قبل خمسة أشهر من انتخابات الولايات المتحدة، تظهر الاستطلاعات تفوقاً من 5 – 6 في المئة للمرشح الديمقراطي جو بايدن، ولكن وفق جدول الرهان ينتصر ترامب. فمعالجة الرئيس للوباء وإن كانت أثرت سلباً في التأييد له، البالغ نحو 40 في المئة فقط، يبقى الافتراض بأن المؤشر السياسي لا بد سيتحرك إلى هنا أو هناك مع حلول تشرين الثاني، وفي هذه الأثناء ستكون الاضطرابات التي اندلعت في أرجاء الولايات المتحدة في أعقاب أحداث العنف في مينيابوليس كفيلة بأن تعمل في صالح ترامب. وأقام الديمقراطيون أملهم في النصر على التوقع بأن تقوض المشاكل الاقتصادية، ولا سيما في أعقاب كورونا، إنجازات ترامب في هذا المجال، ولكن بانتظارهم ضربة غير متوقعة؛ إذ بشر جيسون فورمان، البروفيسور الكبير في الاقتصاد في جامعة هارفورد وأحد الاقتصاديين الرئيسين في إدارة أوباما، بالمفاجأة التالية: “ننتظر المعطيات الاقتصادية الأفضل في تاريخ بلادنا”، وتعليلاته هي، ضمن أمور أخرى، بأن انتهاء أزمة كورونا سيؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق بالنمو.
يجدر بالذكر أن الانتخابات التي ستجرى في تشرين الثاني ليست فقط للرئاسة، بل أيضاً لكل الـ 435 مقعداً في مجلس النواب ولثلث المئة مقعد في مجلس الشيوخ. للديمقراطيين اليوم أغلبية في مجلس النواب، أما في مجلس الشيوخ فالأغلبية للجمهوريين. وحسب الاستطلاعات، هذا الوضع سيستمر. مشوقة على نحو خاص، لإسرائيل أيضاً، هي انتخابات مجلس النواب؛ إذ سيحسم فيها وبقدر كبير الاتجاه السياسي في الحزب الديمقراطي بين اليسار الراديكالي المسمى “تقدمي” والكتلة المركزية المعتدلة. كما أن المجموعة اليسارية، المناهضة لإسرائيل، المؤيدة للـ BDS وفي بعضها لاسامي، ستكون قيد الانتخاب، ومن شأنها أن تضم شركاء جدداً في الرأي.
في هذه الأثناء يتركز اليانصيب السياسي أساساً على مسألة من سيختار بايدن لمنصب نائب الرئيس. صحيح أنه وعد باختيار مرشحة من أصل إفرو-أمريكي، ولكنه لم يعد بأن يوفي بالوعد، أما المنافسة في هذه اللحظة فهي أساساً بين السناتورة اليزابيت وورن من الجناح اليساري، وسناتورتين أخريين هما كميلا هارس الإفرو-أمريكية من كاليفورنيا، وإيمي كلوبشر المعتدلة من منسوتا ذات الاحتمالات المفتوحة، بسبب الاضطرابات في ولايتها أيضاً. اختيار السناتورة وورن التي تعلن أنها تريد “إصلاح” الرأسمالية من شأنه أن يؤدي إلى انعطافة يسارية للسياسة الاقتصادية وإبعاد مصوتين محتملين كثيرين، بما في ذلك مستقلون وجمهوريون ملوا ترامب ولكنهم غير متحمسين في تغيير وجه اقتصاد في الاتجاه اليساري. وبالنسبة لإسرائيل، مع أن السناتورة وورن تدعي بأنها تؤيد إسرائيل، ولكن هذا التأييد محدود الضمان.
إذا انتخب بايدن حقاً، فمعظم المراقبين السياسيين في الولايات المتحدة لا يتوقعون تغييرات متطرفة في السياسة الخارجية. لا في موضوع الصين ولا من ناحية تشديد الأطواق على إيران. ولن ترغب الولايات المتحدة بقيادة بايدن على ما يبدو في العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، ولكنها ستحاول الوصول إلى اتفاق جديد يتضمن مسائل مثل الإرهاب والصواريخ، ويشدد المطالبات في الموضوع النووي. ستكون هناك فوارق في التصريحات والتشديدات ولا سيما تجاه أوروبا وحلف الناتو، ولكن المسألة هي إذا كان بوسع بايدن أن يرمم مكانة الولايات المتحدة كزعيمة العالم الحر بعد أن خبت في عهد أوباما وترامب، ليس بسبب سياستهما فحسب، بل ونتيجة تغييرات في الوضع الجغرافي – السياسي العالمي، وفي خريطة مصالح اللاعبين المختلفين. كما ليس واضحاً إذا ما كانت التغييرات الديمغرافية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة ستسمح لها في المستقبل القريب بالعودة إلى المكانة الدولية السابقة أو إذا كانت أغلبية الجمهور الأمريكي سترغب في ذلك.
وبالنسبة للشرق الأوسط أيضاً، لن يطرأ تغيير بعيد الأثر، إلا إذا ألغى بايدن تماماً الانعطافة التي أجراها أوباما من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا، الأمر غير المعقول في هذه اللحظة. السؤال الثاقب من ناحية إسرائيل هو بالطبع: كيف ستختلف سياسة إدارة بايدن عن سياسة إدارة ترامب في المواضيع الأساسية على جدول الأعمال في السنوات القريبة المقبلة. لقد سبق لبايدن -كما هو معروف- أن أعلن بأنه سيبقي السفارة الأمريكية في القدس، بل وتعهد بمواصلة المساعدة الأمنية دون اشتراطات، ولكن مثلما في مواضيع أخرى.. لا يمكنه أن يتجاهل تماماً مناهج اليسار المتطرف في حزبه. وسيحاول الالتصاق بمواقف حزبه التقليدية في عهد ما قبل أوباما. وفي موضوع بسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، وفقاً لخطة ترامب أيضاً، لا يوشك على أن ينتهي نهائياً قبل الانتخابات، مع أنه بمجرد بدء الخطوات ذات المعنى السياسي والتاريخي، واحتمالها بعض التغييرات، فهل ستحاول الإدارة الديمقراطية وضع حد للخطوات المخطط لها، أم ستفضل تكييفها مع المناهج التقليدية للديمقراطيين وتجد بعضها تعبيرها على أي حال في مبادرة ترامب أيضاً، مثل الدولة الفلسطينية، وتحديد معايير للبناء خلف الخط الأخضر (معايير بقيت أحياناً على الورق حتى في الإدارات السابقة)؟ واضح أن للريح التي تهب من غرف البيت الأبيض أهمية كبيرة حول تحديد سياسة الإدارة، ومن هذه الناحية لن تشبه أي إدارة ترامب.
المصدر: القدس العربي