سلط موقع جيوبوليتيكال فيوتشرز الضوء على دوافع التقارب العربي الجاري مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد أكثر من عقد من العزلة الدولية المفروضة على الأخير.
وذكر الموقع في تحليل مطول أن التقارير الواردة مؤخرا أظهرت الأهمية المتزايدة لمكافحة تجارة الكبتاجون (منشط من نوع الأمفيتامين زادت شعبيته في السنوات الأخيرة) بجدول مفاوضات التقارب بين نظام الأسد وجيرانه العرب.
وبالتزامن مع تصاعد تهريب الكبتاجون إلى أسواق الشرق الأوسط، لا سيما في منطقة الخليج العربي، تسعي دول المنطقة لإشراك نظام الأسد (متجاهلة أن عناصره هم مصدر إنتاجها وتجارتها) في جهود مكافحة تلك التجارة غير المشروعة.
وأشار الموقع إلى أن الكبتاجون الذي يتم تداوله في جميع أنحاء الشرق الأوسط منذ عقدين على الأقل، سجلت ما يشبه الانفجار فيما يتعلق بإنتاجه وتجارته خلال السنوات الأخيرة، أصبح العقار شائعًا لدى مجموعة واسعة من المجموعات الديموغرافية.
في حين أن الأسواق الرئيسية للعقار موجودة في الخليج العربي (وخاصة المملكة العربية السعودية)، يتركز الإنتاج في الأراضي السورية التي يسيطر عليها النظام وسلسلة جبال القلمون في لبنان.
وبحسب ما ورد، فإن أبرز المنتجين والمتاجرين بالعقار لديهم روابط قوية مع عائلة الأسد، بما في ذلك أبناء عموم الرئيس بشار الأسد وشقيقه، كما يبدو أن لديهم صلات مع الفرقة المدرعة الرابعة التابعة للنظام، فرع المخابرات العسكرية، والقطاعات الزراعية والتجارية والصيدلانية والتصنيعية الخاصة في البلاد.
مع تصعيد النظام السوري لدوره في تجارة الكبتاجون لتأمين مصادر دخل، تزايدت المخاوف بشأن آثار تهريب الكبتاجون على إنفاذ القانون المحلي والصحة العامة، وبرزت تلك المخاوف في كل من السعودية والأردن.
التقارب الإيراني السعودي
ولكن وفقا تحليل جيوبوليتيكال فيوتشرز لم تكن تلك المخاوف هي الدافع الرئيس وراء التقارب العربي السوري.
وأشار التحليل إلى أن التقارب العربي السوري تضاعف بعد الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وسوريا في فبراير/شباط 2023.
وأوضح أن هذه التطورات تزامنت مع مفاوضات سرية (بوساطة الصين) بين وفود سعودية وإيرانية في هذا الوقت، مما ضغط على حكومات الشرق الأوسط لإنشاء قنوات دبلوماسية مع دمشق.
وأشار إلى أنه في غضون ذلك كانت السعودية تصوغ نهجًا جديدًا تجاه إيران بعد فشل المفاوضات النووية في فيينا ووجود إشارات على أن الولايات المتحدة كانت تنفصل بالفعل عن المنطقة.
في المقابل، كانت إيران، التي تضررت من سنوات من العقوبات، تستكشف مسارات نحو إعادة الاندماج الإقليمي والإغاثة الاقتصادية.
لكن في حين أن الاتفاق الإيراني السعودي كان واسع النطاق، وحتى الآن، ركز إلى حد كبير على الحرب الأهلية في اليمن، إلا أنه من الواضح أن قضية إعادة دمج سوريا دخلت أيضًا في المفاوضات.
ومنذ عام 2015، لعبت إيران دورًا بارزًا في حماية قبضة نظام الأسد على السلطة، مثل قوات فيلق القدس ووكلاء طهران بالمنطقة مثل حزب الله والميليشيات الأخرى.
لكن كان ذلك نهجا مكلفًا لإيران التي تعاني من ضائقة مالية، وخلق حافزًا قويًا لطهران لتشجيع احتضان إقليمي للنظام السوري.
ولفت التحليل إلى أن التفاهم غير الرسمي بين الرياض وطهران كان هو أن إيران لن تخرج من الظل وحدها، ولكن ستكون سوريا جزء غير قابل للتفاوض من صفقة التطبيع بين طهران والرياض.
ووفق التحليل فإن ذلك يفسر لماذا أصبحت السعودية بسرعة رائدة في الجهود المبذولة لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية وإعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل عام.
تأهيل الأسد مستمر
وتفيد تقارير حديثة بأن المسؤولين السعوديين يدرسون تقديم حزمة استثمارية للنظام السوري بقيمة 4 مليارات دولار مقابل موافقة دمشق على تقليص دورها في تجارة الكبتاجون والتعاون في مبادرات أخرى لمكافحة المخدرات.
ونوه التحليل إلى أن هناك حدود للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه المنطقة لتقييد الوصول إلى الكبتاجون، كما هو الحال مع أي تجارة غير مشروعة، من المستحيل القضاء عليها تمامًا.
وتابع أن الأمر سيتطلب الكثير الإغراءات لتحفيز النظام السوري على التخلي عن هذه الأعمال المربحة وتنفيذ الصفقات التي وعد فيها بتقليص دوره بصدق.
لكن بالنظر إلى أن التقارب الإيراني السعودي هو القوة الدافعة لجهود التطبيع السوري، فإن إعادة تأهيل دمشق ستستمر بكامل قوتها، بغض النظر عن مستقبل مبادرات مكافحة المخدرات في المنطقة.
المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد