التلوث البيئي ما زال مستمرًا

لينا العامر

يترافق تفاقم مشكلة تلوث البيئة بالملوثات الغازية والسائلة والصلبة مع التطور الصناعي والحضاري للبشرية إلى أن ازدادت صعوبة ضبط الظواهر البيئية الكارثية التي يمكن أن نعتبرها من صنع الإنسان وأصبحت خطراً لا تهدده فحسب وإنما تطال الكائنات الحية والنباتات أيضاً، ومن أهم ظواهر تلوث الهواء خطورة المطر الحامضي الناتج عن ارتفاع تركيز أكاسيد الكبريت والنتروجين والكربون وذوبانها في جزيئات بخار الماء العالقة في الجو مكونة حموض معلقة في الهواء على هيئة رذاذ دقيق ينتقل مع الرياح إلى مئات الأميال ليسقط في النهاية على شكل ثلج أو مطر حامضي ليجد طريقه إلى التربة والنباتات والبحيرات والأبنية، وأول متلقي لهذا الرذاذ الحمضي هو الإنسان الذي سيعاني بسببه إثارة لأمراض الرئة والقلب وتخرش بطانة الأنف والحنجرة والعيون وتهيج بطانة الجهاز التنفسي.

كما يؤثر في التربة مؤدياً لخلل في توازن شواردها ويبطئ عملية تثبيت النتروجين ويعمل على ذوبان وجرف العديد من المواد المغذية والمعادن في التربة التي تساعد النباتات على النمو.

وبالتالي يؤثر على النباتات بشكل مباشر أو غير مباشر فيتلف المادة الشمعية الواقية لأوراق النباتات ويمنعها من القيام بعملية التركيب الضوئي بشكل صحيح فالعديد من النباتات تذبل وتموت مما يؤثر سلباً على كمية ونوعية المحاصيل الزراعية.

قد يتجه الرذاذ الحمضي مباشرة إلى المسطحات المائية أو يتراكم مع الثلوج وعند ذوبانها تحملها معها إلى المسطحات المائية رافعة من حموضة مياهها مسببة موت الكائنات الدقيقة والأسماك التي لم تستطع التأقلم مع الحموضة المرتفعة للمياه أو نتيجة لاستقرار هذه الجزيئات الحمضية السامة في نسج النباتات التي تتغذى عليها الكائنات الحية المائية فتتركز هذه المركبات السامة بأنسجتها بنسبة أكبر مسببة خللا في النظام البيولوجي. كما يسبب تآكل أسطح الأبنية مسببة تشوهها خاصة الأثرية منها.
فالغلاف الجوي بات يتلقى جرعة هائلة من الغازات المسببة للمطر الحامضي والمنطلقة بشكل أساسي من احتراق الوقود ووسائل النقل ومحطات توليد الطاقة الكهربائية ومعامل تكرير النفط والصناعات الكيميائية كصناعة الأسمدة والصناعات البتروكيميائية، ونلقي الضوء هنا على مثال صناعي يساهم بقوة بظاهرة الأمطار الحمضية لعدم معالجته والاهمال الذي يتركه ليؤدي الى انطلاق أكاسيد الكبريت من المصدر. وهو الشركة العامة لصناعة المنظفات /سار/ المنشأة في ريف دمشق- بلدة عدرا والمأسسة عام 1978 ويعمل لديها حوالي 199 عامل 18% منهم من حاملي الشهادات العليا ضمن الأقسام الإنتاجية التالية:

1- قسم انتاج حمض السلفون وهو المادة الفعالة للمنظفات السائلة.

2- قسم انتاج البودرة المنظفة.

3- قسم انتاج سائل الجلي ومعجون الجلي والمعقمات (فلاش، كلور).

4- قسم إذابة سيلكات الصوديوم.

وقسم السلفنة وهو القسم الرئيسي في المعمل الذي لا يتوقف، وهو مصمم لإنتاج حمض السلفون الذي يشكل المادة الأولية الأساسية لصناعة كافة أنواع المنظفات وهو من الصناعات البتروكيماوية التي تلقي مخلفات خطيرة إلى البيئة إن لم تضبط عملياتها بشكل محكم، فمن الانبعاثات الغازية لهذا القسم أكاسيد الكربون والآزوت التي تنطلق بشكل أساسي من مولدات البخار والحراقات أما أكاسيد الكبريت فتنطلق مما سبق ذكره بالإضافة لانطلاقه بكميات كبيرة خلال العمليات الانتاجية ومن مدخنتها النهائية وتكاد تكون كميته المنطلقة كاملة دون معالجة مسبقة قبل انطلاقه إلى البيئة الخارجية، فهذه الأكاسيد هي المسبب الأساسي للظواهر البيئية الخطيرة كالأمطار الحمضية وتشكل سحابة الضباب الدخاني وتؤدي هذه الغازات الى التهاب الجهاز التنفسي، واستنشاق تراكيز صغيرة منها يتسبب في آلام ناتجة عن حروق صدرية.

وعند إجراء قياسات في هواء ساحة المعمل كان تركيز غاز ثاني أكسيد الكبريت 2 جزء من المليون وفي صالة المراجل البخارية 2 جزء من المليون وداخل قسم السلفنة 3 جزء من المليون بينما التركيز المسموح به حسب المعايير الوطنية لجودة الهواء (لمدة تعرض ساعة واحدة) 0.135 جزء من المليون.

هذا يدل أن الجهاز المكلف بغسل أكاسيد الكبريت وتعديلها قبل انطلاقها للبيئة المحيطة قد توقف عن الخدمة وسمح بتحرر كمية شبه كاملة من الغازات غير المعالجة دون رقيب مساهمة بخلل كبير في صحة البيئة والإنسان. وهذا ما يفسر أيضاً النتيجة الإحصائية للأمراض التي يصاب بها العاملين في معمل سار نتيجة التعرض المباشر لهذه الغازات.. 25% أمراض تنفسية مزمنة، 20% أمراض صدرية مزمنة 4% إصابة بحروق من الدرجة الثانية 1% سرطانات، 50% إجهاد نفسي.

إذاً لابد من اتخاذ إجراءات لتخفيض انبعاث غازات الكبريت من مدخنة المعمل كصيانة مستمرة لغاسل الغازات والتأكد من فعالية عمله، وتفعيل دور مقياس نقطة ندى الهواء لمراقبة الرطوبة بالإضافة لإنشاء برنامج تدريبي لمشغلي القسم يشمل طرق المراقبة الصحيحة للشروط التقنية.

ولتخفيض انبعاث أكاسيد الكربون والآزوت والكبريت والجسيمات الدقائقية أيضاً لابد من صيانة دورية لمراجل البخار مرفقة بقياسات دورية لهواء المعمل وبرنامج مراقبة لتحديد الضرر الناتج عن هذه الإصدارات الغازية.

أما بالنسبة للانبعاثات السائلة من قسم السلفنة فهي 400 كغ يومياً من الأوليوم السائل ( وهو حمض كبريت مركز مشبع بـثلاثي أكسيد الكبريت SO3 ) يعبئ بحاويات معدنية ويرمى عشوائياً بجانب المعمل وبوجود الرطوبة تهترأ هذه الحاويات المعدنية بتأثير الأوليوم الحمضي وتتسرب كميات كبيرة منه إلى البيئة المجاورة مسببة أخطار عديدة بفعل تبخر غازات الكبريت المنطلقة إلى البيئة دون ضابط، لذلك يوصى بتبديل نوع حاويات الأوليوم من المعدن لمادة أخرى أقل تفاعل مع الأوليوم كالبولي إيتيلين لمنع تسرب غاز ثلاثي أكسيد الكبريت SO3 إلى الجو المحيط.

أما الأوليوم المتسرب خلال عمليات الإنتاج مع 75-100 كغ يومياً من محلول حمض السلفون و200كغ/سا كبريتيت وكبريتات الصوديوم تطرح جميعها في الصرف الصحي أو تترك هذه الحموض لتصرف عشوائياً إلى أن شكلت تجمع مياه صناعية غير معالجة متاخمة لقسم السلفنة سيبقى خطرها على البيئة مستمرًا حتى تتم معالجتها والسيطرة عليها، وقد أدت هذه البركة الصناعية العشوائية الى انهيار حائط المبنى نتيجة لتسربها إلى أساسات البناء، وما يزيد من خطورة هذه المخلفات الصناعية أن معظمها شديد الثبات ويجعل الوسط المائي شديد الحموضة أو شديد القلوية فيبقى أثرها الضار طويلاُ لتثبيطه عمل البكتريا العاملة في الصرف وتأديته لاستهلاك قدر كبير من غاز الأكسجين الذائب في مياه المجاري.

للسيطرة على تجمع المياه الصناعية العشوائي لابد من الالتزام بتحويل الصرف الصناعي للحفرة الفنية الموجودة بالمعمل والتأكد من كتامتها لمنع تسرب السموم الصناعية، ريثما يتم تشييد وحدة معالجة مياه الصرف الصناعي تضمن التخلص السليم مياه الصرف الصناعي، ومن الأوليوم كمنتج ثانوي وتلغي عبء براميل الأوليوم على البيئة، وبالتالي عبء بركة المياه الصناعية المجاورة لقسم السلفنة، بالإضافة لإجراء دراسة اقتصادية لإمكانية الاستفادة من كبريتات وكبريتيت الصوديوم بدلاً من إلقائها في الصرف الصناعي، وتوعية العمال لطرق التعامل السليم مع الأوليوم لتخفيض نسبة هدره على أرض المعمل وفي المجاري. والالتزام بإجراء قياسات وفحوص دورية للمياه المصروفة والتأكد من مطابقتها للمواصفات والمعايير السورية.

فللصناعات الكيماوية أهمية لابد منها للتنمية والارتقاء بحياة الإنسان ولكن يجب إدارتها بطرق تحمي صحة البيئة والإنسان من خلال رقابة المنشآت الصناعية وإجراء مراجعات بيئية للتأكد من الإدارة السليمة لنفاياتها، وإلزامها باتباع أساليب الإنتاج النظيف وعدم التهاون بتسرب ملوثات الهواء للبيئة المحيطة بما يتعدى الحدود المسموح بها.

المصدر: ديوان العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى