين برعاية أوربية من أجل الوصول إلى حل ينهي الأزمة القائمة هناك.
العالم الديمقراطي أراد أن يوجه رسالة واضحة لنظام بوتين, وإلى من هم على شاكلته, بأن الشعوب هي التي تحدد مصيرها وهي التي تختار النظام الذي تريده وليست القوى العظمى او دول الجوار لها.
إلى جانب ما نتج عن قمة مولدوفا هنالك تحضيرات تجرى على قدمٍ وساقْ للهجوم الأوكراني على روسيا وكذلك العمليات العسكرية المسلحة للمقاومة الروسية ضد نظام بوتين كلها تشير إلى أن نظام بوتين أصبح مثل ما يقال “بلاع الموس” فهو سيسيل دمه مع كل حركة لهذا الموس لأنه قد وقع في المستنقع الأوكراني العميق ولن يأتي أحداً لنجدته, وأن تفتت الإتحاد الروسي يقترب من بدايته بخطاً سريعة بسبب مغامرة بوتين في أوكرانيا مثلما غامر الإتحاد السوفياتي سابقاً في أفغانستان والتي أدت إلى إنهياره.