تستحوذ قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، على بند رئيسي في ملف الانفتاح العربي تجاه نظام بشار الأسد، إضافة إلى قضية مكافحة تهريب المخدرات، والخطوط العمومية الفضفاضة بشأن تشجيع خطوات الحل السياسي في سورية.
وفي ظل، عدم وجود خطة عربية واضحة بشأن الحل السياسي، تشمل تفكيك المليشيات الأجنبية على الأراضي السورية، فإنّ الحديث عملياً يكاد يقتصر على مسألتي مكافحة إنتاج وتهريب المخدرات على الأراضي السورية، وعودة اللاجئين، وهما مسألتان لا تندرجان في صلب الأزمة السورية، باعتبار أنه عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد عام 2011، لم تكن هناك أزمة لاجئين، ولم تكن سورية بلداً رئيسياً في إنتاج وتهريب المخدرات؛ أي إنّ هاتين المسألتين من عوارض الأزمة وليستا من أسبابها.
وتشير الاجتماعات التي سبقت قمة جدة السعودية، أمس الجمعة، إلى أنّ الأطراف العربية المعنية (الأردن والعراق، ودول الخليج العربي)، اتفقت مع النظام السوري على بعض الخطوات لمكافحة إنتاج وتهريب المخدرات عبر الحدود، وأنّ النظام قدّم في هذا السياق التزامات معينة، وإن كان تنفيذها محلّ شك، نظراً للربحية العالية التي تؤمنها له هذه التجارة، في ظل شح الموارد الأخرى.
النظام يساوم على اللاجئين
أما الموضوع الآخر، والذي يهم ملايين السوريين، فهو عودة اللاجئين في الخارج والذين يزيد عددهم عن 6 ملايين لاجئ، يعيش معظمهم في دول الجوار السوري؛ أي تركيا ولبنان والأردن، إضافة إلى أعداد أقل في العراق ومصر.
ويميل توجه النظام السوري في هذا الملف، إلى استخدام ورقة اللاجئين لمساومة العرب والغرب، من باب؛ إما تمويل إعادة الإعمار أو تحمّل “عبء ملف اللاجئين”، كون الدول المستضيفة تعاني اقتصادياً.
وفي حين يرحّب الخطاب الرسمي للنظام السوري على الدوام بعودة اللاجئين، ويبدي الاستعداد للتعاون في أي مسعى بهذا الاتجاه، إلا أنه يشدّد على التلازم بين عودتهم وإعادة الإعمار.
وخلال مشاركته في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في جدة، قال وزير خارجية النظام فيصل المقداد، عقب لقائه نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب، إنّ اللاجئين السوريين “يجب أن يعودوا إلى وطنهم وهذه العودة تحتاج إلى إمكانات، لكن سواء شجعتهم الدول الغربية على العودة أو عرقلت ذلك، فسورية ترحّب بكل أبنائها”.
وفي تصريحات أخرى، طالب المقداد بـ”دور عربي فاعل” في مساعدة اللاجئين السوريين على العودة إلى بلدهم، معتبراً أنّ “عملية إعادة الإعمار ستسهّل عودة هؤلاء اللاجئين”.
بدوره صرّح نائبه أيمن سوسان، بأنّ الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، ناقشت عودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم، مشدداً على ضرورة إطلاق عملية إعادة إعمار سورية، ورفع العقوبات عن النظام لأجل عودتهم. ورأى سوسان أنّ عودة المهجرين لها متطلبات؛ أهمّها توفير الخدمات اللازمة للعيش في المناطق التي سيأتون إليها.
العقوبات الغربية
وتصطدم طموحات النظام بشأن الإعمار بموقف غربي متشدد. ويقول الكاتب الصحافي السوري فؤاد عبد العزيز، لـ”العربي الجديد”، اليوم السبت، إنّ الدول العربية قد تسعى لدى الولايات المتحدة والدول الغربية من أجل السماح لها بتقديم بعض المساعدات للنظام السوري، في إطار مسألة تسهيل عودة اللاجئين، لكن من المستبعد أن يجري السماح بتمرير مساعدات على نطاق واسع ترتقي إلى مستوى إعادة الإعمار، كما يأمل النظام، ذلك أنه حتى الدول العربية ما زالت تربط بين مسألة إعادة الإعمار، والتقدم في الحل السياسي، وهو الموقف الذي تتشدد فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ومن هنا، يضيف عبد العزيز، أنّ النظام السوري قد يتلقى بعض المساعدات من الدول العربية، لكن الأخيرة ستنتظر منه تقديم تنازلات وفق مبدأ “الخطوة مقابل خطوة” المشار إليه بوضوح في اجتماع عمّان الوزاري قبل قمة جدة.
وأوضح عبد العزيز، أنّ عقوبات قانون قيصر الأميركي تمنع تقديم أي أموال مخصصة لإعادة الإعمار، ما يعني أنّ الدول العربية لن تسعى إلى تحدي العقوبات الأميركية، بل ستحاول إقناع الأميركيين بتقديم قدر من المساعدات، وفق شروط وضوابط معينة، قد لا تروق للنظام الذي يتطلع لتسلّم الأموال مباشرة، وإنفاقها في أجندته الخاصة.
ولفت إلى أنّ قانون “محاربة التطبيع مع الأسد” الذي جرى التصويت المبدئي عليه بتوافق من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي، يمنع الإدارات الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها الأسد، ويبعث رسائل واضحة للدول التي طبعت معه.
مجرد شعار
ورغم أنّ العديد من المناطق في سورية لم تشهد أي أعمال قتالية منذ سنوات، فإنّ البلد ما زال يصنف “غير آمن”، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي أكدت أنها لن تسهّل عمليات العودة الجماعية في ظل غياب شروط الحماية الأساسية، لكنها ذكرت أنها ستساعد اللاجئين الأفراد الذين يقررون العودة طواعية.
غير أنّ أعداد اللاجئين العائدين إلى سورية، بشكل طوعي، ما زالت محدودة، بسبب الهواجس الأمنية التي تتصدر مخاوفهم وتردعهم عن العودة، خاصة بالنسبة للعائلات التي لديها أبناء في سن التجنيد الإلزامي، أو كان لهم نشاط سابق في المعارضة السورية، سواء بشقها العسكري أم الإغاثي والطبي والإعلامي، وغيرها.
وكانت منظمات حقوقية دولية قد حذرت من تعرّض العائدين لانتهاكات جسيمة من جانب سلطات النظام السوري. وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير لها، أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021 إنّ اللاجئين السوريين العائدين إلى سورية من لبنان والأردن بين عامي 2017 و2021، واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهاداً على يد قوات النظام والمليشيات التابعة لها.
وأكدت المنظمة أنّ سورية ليست آمنة للعودة، مشيرة إلى أنها “وثقت 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و13 حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي”.
مستقبل مجهول
ويقول معظم اللاجئين، ومنهم عامر شهدي المقيم في تركيا، إنه برغم الظروف الصعبة التي يعيش في ظلها معظم سكان سورية اليوم، وغياب الخدمات الأساسية، فإنّ المخاوف الأمنية هي المانع الأساسي أمام عودة الجزء الأكبر من اللاجئين، خاصة مع الفظائع المطبوعة في ذهن كل سوري بشأن ممارسات أجهزة النظام الأمنية التي لا تخضع لأي قانون أو مراقبة.
ويضيف شهدي، لـ”العربي الجديد”، أنّ جدية الدول العربية في موضوع عودة اللاجئين من عدمها، تظهر من خلال توفير ضمانات بعدم التعرّض لهؤلاء العائدين، ليس فقط حين عودتهم، بل أن تكون ضمانات مستديمة، “لأن من حيل النظام غض النظر أحياناً عن بعض الأشخاص، ثم تصيّد فرصة لاعتقالهم أو حتى تصفيتهم تحت أي ذريعة”.
وقال: “ثمة شعور عميق بعدم الثقة بين المواطن السوري ونظامه، وهو شعور مبني على عقود من الخبرة والتجارب السيئة مع هذا النظام الذي يتسم تفكيره بالغدر والحقد تجاه الكثير من أبناء الشعب السوري”.
من جهته، يعتقد محمد عطا الله، اللاجئ في فرنسا، أنّ عودة اللاجئين “ليست أولوية حقيقية عند النظام، بل هي أولوية عند الدول المجاورة لسورية فقط”، مشيراً إلى أنّ “النظام هو من هجّر متعمّداً أبناء العديد من المناطق، ولن يكون مسروراً بعودتهم، بل يسعى فقط إلى محاولة الاستفادة من قضيتهم للحصول على بعض الأموال”.
ولفت إلى أنه “لو كان النظام جاداً في هذا الموضوع، لسمح وسهّل أولاً عودة النازحين السوريين الموجودين داخل سورية إلى مناطقهم”، حيث لا يزال يضع العقبات أمام هذه العودة، ويمتنع حتى عن رفع الأنقاض في كثير من المناطق التي عادت إلى سيطرته، ويضع قوائم طويلة من الاشتراطات لعودة المهجرين إلى بيوتهم، أو السماح لهم بإعادة إعمارها، بعد أن أطلق في أوقات سابقة قواته ومليشياته لتعيث فيها فساداً ونهباً على مدار سنوات.
وبشأن إمكانية عودته وعائلته في حال تبدلت الأوضاع بشكل حقيقي في سورية، قال عطا الله إنه شخصياً سيعود على الأغلب، لكنه لا يستطيع إجبار أولاده الذين كبروا وترعرعوا خارج سورية على ذلك، خاصة أنّ بلادهم تئن تحت أوضاع وخدمات متردية، ولا يمكنه إجبارهم على ترك مستقبلهم هنا، والعودة للبحث عن “مستقبل مجهول” في سورية.
المصدر: العربي الجديد