تخوض المعارضة التركية، الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة في تركيا، والمقررة في 14 مايو/أيار الحالي، ممثلةً بالطاولة السداسية، في إشارة إلى التحالف الذي تكوّن من 6 أحزاب قدّمت مرشحاً رئاسياً للانتخابات، أو ما أطلقت عليه رسمياً اسم تحالف الشعب. ويعوّل هذا التحالف، على تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا، ونسبة التضخم التي ارتفعت أخيراً بشكل كبير، فضلاً عن ملف اللاجئين السوريين، لإطاحة حكم حزب “العدالة والتنمية” المتواصل منذ 21 عاماً، فيما تبرز نقاط ضعف لهذه المعارضة، منها ما قد يلعب ضدّها في يوم الاقتراع.
ويقود حزب الشعب الجمهوري الكمالي المعارض، وزعيمه المرشح الرئاسي كمال كلجدار أوغلو، تحالف الشعب. ويضم التحالف، إلى جانب حزب الشعب الجمهوري، كلّاً من: الحزب الجيّد (بقيادة ميرال أكشنر)، حزب السعادة (بقيادة تمل قره موللا أوغلو)، الحزب الديمقراطي (غولتكين أويصال)، وحزبي دواء (برئاسة علي باباجان) والمستقبل (بقيادة رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو) المنشقين عن “العدالة والتنمية”.
توجه المعارضة التركية خطابها بأكمله ضد الرئيس أردوغان
ويستند التحالف، في خططه، إلى مجموعة من الأوراق التي يعول عليها في يوم الانتخاب، وعلى رأسها تململ الأتراك من الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار، وارتفاع التضخم، فضلاً عمّا يراه هذا التحالف من “سوء إدارة الملف السوري” وطول إقامة اللاجئين السوريين منذ ما بعد الثورة السورية في 2011. في المقابل، تبرز الخلافات المستمرة بين أقطاب الطاولة السداسية، والاختلافات الأيديولوجية للأحزاب المنضوية في إطارها، كإحدى أبرز نقاط ضعف التحالف، من دون التذكير بأن “تحالف الشعب” ومرشحه الرئاسي خصوصاً يواجهان منافساً هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تمكن من البقاء في الحكم لنحو 21 عاماً.
أوراق قوة وبرنامج عمل جدّي للمعارضة التركية
وعمل هذا التحالف خلال أكثر من عام مضى، على رصّ صفوفه، وخرج بأوراق عدة تعدّ قوية. وكشفت الطاولة السداسية، في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، عن برنامجها الحكومي والسياسات المشتركة، حيث شمل البرنامج الحكومي المؤلف من 240 صفحة، 9 عناوين رئيسية و75 عنواناً فرعياً.
وضمّ برنامج المعارضة للانتخابات، تغييرات كبيرة على الوضع الحالي القائم، بعناوين عدة شملت: الحقوق والعدالة والقضاء، القطاع العام، مكافحة الفساد، الرقابة والشفافية، والاقتصاد والتوظيف، العلوم، والتطوير، والتحول الرقمي والتعليم والسياسات الاجتماعية والسياسة الخارجية.
ومن أهم ما وعدت به المعارضة، الانتقال إلى النظام البرلماني وتعزيز صلاحيات البرلمان وسلطاته الرقابية، واستعادة الصلاحيات من رئيس الجمهورية وأبرزها الاتفاقيات الدولية، وسحب صلاحيات حق النقض للرئيس على القوانين وحصر صلاحياته بإعادة القوانين للنظر بها.
كما تضمّن البرنامج إلغاء صلاحيات الرئيس بإصدار المراسيم الجمهورية، على أن تكون فترة حكمه 7 سنوات، يقطع خلالها علاقته بالحزب الذي ينتمي إليه. كما على الرئيس، وفق برنامج المعارضة، ألا يمارس بعد انتهاء فترة حكمه أي عمل سياسي. وسيتم وفق هذا البرنامج إلغاء صلاحية إصدار قانون الطوارئ من قبل الرئيس التركي، وفي حال فرضها، تنخفض مدتها من 6 أشهر إلى شهرين فقط.
وتعتزم المعارضة التركية، وفق تعهداتها كذلك، إلغاء تعدد نقابات المحامين إذا ما فازت بالانتخابات، وإعادة هيكلة هيئة التلفزيون الرسمي “تي آر تي” ووكالة “الأناضول” الرسمية للأنباء، لتكون حيادية. وستنخفض العتبة البرلمانية، وفق هذا البرنامج، إلى 3 في المائة، مع إنهاء حالات الضرر من مراسيم الطرد من الوظائف العامة، وفتح الطريق أمام دعم الخزينة للأحزاب التي تحصل على أكثر من 1 في المائة من نسبة الأصوات في الانتخابات.
كما ستعمل المعارضة على إلغاء مؤسسات أقرها أردوغان وفق النظام الرئاسي الجديد، منها إلغاء جميع المؤسسات والمكاتب المرتبطة برئاسة الجمهورية وصلاحياتها ونقلها إلى الوزارات المعنية، وإلغاء صندوق الممتلكات الفردية، وإلغاء مناصب نواب الوزراء ليعود العمل على منصب المستشارين. وسيتم إنهاء حق تعيين الوكلاء القانونيين على البلديات، المطبق حالياً، بحسب ما تعهدت في حال فوزها.
إلى ذلك، اتفقت الأحزاب الستة أيضاً، في حال الفوز، على خفض عدد الطائرات المخصصة لرئيس الجمهورية، وإيقاف مشروع قناة إسطنبول المائية وتخصيص مواردها إلى المشاريع الزراعية المختلفة، وتعزيز توفير فرص العمل للشباب والنساء، بحسب ما أعلنت.
وتحاول المعارضة التركية طمأنة الشارع بأنها ملتزمة بالصناعات الدفاعية التي تعتبر الحكومة أنها ستتعرض للتوقف في حال تغير الحكم، فيما لم يتطرق برنامجها الحكومي إلى مسألة الشركات الدفاعية الخاصة، من مثل شركة “بايكار” المصنّعة لمسيّرات “بيرقدار” الشهيرة. وكانت هذه المسألة قد طفت على السطح أخيراً، بعد حديث أحد أعضاء الطاولة السداسية، المرشح الرئاسي كلجدار أوغلو، بأنه سيتم التدخل في عمل الشركة، ما أثار ردود فعل حكومية عنيفة.
وفي ما يخص الدول العربية، فقد جاء في البرنامج توافق المعارضة على “عدم التدخل في شؤون دول منطقة الشرق الأوسط، واحترام وحدة وسيادة واستقلال هذه الدول، على أن يكون التدخل عبر دور محايد لحل المشاكل في هذه الدول”.
والتزمت المعارضة في برنامجها بحلّ القضية الفلسطينية وفق مبدأ حلّ الدولتين عبر حوار الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، كما ستعمل تركيا وفق البرنامج على منع استبعادها من شرق المتوسط، وتقاسم الثروات بشكل عادل عبر اتفاقيات الحدود البحرية، ومواصلة الاهتمام بقضية شمال قبرص التركية واعتبارها قضية وطنية، بالإضافة إلى الحفاظ على بحر إيجة (مع اليونان) “حوضاً للسلام والتعاون وحسن الجوار”، وعدم الصمت إزاء أي تصعيد. وتتوعد المعارضة بإعادة اللاجئين السوريين إلى سورية خلال عامين من تولي الحكم، عبر تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
تحاول المعارضة التركية طمأنة الشارع بأنها ملتزمة بالصناعات الدفاعية
ومن الممكن القول إن من أبرز ما يصبّ في صالح المعارضة، تعهدها في حال فوزها بالعودة إلى النظام البرلماني، وضمّ التحالف لشخصيات اقتصادية بارزة، كزعيم حزب “دواء” نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان. كما تعول المعارضة للفوز، على دور رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة، منصور ياواش وأكرم إمام أوغلو، اللذين يتمتعان بشعبية لدى أطياف المعارضة، حيث يعملان على حشد ورصّ التجمعات الجماهيرية في مختلف مناطق تركيا، مقدمين الدعم لكلجدار أوغلو في الانتخابات.
خلافات مستمرة وتحالف مع “الشعوب الديمقراطي”
مقابل ذلك، تعدّ الخلافات المستمرة بين الأحزاب المنضوية في إطار الطاولة السداسية وتحالف المعارضة الأساسي، من أبرز نقاط الضعف التي لا تلعب لصالح هذا التحالف، علماً أن الهدف الوحيد المشترك الذي يبدو أنه يجمع هذه الأحزاب، هو إطاحة الرئيس أردوغان. وتجسدت هذه الخلافات بتصريحات متناقضة خرجت عن قيادات الأحزاب، والخلافات التي طفت بين حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيّد خلال اجتماع اختيار المرشح الرئاسي للتحالف (كلجدار أوغلو)، في مارس/آذار الماضي. كما تحدث كلجدار أوغلو عن تلقيه وعوداً بجلب 300 مليار دولار من الخارج كاستثمارات، دون الكشف عن مصدرها.
إلى ذلك، يبدو تحالف المعارضة مع حزب الشعوب الديمقراطي الداعم لحزب العمال الكردستاني سيفاً ذا حدّين، وفق تقديرات المتابعين، المتفاوتة ما بين اعتبار ذلك نقطة ضعف يستغلها الحزب الحاكم وتحالفه، أو نقطة قوة من حيث الأصوات الكردية التي قد تصب في صالح دعم كلجدار أوغلو للرئاسة.
وقال بولنت كايا، نائب رئيس حزب السعادة المعارض، والمرشح للبرلمان بقوائم حزب الشعب الجمهوري لصالح حزب السعادة، في حديث لـ”العربي الجديد” إن “برنامج تحالف الشعب يركز على تحقيق مبادئ كثيرة متوافق عليها وأهمها العودة إلى النظام البرلماني، وآليات عمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية”. وأشار إلى أن “الطاولة السداسية قدمت نص السياسات المشتركة من 84 مادة لتعديلها دستورياً، وقدمت خططه التحالف الحكومية وبرنامجه من 9 عناوين رئيسية و12 مادة حول المرحلة الانتقالية وآلية حكم البلاد خلال هذه المرحلة، وهي نقاط جامعة لتحالف الشعب أمام أنصاره وناخبيه، والرؤية واضحة جعلت النظر للمرحلة المقبلة أمراً سهلاً”.
وبرأيه، “برامج وخطط تحالف الشعب تسير بشكل جيد، لا توجد سلبيات حالياً، على العكس من التحالف الحاكم الذي يعاني من بعض المعيقات من خلال تحالفاته، وعدم تقديمه ورقة للتفاهم والمبادئ المشتركة مع بقية الأحزاب”. وأعرب عن اعتقاده بأنّ “الانتقادات الموجهة للمعارضة بغالبها هي لصرف النظر عن خلافات التحالف الحاكم”. وقال إن “ما تم داخل تحالف الشعب كان نتيجة جهود استمرت لعامين فلا يمكن الحديث عن تقاسم للمناصب كما تتم إثارة الموضوع بل مجرد حسابات مرتبطة بنسب الأصوات فقط”.
من جهته، رأى الصحافي والكاتب غونغور يافوز أصلان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هناك عناوين كثيرة في برنامج تحالف الشعب ومرشحه الرئاسي، وهناك أكرم إمام أوغلو وميرال أكشنر، زعيمة الحزب الجيّد، وكلهم يعملون في الميدان”، لافتاً إلى أن “الخطاب موجه بأكمله ضد الرئيس أردوغان، في محاولة لبناء جسور مع الناخبين، لأن الرئيس التركي قدّم مشاريع كبرى مثل حاملة المسيّرات وسيارة توغ ومشاريع الصناعات الدفاعية، وهو ما سيكون المحدد الأساسي في الانتخابات”.
واعتبر أصلان أن “من إيجابيات المعارضة، أنها بديل ديمقراطي للحكومة والتحالف الجمهوري، حيث إن وعودهم بالنظام البرلماني وإنشاء تحالف مختلف الأصوات والاتجاهات من مثل حزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة الإسلامي والحزب الجيّد القومي تمثل إضافة قيّمة للديمقراطية”، مشيراً في المقابل إلى أن “الحديث المتواصل عن أردوغان في حملة التحالف الانتخابية يؤدي إلى انزعاج الناخبين”، بحسب اعتقاده.
يبدو تحالف المعارضة مع حزب الشعوب الديمقراطي سيفاً ذا حدّين
ولفت الصحافي والكاتب إلى أن “المعارضة ركزت على الاقتصاد، وهناك وعود بزيادة رواتب المتقاعدين ومنح منازل مجانية للمتضررين من الزلازل، وهي مسألة نقاش وتساؤل في ما يتعلق بمصدر التمويل، سواء أكان من ميزانية الدولة أم غير ذلك”. وأشار في هذا الصدد كذلك إلى أن النقاشات الأساسية تتمحور أيضاً حول مسألة جلب 300 مليار دولار (تعهد كلجدار أوغلو)، والسؤال هو من أي جهة ستأتي هذه الأموال، وهو ما لم يوضحه كلجدار أوغلو علماً أنه من أكبر تعهداته”. وأعرب أصلان عن اعتقاده بأن هذا الوعد “غير مقنع، نظراً لضخامة الرقم”.
بدوره، اعتبر الصحافي عمر تشليك، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن المعارضة التركية “قدمت وعوداً عدة، ولديها أوراق هامة جداً، وطريقها واضح في ما يتعلق بإدارة المرحلة الانتقالية، لكن خطابها تركز أخيراً بشكل أكبر على استهداف الحكومة، علماً أنها أدركت أن مهاجمة مشاريع الحكومة ومحاولة إيقافها وخصوصاً في ما يتعلق بالصناعات الدفاعية، هو أمر سينعكس سلباً عليها، فتبنت خطاباً أكثر مرونة في هذا الموضوع”.
وأضاف تشليك أنه “مع إدراك المعارضة لأهمية المشاريع الاستراتيجية والوعود، تم التوجه إلى الحديث عن السعي للمحافظة على المشاريع الكبرى والإضافة إليها”، لكنه ذكّر بأنه “رغم ذلك فقد دخل زعيم المعارضة في سجال مع شركة بايكار المصنعة للمسيّرات والتي تحظى باحترام شعبي كبير، ما ارتدّ سلباً على المعارضة، فضلاً عن التناقضات في خطابها حول مصير مطار أتاتورك الدولي”.
وشدّد الصحافي على أن “حديث كلجدار أوغلو المستمر حول الإفراج عن معتقلين من بينهم زعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرطاش أعطى أيضاً إشارات انتخابية سلبية، لأن الأخير متهم بإثارة أحداث كوباني في عام 2014”. رغم ذلك، رأى تشليك أنه من الواضح أن أنصار المعارضة “باتوا مقتنعين تماماً بأن التغيير أصبح مطلوباً بعد إرهاق 21 عاما من حكم حزب العدالة والتنمية، وأن هناك حاجة لإصلاحات اقتصادية، وهي كلها عوامل تصب في صالح المعارضة”، بحسب اعتقاده.
وفي ما يتعلق بتوظيف ورقة الملف السوري واللاجئين السوريين، لفت إلى أنه تحول إلى ملف هام وحيوي وتستغله المعارضة بشكل كبير. واعتبر أنه على الرغم من أنه بمثابة “ورقة رابحة بيد المعارضة إلا أن آثاره الاجتماعية كبيرة جداً، فالانتخابات تنتهي ولكن مشكلة العنصرية تستمر وتتصاعد”.
ولفت إلى أن “استطلاعات رأي في الفترة السابقة كشفت عن رغبة شعبية تركية برحيل السوريين، ويعتقد كثيرون من المستطلعة آراؤهم أن طريق عودة السوريين لبلادهم يمر عبر حوار مع النظام بأي شرط كان، ومن هنا يقدم كلجدار أوغلو وعوداً بعودة العلاقات مع النظام وإرسال السوريين، وهذه الحالة بنفس الوقت جعلت الحكومة تتبنى خطاب تطبيع مع النظام لتوظيفه إعلامياً بهذا الصدد، ومهما كانت الورقة سياسية، إلا أن لها آثارا اجتماعية بكل تأكيد”.
يذكر أنه يتنافس في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في 14 مايو، 4 مرشحين رئاسيين، هم أردوغان مرشحاً عن التحالف الجمهوري، وكلجدار أوغلو مرشحاً عن تحالف الشعب، بالإضافة إلى زعيم حزب البلد محرم إنجه، ومرشح تحالف “أتا” سنان أوغان. وفي حال لم يحصل أي مرشح للرئاسة على نسبة 50 في المائة زائدا واحدا بالجولة الأولى، تجرى جولة انتخاب رئاسية بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى.
أما الانتخابات البرلمانية، فتشهد منافسة 24 حزباً، و151 مرشحاً مستقلاً. وتشارك في الانتخابات 5 تحالفات، هي: التحالف الجمهوري (تحالف أردوغان)، تحالف الشعب، تحالف “أتا”، تحالف “الجهد والحرية”، وتحالف “اتحاد القوى الاشتراكية”.
المصدر: العربي الجديد