اعتبر الزميل بمركز سياسات الشرق الأوسط، ستيفن هايدمان، أن تصويت جامعة الدول العربية، هذا الأسبوع، لصالح إعادة عضوية سوريا، جاء بمثابة إشارة إلى “نظام جديد” يتشكل بالشرق الأوسط، ونقطة تحول في التطبيع الإقليمي مع نظام بشار الأسد.
وذكر هايدمان، في تحليل نشره معهد بروكينجز وترجمه “الخليج الجديد”، إن عودة سوريا للجامعة العربية جاء تتويجا لحملة استمرت سنوات من قبل قادة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والأردن لإعادة التواصل مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على أمل أن يكون إغراء التطبيع معه أكثر فاعلية من العقوبات.
لكن لم يؤد التطبيع مع الأسد إلى نتائج ملموسة بعد، سواء لنظامه أو لنظرائه العرب، ومن غير المؤكد حدوث ذلك في أي وقت، رغم الضجيج المحيط بتصويت جامعة الدول العربية، حسبما يرى هايدمان، مشيرا، في الوقت ذاته، إلى ان التطبيع في حد ذاته اعتراف من الأنظمة العربية بأن الأسد لا يمكن التخلص منه ويجب التعامل معه، حتى لو كان ذلك فقط للحد من قدرته على التسبب في مشكلات لجيرانه.
وبالنظر إلى عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية باعتباره قطعة ضمن منظومة إقليمية أكبر، يمكن قراءة تعزيز مستمر لبنية أمنية إقليمية جديدة، تمثل إطارا لإدارة النزاعات، ويصفها هايدمان بأنها “ربما تكون أهم تحول في الديناميكيات الإقليمية منذ الغزو الأمريكي للعراق”.
وأشار إلى أن عودة النظام السوري للجامعة العربية، إلى جانب خطوات أخرى، ضيّق الانقسامات الإقليمية بين إيران والسعودية، وبين قطر ونظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وبين تركيا ومصر.
ويرى هايدمان أن التطبيع مع النظام السوري يعد خطوة إضافية نحو وقف تصعيد الصراعات الإقليمية المستعصية، ومنها الصراع اليمني، حيث أتاح التقارب السعودي الإيراني أطول وقف لإطلاق النار حتى الآن في الحرب الأهلية التي استمرت عقدًا من الزمان في البلاد.
البرجماتية والواقعية
وفي إطار التحرك نحو المشاركة البناءة، يشير هايدمان إلى أن الفاعلين الإقليميين رفعوا البرجماتية والواقعية على الانقسامات الجيوسياسية والطائفية التي قسمتهم لعقود.
لكن هذا التحول لا يعني بدايات سلام دافئ بين الخصوم العرب أو بين الأنظمة العربية وإيران، ولا يشير إلى أن التوترات بين الأسد والأنظمة التي عملت منذ بضع سنوات فقط على الإطاحة بنظامه قد تضاءلت، بحسب هايدمان، مشيرا إلى أن الأردن وجه ضربة عسكرية لموقع إنتاج للمخدرات في جنوبي سوريا، حتى قبل أن يجف حبر تصويت جامعة الدول العربية لصالح عودة عضوية نظام الأسد.
ويضيف الزميل بمركز سياسات الشرق الأوسط أن تشكل نظام أمني إقليمي شامل لن يقلل العداء بين إيران وإسرائيل، وقد يكون له تأثير معاكس، لافتا إلى أن “الهيكل الأمني الناشئ يؤشر إلى كيفية استجابة الجهات الإقليمية الفاعلة للتحولات الجيوسياسية الأوسع، لا سيما الدور المتناقص للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والنظام الدولي متعدد الأقطاب”.
فهذه التغييرات تحمل الأنظمة العربية نصيبًا أكبر من عبء الأمن الإقليمي، وتدفعها نحو التقليل من أولوية الولايات المتحدة في إدارة التهديدات الإقليمية، وتوسيع نطاق الاحتمالات للنظر إلى تجاوزها لصالح قوى أخرى، بما في ذلك الصين، لحل الخلافات الإقليمية.
وإذا كان الإطار الذي نشأ من هذه الظروف لن ينهي الانقسامات الإقليمية، فقد يعمل على منع المنافسات الدائمة من الغليان والتحول إلى صراع مفتوح، حسبما يرى هايدمان، مضيفا: “إذا حدث ذلك، فقد يشهد الغرب سابقة تاريخية للعالم العربي: تشكيل إطار أمني منظم محليًا، بعد الحرب الباردة”.
وأيا ما كان مصير هذا الإطار، فإن هذا المشهد الأمني المتطور يثير أسئلة أساسية حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
فعلى مدى عقود، استندت السياسة الأمريكية إلى فرضية اشتراك كل من إسرائيل والأنظمة العربية الموالية للغرب في النظر لإيران باعتبارها تهديد للاستقرار الإقليمي، ولذا سعت استراتيجيتها الإقليمية إلى احتواء الجمهورية الإسلامية وإضعاف عملائها الإقليميين ودعم الشركاء العرب.
وفي هذا الإطار، جرى الاحتفال باتفاقات إبراهيم في الولايات المتحدة وإسرائيل باعتبارها مؤشر جزئي على تقارب المصالح بين الخصوم السابقين، إلى الحد الذي جعل التهديد الإيراني طاغيا على الالتزامات المتبقية بإقامة دولة فلسطينية.
الافتراضات الأمريكية
ومع التقارب السعودي الإيراني، والتطبيع مع نظام الأسد، وعلامات التحرك في حل المأزق المتعلق بالرئاسة اللبنانية، والزخم الجديد في الدبلوماسية الإقليمية على نطاق أوسع، تبدو الافتراضات الكامنة وراء عقود من السياسة الأمريكية غير متوافقة بشكل متزايد مع الاتجاهات الإقليمية، بحسب هايدمان، منوها إلى أن تأثيرات هذا التحول على الولايات المتحدة واضحة بالفعل.
ففي الماضي، رأت الولايات المتحدة تطبيع العرب مع نظام الأسد فرصة لإضعاف نفوذ إيران في سوريا، وكثيرًا ما يتم تبرير التواصل مع دمشق على هذا الأساس، لكن يبدو أن هذا الهدف أصبح محل تجاهل تام من الأنظمة العربية، التي قبلت على ما يبدو دور إيران كلاعب إقليمي.
وليس أدل على ذلك، في رأي هايدمان، من زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى سوريا قبل أيام فقط من إعادة جامعة الدول العربية عضوية سوريا، مع قليل من الانتقادات للزيارة من العواصم العربية.
هذه التحولات السريعة في الدبلوماسية الإقليمية جعلت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تتدافع، إذ سافر مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، إلى الرياض للتعبير عن استياء الولايات المتحدة من إبقاء واشنطن بعيدًا، بينما توسطت الصين بكين في استئناف العلاقات السعودية الإيرانية.
لكن في خطاب ألقاه مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، مؤخرا، ادعى دورا قياديا للولايات المتحدة في تسهيل التطورات الإقليمية الأخيرة، بما فيها الصفقة السعودية الإيرانية.
ومع ذلك، يرى هايدمان أن ادعاء سوليفان “لا يمكن أن يخفي مدى تضاؤل المصالح الأمريكية في الحسابات الاستراتيجية للجهات الإقليمية الفاعلة”، مشيرا إلى أن مستشار الأمن القومي الأمريكي ضمن تصريحاته بالكاد حديثا عن سوريا وما إذا كانت الولايات المتحدة قد تراجعت عن عودتها إلى جامعة الدول العربية، وكيف يمكن للولايات المتحدة تعزيز الجهود المتعثرة لمحاسبة نظام الأسد على تواطؤه المستمر في القتل الجماعي، وجرائم الحرب.
إعادة التنظيم
إلى أي مدى ستذهب عمليات إعادة التنظيم الإقليمية إذن؟ يجيب هايدمان بأن التحول نحو تغيير دائم على الأرض لا يزال غير مؤكد، وطالما استمرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض العقوبات، فمن المرجح أن تظل سوريا منطقة محظورة اقتصاديًا.
ويقر هايدمان بأن مكانة إيران كلاعب إقليمي أصبحت أكثر رسوخا، ومع ذلك فإن “عدم الثقة العربية أعمق من أن يتم التغلب عليها من خلال تجديد العلاقات الإيرانية مع السعودية” حسب رأيه.
لكن الواضح لدى هايدمان أن الديناميكيات الإقليمية تدور الآن حول محاور ستكافح الولايات المتحدة للتأثير عليها، رغم استمرار وجودها العسكري بالمنطقة، ومصالحها في مكافحة الإرهاب، والتزامها بكبح برنامج إيران النووي.
ويضيف أن قدرة الولايات المتحدة المستقبلية على تحقيق أهدافها الإقليمية ستكون مشروطة، أكثر من أي وقت مضى، بحسن نية اللاعبين الذين يرسمون مسارًا يبدى اهتماما أقل بمخاوف واشنطن.
ويؤكد هايدمان أن مختلف الأطياف السياسية في الشرق الأوسط سعيدة للغاية برؤية الولايات المتحدة مهمشة، و”بالنظر إلى سجل واشنطن الحافل في المنطقة، يصعب إلقاء اللوم عليهم” حسب رأيه.
وإزاء ذلك، تحتاج إدارة بايدن إلى إثبات استعدادها للانخراط الإقليمي بشكل أكثر نشاطًا واتساقًا، لا سيما في القضايا التي تثير غضب الأنظمة العربية، وإلا فالبديل هو تراجع الأهمية الأمريكية و”تعميق عدم اليقين بشأن ما إذا كان أي شخص في المنطقة سيستمع عندما تقرر واشنطن أن لديها ما تقوله” حسبما يرى هايدمان.
المصدر | ستيفن هايدمان/بروكينجز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد