عادت سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربيّة. اتّخذ قرار العودة الذي فرح به النظام فرحاً عظيماً، من منطلق “عودة العرب إلى سوريا الأسد”. كان ذلك في اجتماع عقده مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية. تركت جامعة الدول العربيّة، لحسن الحظ، لكلّ دولة عربيّة حرّية إعادة العلاقات مع النظام أو عدم إعادتها.
حسناً، أقدمت جامعة الدول العربيّة على خطوةٍ إيجابية في اتجاه النظام السوري. ما هي الخطوة التي يُفترض بالنظام الإقدام عليها بغية الردّ على التحيّة بما هو أحسن منها؟
الجواب أنّ ليس لدى بشّار الأسد ما يردّ به على الخطوة العربيّة. لا يعني ذلك سوء تقدير عربي للوضع السوري بمقدار ما يعني استيعاباً عربياً لحدود ما يستطيع النظام القيام به. بكلامٍ أوضح، لا يستطيع النظام التحرّك خارج إطار ضيّقٍ جداً في ضوء النفوذ الإيراني في دمشق. هل هناك استعدادٌ إيراني لتقديم أي تنازلات في سوريا؟ يختزل هذا السؤال لبّ المشكلة بين العرب والنظام السوري. لكنّ ذلك لا يعني استبعاد أسئلة أخرى عديدة مطروحة عربيّاً على النظام.
من بين هذه الأسئلة كيف سيتمّ التعاطي مع القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي أواخر العام 2015 والذي يتحدث عن “فترة انتقالية” في سوريا لمدة 18 شهراً تليها انتخابات حرّة بإشراف الأمم المتحدة. لا يمكن للنظام القبول بالقرار 2254 وحتّى التعاطي معه. يعود ذلك إلى أنّ هذا القرار، المتّخذ بإجماع أعضاء مجلس الأمن، يعني نهايته. هل يمكن للنظام السوري المرفوض من أكثرية شعبه توقيع قرار يقضي بتنفيذ حكم الإعدام به؟
حسناً، لنضع القرار 2254 جانباً ونعتبر أنّه غير قابل للتطبيق، على حدّ تعبير المقرّبين من النظام، الذين يتندرون بالقول أن القرار سيطبق في السنة 2254. ماذا عن عودة اللاجئين السوريين الذين يقدّر عددهم بعشرة ملايين، بين لاجئين صاروا خارج الأراضي السورية وآخرين هجروا من منطقة إلى منطقة أخرى في الداخل السوري؟
ليس ما يشير إلى أي رغبة لدى النظام في حلّ هذه المشكلة. لا يعود ذلك، فقط، إلى أنّ اللاجئين من أهل السنّة الذين يسعى النظام إلى التخلص منهم بحثاً عن “مجتمع أكثر تجانساً” على حد تعبير بشّار الأسد. توجد أيضاً رغبة لدى النظام في إبقاء قضية اللاجئين معلّقة نظراً إلى أنّها تخلق مشاكل لكلّ من تركيا ولبنان والأردن. يُعتبر خلق المشاكل للآخرين جزءاً لا يتجزّأ من طبيعة نظام لم يعمل، منذ قيامه في العام 1970، سوى على تصدير أزمته الداخليّة، نظراً لكونه نظاماً أقلّوياً، إلى خارج حدوده!
يمكن الاسترسال طويلاً في تعداد الأسئلة التي لا أجوبة لدى النظام السوري عنها، بما في ذلك مشكلة صناعة المخدرات، خصوصاً الكبتاغون، وتصديرها إلى دول الخليج العربي وحتّى إلى الدول الأوروبية. لكنّ السؤال الأكبر الذي سيظلّ مطروحاً يرتبط بالنفوذ الإيراني في سوريا.
في النهاية لا وجود لقرار سوري مستقلّ عن إيران الموجودة مباشرة وعبر ميليشياتها المذهبيّة في الأراضي السوريّة. لم تكن الزيارة الأخيرة التي قام بها لدمشق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سوى شاهدٍ حيّ على أنّ القرار السوري قرار إيراني لا أكثر.
هذا يعني بكلّ بساطة أنّ أي مفاوضات في شأن مستقبل سوريا الواقعة تحت خمسة احتلالات لا يمكن أن تحصل بمعزل عن “الجمهوريّة الإسلاميّة”. توجد وحدة دمّ بين النظام السوري والنظام القائم في إيران. أكثر من ذلك، وظّفت إيران مليارات الدولارات منذ العام 2011 لمنع سقوط بشّار الأسد. استثمرت في تغيير طبيعة المجتمع السوري في غير منطقة. بات الرئيس الإيراني يستقبل في منطقة السيدة زينب، قرب دمشق، بأناشيد مرتبطة بالثقافة الإيرانيّة…
فوق ذلك كلّه، لا يمكن تجاهل أنّ مواقف الإدارات الأميركية المتلاحقة لم تساعد في أي يوم بتخليص الشعب السوري من الظلم اللاحق به منذ ما قبل احتكار حافظ الأسد السلطة في العام 1970.
هناك إدارة أميركيّة لا يمكن الوثوق بها في كلّ ما يتعلّق بالموقف من النظام السوري. لا تستطيع هذه الإدارة التي تجري، هذه الأيّام، اتصالات سرّية مع دمشق في شأن الصحافي الأميركي أوستن تايس، المختفي في دمشق منذ العام 2012، المزايدة على أحد في أيّ مجال من المجالات، بما في ذلك مجال التطبيع مع النظام السوري…
عادت سوريا إلى احتلال مقعدها في جامعة الدول العربيّة أو لم تعد. ثمّة ما هو أهمّ من ذلك بكثير. أيّ سوريا عادت إلى جامعة الدول العربيّة؟ هل من علاقة، في السنة 2023 لسوريا بسوريا التي عرفناها والتي كانت عضواً مؤسساً لجامعة الدول العربيّة في أربعينات القرن الماضي… أم أنّ الواقع الجديد يفرض الاعتراف بأن لا حاجة إلى إضاعة الكثير من الوقت وأنّ الملفّ السوري صار جزءاً من ملفّ عربي – إيراني. فتحت الصفحات الأولى من هذا الملفّ مع الاتفاق الذي توصلت إليه المملكة العربيّة السعوديّة مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” برعاية صينية في العاشر من آذار ( مارس) الماضي. هل تبدو طهران مستعدّة لفتح مزيد من صفحات الملفّ، بما في ذلك الجزء المتعلّق بسوريا؟
المصدر: النهار العربي