شجار وعراك داخل برلمان كردستان العراق يعيد التوتر السياسي للإقليم

باسم فرنسيس

الحزبان الحاكمان يتقاطعان في أول جلسة للتصويت على قوانين خلافية. فقد شهدت جلسة برلمان إقليم كردستان الإثنين صخباً تحول إلى شجار بالإيدي وتراشق متبادل بين أعضاء كتلتي الحزبين الحاكمين، “الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني و”الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة بافل طالباني، إثر خلاف على إدراج فقرة تتعلق بتمديد ولاية مفوضية الانتخابات، فيما تضاربت المواقف حول إقرار الفقرة من عدمها بعد انتهاء الجلسة.

ويأتي التوتر بعد ساعات من اجتماع عقده الحزبان إثر ضغوط مارستها واشنطن منذ مطلع العام الحالي كان آخرها قبل أيام عندما قادت مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربارا ليف جهوداً حثيثة للتقريب بين الحزبين لإنهاء خلافهما حول إجراء الانتخابات المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعدما تسبب الخلاف بتأجيلها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتسهم في إنهاء مقاطعة وزراء “الاتحاد الوطني” لاجتماعات الحكومة التي دامت ستة أشهر.

خلاف قانوني

وتضاربت مواقف نواب الحزبين من حقيقة تمرير قرار تمديد ولاية المفوضية، إذ أعلن نواب حزب “الاتحاد الوطني” أن الجلسة تأجلت، فيما ذكرت وسائل إعلام الحزب “الديمقراطي” أن الجلسة عقدت وتم خلالها التمديد لعمل المفوضية.

واندلع الشجار في الجلسة عندما اعترضت كتلة “الاتحاد” على عقدها إثر إدراج فقرة لم يكن متفقاً في شأنها مسبقاً في جدول الأعمال، مما دعا رئيسة البرلمان عن حزب “الاتحاد الوطني”، ريواز فائق إلى إعلان تأجيل الجلسة، إلا أن وسائل إعلام الديمقراطي أكدت لاحقاً أن “الجلسة استمرت في الإنعقاد وصوّت خلالها 58 نائباً من مجموع 111 مقعداً لمصلحة التمديد للمفوضية”، لكن سبق لريواز فايق أن رفضت طرح فقرتي المفوضية وتعديل قانون الانتخابات على النقاش، إلا أن نائبها عن الحزب الديمقراطي هيمن هورامي وسكرتيرة رئاسة البرلمان عن التركمان منى قهوجي أدرجا الفقرتين للمناقشة.

وكانت كتلة “الاتحاد الوطني” أصدرت أمس الأحد بياناً اتهمت فيه كتلة “الديمقراطي بـ “إدراج فقرة غير قانونية بشكل أحادي في مخالفة للمادة (48) الفقرة الرابعة من النظام الداخلي للبرلمان، لعدم إعلانها قبل 24 ساعة من موعد عقد الجلسة، ومخالفة للاتفاق السياسي القاضي بكون فقرتي تعديل قانون الانتخابات وتفعيل المفوضية مسألتان وطنيتان تتطلبان التوافق المسبق”.

وأضاف البيان، “لكن الحزب الديمقراطي استخدم ممثل ما يسمى بالمكونات في هيئة الرئاسة للتوقيع على موضوع غير نظامي، مما يعد خطوة من شأنها أن تعمق الصراعات السياسية”.

اتهامات بخرق النظام الداخلي

وأعلنت ريواز فائق في أعقاب الجلسة أن “صدور أي نتائج بعد قرار إعلان تأجيل الجلسة لن يكون له أي قيمة قانونية بموجب الفقرة (11) من المادة (18) التي تمنح رئيس البرلمان الصلاحية الحصرية في التوقيع على القرارات، ثم إنني لم أمنح هذه الصلاحية لنائب الرئيس”.

في المقابل أعلن نائب رئيسة البرلمان هيمن هورامي في بيان أن “الجلسة تحقق خلالها النصاب القانوني، فلا تملك رئيسة البرلمان صلاحية تأجيل الجلسة، استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة (18) من النظام الداخلي، وبدلاً من ذلك فإذا كان التأجيل ضرورياً وفقاً للفقرة الثانية من المادة (48) فسيكون ذلك من صلاحية الرئاسة بموافقة الغالبية البرلمانية، وبما أن غالبية أعضاء الرئاسة وأعضاء مجلس النواب كانت لمصلحة استمرار الجلسة، وبما أن الرئيس قد غاب، فإن الفقرة (1) من المادة (19) من النظام الداخلي تعطي الحق لنائب الرئيس الصلاحيات الكاملة”.

أما بخصوص التمديد لمفوضية الانتخابات فقد عزا إدراجه إلى “نفاذ الوقت أمام موعد الانتخابات، وقد حاولنا كثيراً مع رئيسة البرلمان لطرحه ضمن جدول الأعمال وفق السياقات القانونية”.

إصابات بين النواب

وأظهرت مشاهد تلفزيونية إصابة رئيس كتلة “الاتحاد” زياد جبار بجروح في الرأس أثناء خروجه من قاعة البرلمان، وقال للصحافيين “لقد أصبت بجروح”، بينما اتهم النائب عن الكتلة هاوري ملا ستار الحزب الديمقراطي في تصريحات صحافية “باستقدام أفراد أمنيين يرتدون ملابس مدنية إلى داخل البرلمان، لكننا تمكنا على رغم ذلك مواصلة عقد الجلسة بعد أن أعلنت رئيسة البرلمان تأجيلها”.

وجاءت الأحداث غداة صدور بيان مشترك للحزبين عقب اجتماع هو الثاني منذ منتصف مايو (أيار) الماضي، أكدا فيه “إجراء الانتخابات في موعدها ووجود تفاهم إيجابي حول عدد من المسائل العالقة”، ونوها إلى “حاجة بعض العقبات إلى مزيد من النقاشات خللا الاجتماعات المقبلة”.

التوافق “مطلب وطني”

من جهتها قالت رئيس كتلة حركة “التغيير” المشاركة في الائتلاف الحكومي كولستان سعيد إن “الانتخابات لها بعد وطني ويتوجب أن تخضع لتوافق، ولا يجوز لأحد من أجل مصلحة ضيقة أن يهمش الآخرين”، مضيفة “كان هناك تفاهم بين القوى وبخاصة تلك المشاركة في الحكومة، على أن يطرح موضوع التمديد للمفوضية ومقترح تعديل قانون الانتخابات في حزمة واحدة، إذ لا يمكن إقرار التمديد من دون تعديل القانون”.

وتعصف بالإقليم منذ أكثر من عام أزمة سياسية إثر تعمق الخلاف بين الحزبين الحاكمين حول صيغة تقاسم الإيرادات والتقاطعات التي تقف حائلاً أمام إجراء الانتخابات، إذ يطالب حزب طالباني باتباع آلية مركزية لتوزيع الإيرادات والنفقات، إضافة إلى تحويل نظام الانتخابات من الدائرة الواحدة إلى الدوائر المتعددة وزيادة مقاعد الأقليات وفق نظام الكوتا بحسب النسبة السكانية، وأن يتم تمثيلها بشكل حقيقي.

لا انهيار للحوار

أما في شأن المخاوف من أن تؤدي تداعيات هذا التوتر إلى انهيار المحادثات الجارية بين الحزبين، فقال الباحث في الشأن الكردي ريبوار سعيد إن “تأثيره سيكون محدوداً وقد لا يخرج عن إطار العمل البرلماني ولن يمتد إلى الجانب السياسي، لأن الحزبين واقعان تحت ضغط أميركي غير مسبوق كما رأينا، وهما يدركان أهمية الدعم السياسي واللوجستي الذي تقدمه الإدارة الأميركية للإقليم، لذا من السذاجة التفريط بهذا الدعم وسيكون كلاهما الخاسر الأول”. ولفت إلى أن “الخلافات كانت متراكمة ولن يكون من السهل تجاوزها في ظرف جلسة أو اجتماع يتيم، ومن الطبيعي أننا سنرى تقاطعات ولكن لا أعتقد أنه سيتم تجاهل المرحلة الحساسة التي وصلت إليها الأمور والتي قد تؤدي في النهاية إلى التشكيك في شرعية مؤسسات الإقليم، وهذا ما لا يرغب فيه أي الحزبين”.

وختم سعيد بالقول إن “الأهمية تكمن في التفاهم الذي حصل على مستوى القرار السياسي للحزبين، والمؤشرات تذهب في اتجاه وجود إرادة للثبات على مسار نحو حل مقبول في الإقليم خلال الأعوام القليلة المقبلة”.

وتزامناً أعلنت حكومة الإقليم إصدار قرار “لتوحيد الحساب المصرفي بين أربيل والسليمانية لمجمل إيرادات الإقليم”، وذلك خلال اجتماع ترأسه رئيس الحكومة عن الحزب الديمقراطي مسرور بارزاني وبحضور نائبه عن “الاتحاد الوطني” قباد طالباني في إطار تفاهمات تم الاتفاق أخيراً في شأنها لحل الأزمة بين الجانبين.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى