علّقت في ختام القمة العربية في الجزائر منتقداً فشل مخرجات القمم العربية، مع تفاقهما بتفجر أزمات جديدة، يرسخ واقعاً مؤسفاً، يضعف النظام العربي.
استضافت المملكة العربية السعودية القمة 32 والخامسة منذ عام 1976! وسط أجواء احتفالية وتفاؤل غير مسبوق بتحقيق بعض التطلعات. وذلك لأننا نقوم في كل قمة بجردة مؤلمة لواقعنا المتراجع، ولأن القمم العربية تكرر مشهدا سيرياليا يستحضر الصراعات والخلافات والتباين بين أنظمتنا، أكثر مما يبطن.
تذكّر القمم العربية منذ قيام الجامعة العربية بحالة الشتات وفشل النظام العربي الاستراتيجي ببلورة مشروع جامع ضمن مفاهيم الأمن الجماعي والتحالفات. يعطي العرب بارقة أمل بأن غدنا أفضل وقدراتنا وأهدافنا موحدة، لكوننا الطرف الأكبر والأقوى والأكثر إمكانيات تؤهلنا على بلورة مشروع عربي جامع يوازن القوى الإقليمية ويردعها عن التدخل في شؤوننا والاعتداء علينا.
غايرت قمة جدة في 19 الشهر الجاري نهج القمم السابقة، وأثارت جدلا وحفلت بمفاجآت، وكرست زعامة السعودية للنظام العربي. سيذكر التاريخ قمة جدة في السعودية ـ كانت قمة إعادة الأسد بعد قطيعة 12 عاماً لجرائمه ضد شعبه المنتفض على نظامه في موجات انتفاضات الربيع العربي. وبالتالي يمكن الإقرار أن عودة نظام الأسد المثيرة للجدل والمفتقدة للإجماع العربي تدشن لحقبة جديدة بانحياز النظام العربي للأنظمة والإعلان الرسمي عن النهاية الرسمية للربيع العربي!
المثير للاستغراب بعودة النظام السوري إلى الحضن العربي أتت ببدعة «الخطوة مقابل خطوة» بلا تنازلات ولا ضمانات للالتزام بتعهدات عودة اللاجئين والانخراط بحوار وطني ومخرجات جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254 ـ وعودة اللاجئين الآمنة ووقف تصدير المخدرات والكبتاغون ـ ووقف دور الميليشيات والجماعات المسلحة والتحالف مع إيران! لكن الأسد كعادته يريد عودة مجانية ـ وألقى خطاباً فوقياً خيالياً شوفينياً أمام القادة والشعوب العربية مؤكداً أن سوريا قلب العروبة وفي قلبها وعن تغيير الأحضان لكن لا تغيير الانتماء! وتجاوز ذلك لينضم لمنتقدي تركيا والإخوان ـ بشن هجوم على «الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة»! وكأن 12 عاماً من جرائمه ضد شعبه الذي حول نصفه للاجئين ونازحين، لم يغير من مواقفه وجرائمه ليعلن التوبة وطلب الغفران.
وبقي الموقف القطري المعارض للتطبيع ـ حيث أكد رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن الحل الوحيد لتطبيع العلاقات مع النظام السوري هو إيجاد حل شامل وعادل يرضي الشعب السوري، فالمشكلة ليست بين قطر والنظام، وإنما بين النظام وشعب عانى من ويلات الحرب على مدار الـ12 سنة الأخيرة ولا تريد الخروج عن الإجماع العربي حول هذا الموضوع، لكن يُترك لكل دولة قرارها السيادي في تطبيع العلاقات الثنائية. لهذا غادر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد القمة قبل إلقاء الأسد كلمته ولم يعقد أي اجتماعات ثنائية.
وخطف أجواء القمة مشاركة الرئيس الأوكراني زيلنسكي القمة العربية وأعطى القمة بعداً واهتماماً دولياً، ولكن مشاركة زلينسكي قد تفسرها روسيا تخلي العرب عن موقفهم الحيادي في الحرب على أوكرانيا، وهو ما انتقده زيلنسكي بوقوف البعض على الحياد. وكان ملفتاً وجود أقرب حليف لروسيا وأكبر عدو زيلنسكي في قاعة القمة العربية في جدة، الأسد الذي يدين ببقاء نظامه لبوتين، وصوّت ضد جميع القرارات التي تدين حربه على أوكرانيا في الجمعية العامة ـ وزيلنسكي ـ تقاتل قواته بدعم الناتو الغرب القوات الروسية وجماعة فاغنر منذ 15 شهراً.
منذ قمة الجزائر 2022 ـ شنت حكومة نتنياهو السادسة، والأكثر تطرفاً وفاشية حربا سادسة خاسرة على غزة هذا الشهر. واستمرت بالتنكيل والاعتداءات الوحشية بحق الفلسطينيين في القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية الكبرى ومخيماتها بقتل ممنهج بلا رداع ولا موقف عربي جامع وتواطؤ غربي يوقف جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة التي يطلق عليها الاحتلال الإسرائيلي «حرب الاستقلال»! الاستقلال من ماذا؟ ومعها الذكرى 56 للنكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967! واحتلال المسجد الأقصى وتكثيف تهويد القدس وتوسع الاستيطان السرطاني، وتصعيد التنكيل والاعتداءات على الفلسطينيين.
ركزت قمة جدة على أزمات العرب المستعصية وعلى رأسها التأكيد على محورية القضية الفلسطينية وحشد الجهود لتحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية التي كرر جميع القادة العرب برغم غياب نصفهم عن حضور القمة على مركزيتها ومحوريتها، والالتزام بالمبادرة العربية لقمة بيروت عام 2002 والانحساب الإسرائيلي الكامل ـ مقابل التطبيع العربي الكامل. وأربع دول عربية خرقت ذلك الإجماع بما عرف بالاتفاق الإبراهيمي بالتطبيع مع إسرائيل بمبادرة وتشجيع إدارة ترامب عام 2020؟
وطالبت قمة جدة بتكثيف الجهود والتعاون لمنع التدخلات في شؤوننا الداخلية، ومواجهة التحديات والتعاون لحماية سيادة دولنا ومقدراتنا ومنع تحول منطقتنا لمنطقة صراعات. لكن كيف يتحقق ذلك مع تفاقم الأزمات المزمنة؟
وانضمت السودان بصراع الجنرالات، لتتراجع أوضاعها وتكبر معاناتها. وتستمر مراوحة أزمات اليمن وليبيا ولبنان وتونس والعراق وغيرها الغارقين بأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية ضاغطة دون حل يلوح في الأفق. ما يؤكد هشاشة الدول والنظام العربي برمته! لذلك تستمر حالة العرب بالتراجع ما يسمح للمشاريع الإقليمية غير العربية للتقدم والتدخل في شؤوننا ـ ثم تطالب القمم العربية بتكثيف الجهود للمواجهة والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤوننا! كيف يتحقق ذلك والنظام العربي فشل على مدى ثلاثة أرباع القرن بامتلاك زمام المبادرة لتشكيل قوة بمشروع رادع يرتكز على تنسيق وتعاون جماعي حقيقي؟! ما يجعلنا نستمر بصناعة قوارير جديدة لنضع مياهنا القديمة فيها!
أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت
المصدر: القدس العربي