لا يخفى على من يتابع أوضاع المنطقة العربية وفي القلب منها قضية فلسطين؛ حجم المخاطر المتفاقمة على الوجود العربي برمته وليس فقط على قضية فلسطين. مخاطر تعدت الاسباب الخارجية لتنفد الى داخل الجسم الفلسطيني ذاته.
في الذكرى ٧٢ لنكبة فلسطين وبعد ملاحم البطولة التي سطرها شعب فلسطين العربي الأبي، يبدو وكأن هناك شيء من الوهن والترهل أصاب القضية. يترافقان بكثير من الإنتظارية العاجزة التي تراقب الأحداث دون فعل فاعل مؤثر.. ترهل وضعف وتشتت بفعل شراسة لقوى العدوان غير مسبوقة شجعتها حالة انعدام الوزن العربي.
تلك المخاطر المنبثقة عن واقع الحال الفلسطيني الراهن وما فيه من تجاذبات وانقسامات وإستقطابات حادة.. تتمثل في:
١ – الانقسام الفلسطيني..
إن الانقسام الراهن في الساحة الفلسطينية؛ وأيا تكن مبرراته وحيثياته؛ من شأنه أن يستنزف القوة الشعبية الفلسطينية والتي هي أساس أي إنجاز يمكن تحقيقه راهنا أو مستقبلا.. ان الحالة الشعبية للداخل الفلسطيني هي القوة الأساس والزخم الرئيس والمجال الحيوي للانتصار الممكن والمطلوب على العدوان الصهيوني؛ طال الزمان أم قصر..
وما الانقسام الراهن إلا وأدا يوميا لمصدر القوة الأساس..
2- شلل مؤسسات منظمة التحرير..
فبعد أن كانت هذه المؤسسات التي بناها شعب فلسطين بمساعدة أحرار العرب وشرفائهم؛ إطارا يجمع الطاقات البشرية والثقافية والاقتصادية في مسلك نضالي متجانس يقوده مشروع وطني فلسطيني موحد؛ تراجعت فعاليتها نتيجة اتفاق أوسلو وتحول الثورة الفلسطينية إلى سلطة فلسطينية عديمة الفعالية هزيلة الإمكانية..
كان الفلسطيني ثائرا يعطي للقضية والنضال فحولته أوسلو إلى موظف ينتظر الحلول والدعم من السلطة التي لا تملك أية مقدرة على حل ولو جزء يسير من مشكلاته الناجمة عن الإحلال.
بسبب أوسلو تضاءلت منظمة التحرير لمصلحة السلطة التي نخرها الفساد والعقل الوظيفي المطلبي فأصبحت عائقا إضافيا إلى جانب كل ما يعيق حركة التحرير الوطني الفلسطيني..
3- اتفاقية أوسلو:
حيث عجزت الاتفاقية والسلطة التي انبثقت عنها في تحقيق أي شيء إيجابي للشعب أو للقضية. بل العكس هو الصحيح فكانت سببا في حالة انقسام حاد وتراجع نضالي وخسارة طاقات نضالية واسعة..
لقد شكلت اتفاقية أوسلو ضربة موجعة جدا للنضال الشعبي العربي وفتحت أبواب الاعتراف بدولة العدو والتطبيع معها بشكل رسمي وعلني وقح..
أوسلو فتحت الباب واسعا أمام كل الانتهازيين والانهزاميين والمنافقين في الساحتين الفلسطينية والعربية..
فجاءت تكملة لاتفاقية كامب ديفيد بين السادات والعدو الصهيوني التي أخرجت مصر بعظمتها من دائرة الفعل وليس فقط من دائرة الصراع..
وتغطية فلسطينية معيبة لها
ولكل تطبيع آخر من الأطراف العربية الأخرى؛ بل ومحرضا لبدء مسيرة تطبيع وتعاون واعتراف رسمي عربي مع دولة ” إسرائيل “
اتفاقية أوسلو كانت أخطر أنواع التطبيع مع العدو لأن الموقع عليها هو الفلسطيني نفسه الذي تقع عليه أولا كل أهوال العدوان الصهيوني المباشر..
٤ -” تديين” الصراع:
تكمن خطورة تحويل الصراع ضد الصهاينة إلى صراع ديني بين المسلمين واليهود في الجوانب التالية:
١ – الانجرار إلى ما يريده الصهاينة الذين يغطون أغراضهم العدوانية الاستعمارية بغطاء ديني زائف لتأييد ادعاءاتهم بحقوقهم الدينية التاريخية بأرض فلسطين. وهي ادعاءات زائفة باطلة. وتبرير ليهودية الدولة..
٢ – عدم المقدرة موضوعيا على حسم الصراعات الدينية كما المذهبية. وعدم إمكانية الانتصار فيها لأي طرف مهما كانت قوته. وهذا يجعل الحرب مفتوحة إلى ما لا نهاية وبما أن الطرف الفلسطيني هو الأضعف بالقوة المادية فيعني أنه سوف يتعرض لاستنزاف دائم دونما إمكانية للانتصار.
٣ – استبعاد الأرض والتاريخ والجغرافيا من الصراع. طالما أن العدوان على الدين فليس من الضرورة أن يكون عدوانا على الوجود الوطني والقومي بما فيه الأرض والشعب والتاريخ والمستقبل أيضا. فلو اعتنقت دولة ” إسرائيل” دين الإسلام هل تنتهي المشكلة ويحل الصراع؟؟
٤ – إخراج غير المسلمين من الصراع مع ما يعنيه من خسارات نضالية.. محليا وعالميا..
٥ – الوصاية الإيرانية:
تشكل الوصاية الإيرانية على أحد أجنحة الانقسام الفلسطيني الراهن؛ سببا أساسيا في استمرار الانقسام ذاته لاعتبارات شعائرية فضفاضة لا تعدل موازين القوة الميدانية في أي وجه من الوجوه.
يكفي خطرا يشكله المشروع الإيراني على قضية فلسطين؛ ما يجسده من طرح انقسامي مذهبي يفتت الواقع الشعبي العربي ويغرقه في صراعات هامشية لا تنتهي فتستنزف كل إمكانياته في مكان بعيد عن مواجهة العدوان الصهيوني. ومساهماته الفعالة في تفتيت مجتمعات الطوق ببلدان المشرق العربي المحيطة بفلسطين المحتلة. فضلا عن الانقسام الحاد في الشارع الفلسطيني..
وهذا من أكبر المخاطر على القضية والتلاحم النضالي الشعبي العربي المطلوب حولها..
لقد غدا المشروع الإيراني جليا واضحا بخلفياته الشعوبية الحاقدة على العرب والمعادية لهم.. ويتلاقى في هذا مع المشروع الصهيوني الاستعماري الإمبراطوري مما جعل المشروعين يلتقيان فيتعاونان رغم كل الكلام الفارغ فراغ الطبول الجوفاء عن القدس وفيالق القدس وتحرير القدس..
إن الوصاية الإيرانية على قسم من الشعب الفلسطيني يشكل ذريعة أساسية لكل الأطراف المتضررة من النفوذ الإيراني ومشروعه التوسعي التخريبي؛ للمزيد من الارتماء في النفوذ الأجنبي طلبا للحماية الذاتية.
٦- الموقف من النظام السوري..
فقد انبرى عدد من الفلسطينيين لتبني منطق النظام وتأييد مواقفه مع ما يحمل ذلك من تفسيرات خاطئة ونتائج أخطر ليس فقط حيال قضية الشعب السوري بل وعلى قضية فلسطين ذاتها..
تأييد مواقف النظام السوري هو موقف لا أخلاقي ولا إنساني أصلا فضلا عن كونه يعبر عن قصور خطير في الوعي بالمنطقة وبطبيعة العدوان وطبيعة القوى المستفيدة منه وتلك المتضررة منه. إن معرفة موضوعية بالدور السلبي الذي أداه النظام السوري تجاه الثورة الفلسطينية وقضية فلسطين منذ قيامه قبل خمسين سنة، تستوجب حتما من كل فلسطيني حر وشريف ومن كل عربي كذلك أيضا موقفا مؤيدا لثورة الشعب السوري وسعيه للتخلص من القهر والإذلال والتبعية..
٧ – الوضع المعيشي:
حيث تعاني قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل، لا سيما في قطاع غزة،
ضائقة معيشية خانقة نتيجة الحصار والبطالة المرتفعة وغياب المشاريع التنموية الجدية. مما يدفع كثيرين من الشباب إلى الهجرة أو العزلة والإحباط..
٨ – التطبيع:
يحمل التطبيع مخاطر عديدة على مجمل القضية. ليس في قيمته المادية أو مردوده الاقتصادي فقط بل ألأهم في جانبه النفسي ومتعلقاته بالصراع والنظر إلى كيان العدو. فالتطبيع يحمل اعترافا صريحا بدولة العدو. مع قبول نفسي وثقافي وأخلاقي بها. وهنا وجه الخطورة الأشد..
٩ – انقطاع الداخل عن الخارج:
حيث الوجود الفلسطيني الأكبر والأبرز خارج فلسطين المحتلة. وقد كان لتجميد مؤسسات منظمة التحرير بفعل اتفاقية أوسلو؛ الدور الرئيسي في هذا الانقطاع وإن لم يكن بمعناه المادي بل بمعناه النضالي المنتظم المنخرط في مشروع وطني جامع على تنوع اجتهاداته..
وكان هذا الانقطاع النضالي سببا في عدد من الأخطار الإضافية:
١ – التوطين حيث لم يعد الوجود الفلسطيني في أي بلد عربي قوة فاعلة مترابطة مع سواه في مجرى نضالي واحد؛ فتم الاستفراد بذلك الوجود بعد عزله عن الكتلة النضالية العامة ووضعه أمام خيارات معيشية سيئة أو الرضوخ للتوطين..
٢ – إضعاف مقومات الصمود لشعب الداخل، ماديا ونفسيا..
٣ – تشتت طاقات نضالية فلسطينية في الخارج فحملها اليأس والإحباط للارتماء في أحضان قوى معادية أو مرتبطة بالعدو بشكل أو بآخر ولا سيما في عالم ” البزنس”..
١٠ – ما العمل ؟؟:
إن أي تغيير يهدف إلى مواجهة المخاطر الراهنة على القضية؛ يجب أن ينطلق من تصحيح الوضع الفلسطيني ذاته..
ومن واقع الدراسة الموضوعية لطبيعة المشكلات وسبيل حلها، فإن الحل يكون
بإلغاء اتفاقية أوسلو من جانب السلطة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الوطنية جميعا ومشاركة جميع الاتجاهات فيها وفق مشروع وطني واضح المعالم محدد الأهداف المرحلية والإستراتيجية يلغي حالة الانقسام ويسقط تبعية أي طرف لإيران ويعيد الوضع إلى مرحلة الثورة بدلا من السلطة وإعادة التواصل الفعلي بين الداخل والخارج وتوظيف جميع الطاقات وهي كثيرة جدا لتعزيز صمود الشعب في الداخل الذي يبقى هو أساس الصمود والمواجهة والانتصار. وتحديد مقومات ومواصفات المقاومة السليمة التي تقدم للقضية ولا تأخذ منها تضحيات تقدمها على طريق مسدود.. في الذكرى ٧٢ للنكبة وفي مواجهة مشروع التهويد والضم فلتكن الخطوة الأولى إلغاء اتفاقية أوسلو.
المصدر: كل العرب