بينما تنظر إيران رسمياً بإيجابية إلى إعادة نظام الأسد للجامعة العربية، وتبدو واثقة من تداعيات هذه الخطوة على مستقبل نفوذها الأمني والسياسي والاقتصادي في سوريا، يجادل البعض في أن التحرّك الأخير لن يصب في صالح طهران بنهاية المطاف، رغم الضجة الصاخبة التي تحدثها حول انتصارها المزعوم في دمشق أو امتيازات حصلت عليها من السعودية في سوريا مقابل اليمن.
وفي حين تقر طهران بأن إعادة نظام الأسد للجامعة العربية علانيةً لا تتضمن شروطاً مزعجة كتقليص نفوذها في سوريا، وتنظر إلى هذه الشروط على أنها أصبحت ساقطة بالتقادم أو من الماضي، لكنها في نفس الوقت ترسل إشارات منخفضة الصوت توحي بأن إعادة دمشق للحظيرة العربية لا يمكن أن تكون خالية من المخاطر والعواقب السلبية المحتملة على طهران، وأن اللعب الإيراني في الميدان السوري أكثر تعقيداً من النظريات المبسطة التي تروج لها التصريحات الرسمية المعلنة.
“عودة بلا شروط”
في هذا الصدد، كتبت وكالة أنباء “فارس” الحكومية تحت عنوان (عودة سوريا للجامعة العربية أم عودة الجامعة العربية إلى سوريا): “النقطة المهمة واللافتة هي أن بعض المسؤولين في دمشق قالوا خلال هذه الفترة: إنهم لم يطلبوا العودة للجامعة العربية، لكن الدول العربية أثارت هذا الأمر بنفسها”.
ونقلت “فارس” عن مصدر وصفته بالمطلع قوله: “في العامين الماضيين، عندما أثيرت شائعة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حاولت بعض الدول فرض بعض الشروط على دمشق. وكان جواب النظام السوري هو أنه هل طالبت دمشق بالعودة إلى الجامعة التي تنوي فرض شروط عليها؟”.
وبحسب المصدر، تشير “فارس” إلى أنه “تم سحب كل هذه الشروط تقريبا ولم تقبل دمشق أيا منها، وأكدت على علاقات طبيعية في العالم العربي”.
بيانات عربية تثير الجدل الإيراني
لم تكن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال زيارته إلى دمشق، في 18 نيسان الفائت، حول “وحدة أراضي سوريا وهويتها العربية وأمنها”، مثيرة للقلق الإيراني بشدة، حيث اعتبرت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية أن استخدام هذه العبارة من قبل “بن فرحان” هي مؤشر على عودة الرياض إلى التطورات في سوريا، وجهود الدولة العربية لخلق “توازن” مقابل نفوذ إيران وتركيا.
وكانت العبارة الأكثر إثارة للجدل في بيان اجتماع عمان، من وجهة نظر مهر، هي “وقف التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لسوريا”، و”تعاون الجهاز العسكري – الأمني السوري مع نظرائه في دول الجوار”.
وشدّدت “مهر” على أن “وجودها مع روسيا في سوريا تم بدعوة رسمية من الحكومة السورية”، وأن “جهودها منعت سقوط الحكومة المركزية في هذه الدولة”، واصفةً الوجود الأميركي والتركي في سوريا بـ”الاحتلال”.
ورأت أن “الفاعل الآخر المؤثر في المعادلات السورية هو الدول العربية التي اختارت الآن بعد فشل مشروع سقوط الأسد خيار التعاون وتحسين العلاقات مع دمشق”، دون أن تخفي قلقها من “أن هذه الكتلة العربية تعتزم تحديد المجموعتين المذكورتين (إيران مع روسيا، وتركيا مع الولايات المتحدة) بنفس الصيغة باستخدام عبارات مثل “انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي السورية”.
وادّعت أن “المهمة العسكرية لجبهة المقاومة في سوريا ستتغير بلا شك وستسلم إدارة الشؤون إلى قوات الدفاع والأمن في دمشق مع عودة السلام إليها، لكن (يبدو أن بعض الدول العربية تسعى لتحقيق أهداف مختلفة)” وفق وصفها.
وأوضحت “مهر” أن “البنود الواردة في بيان عمان وجدة حول سوريا يظهر أن الكتلة السنية المحافظة ستؤسس نوعاً من العلاقات الاستشارية الاستخبارية مع دمشق بحجة القتال المشترك ضد الإرهاب، والعودة الآمنة للاجئين السوريين، ومحاربة التهريب غير المشروع و انسحاب القوات الأجنبية من سوريا”.
لكن في نفس الوقت، تؤكّد “مهر” في تحفظ صامت على أن “تحقيق هذا السيناريو لا ينفي بالضرورة مصالح طهران، لكن يجب اتباع هذه السياسة بالتنسيق بين إيران والسعودية واحترام المصالح المشتركة للبلدين”.
أسئلة بلا أجوبة
رغم أن المواقع الإيرانية تتحدّث عن حقبة علاقات جديدة تتشكّل في صالح إيران بالشرق الأوسط بعد الاتفاق السعودي الإيراني، والمصالحة السعودية مع نظام الأسد كانعكاس مباشر له، لا توضّح هذه المواقع كيف ستتصرف إيران، وهي ترحب بهذا التطورات غير المسبوقة برفعها إشارة النصر، مع هذا التغير الكبير في ديناميكيات العلاقات السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية التي تتشكل في المنطقة، خاصة في سوريا.
على الجانب الأمني، لم تبد إيران حتى الآن ردة فعل واضحة حيال التطورات الأردنية الحديثة لمكافحة المخدرات في الجنوب السوري، وقصف مواقع محسوبة على حليفها الرئيسي في المنطقة، حزب الله، مؤخراً.
وفي حين تتحدث المواقع الإيرانية عن “عودة الاستقرار والأمن” إلى سوريا، تتجنّب هذه المواقع الحديث عن مصير الوجود العسكري والأمني الإيراني، الذي ما زال يوفر الأرضية والذريعة المناسبة لشن غارات إسرائيلية واسعة النطاق في سوريا.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أوردت بعض المصادر العربية أنباء تتحدث عن طرد جواد غفاري، قائد القوات الإيرانية في سوريا، بسبب مجموعة من الخلافات مع نظام الأسد، ليتبيّن فيما بعد أن التغيير في القيادة الإيرانية روتيني، وأن مقتل قاسم سليماني أخّر انتهاء مهمة غفاري، عام 2020. واليوم يجري الحديث، دون دليل حقيقي على أرض الواقع، عن إزالة الميليشيات الإيرانية لأعلامها في سوريا، في إشارة مبطنة إلى قرب سحب إيران لقواتها من سوريا.
على الجانب الاقتصادي أيضاً، تدّعي وكالة أنباء “تسنيم” في مقال لها بعنوان: (لماذا تسعى السعودية لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟) أن دمشق ترغب في التعاون مع الرياض، لكونها قادرة على لعب دور مساعد بشكل أفضل من الإمارات أو عُمان بسبب علاقاتها الجيدة مع روسيا والصين.
وكذلك حاجة الولايات المتحدة لها في مختلف المستويات، لكنها لا توضّح موقع إيران من خريطة الطريق هذه، وهل ستكون جزءًا مستفيداً منها أم لا؟ وهل ستقدم الرياض هذه المساعدات بدون مقابل؟!
بعد زيارة رئيسي الأخيرة إلى دمشق، وتوقيع مجموعة ضخمة من الاتفاقيات الاقتصادية مع نظام الأسد، أقر بهمن صالحي جاويد، أمين جمعية مصدري الخدمات الفنية والهندسية، أن سوريا تنظر للشركات الإيرانية كشركات درجة ثانية، وتوقع ألا تحظى الشركات الإيرانية التي تصدر خدمات فنية وهندسية بنصيب في المشاريع أكثر من قوة إيران في سوريا.
وأشار جاويد إلى أن “نظام الأسد لا يرحب بوجود شركات خدمات فنية وهندسية إيرانية للمشاركة في مشاريع أو تقديم تسهيلات لها بقدر ما يرحب بوجود إيران للحفاظ على أمن سوريا”.
في ظل العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على كلا النظامين، وحالة الشلل الاقتصادي الناجمة عنها، يرجح كثير من المراقبين أن الاتفاقيات الـ15 الموقعة بين إيران وسوريا خلال زيارة إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى دمشق، ستبقى في الغالب على الورق حتى إشعار آخر.
وفي هذا الصدد، يرى موقع “راديو فردا” المعارض، في مقال يمكن وصفه بالمتفائل جداً، أن “تطبيع علاقات نظام الأسد مع الدول العربية أو تركيا يعني تنويع إمكاناته والانتقال من الحاجة الأمنية والاقتصادية الهائلة إلى إيران وحتى إلى روسيا.
وزعم المقال أنه “إذا تحرك نظام الأسد في إطار الشروط التي وضعتها جامعة الدول العربية لإعادة العلاقات معها، مثل فتح الهيكل السياسي وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، فسيتم فتح هيكل السلطة، وإن كان بشكل محدود، ليس بالضرورة في صالح إيران”.
كذلك توقّع الموقع أن “مثل هذه الخطوات ستزيد من احتمالات قيام الدول العربية القوية بالمساومة مع الغرب لتقليل أو رفع العقوبات المفروضة على سوريا”، مؤكّداً على أن “تنوع الاحتمالات وأوراق اللعب لنظام الأسد يجعله غير مضطر إلى حد كبير للعلاقات الوثيقة وأحيانًا الإشكالية مع طهران”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا