عبد الرحمن الحاج؛ متخصص في الدراسات الاسلامية، قرأنا له بعضها، وكان آخرها البعث الشيعي في سوريا.
متابعة قراء الكتاب…
تاسعا. ينتقل الكاتب من النظرية السياسية الاسلامية كما استنتجها الى منظومة القيم الاسلامية، حيث اوضح ان القيم هي مجموعة المثل العليا والافكار الموجهة التي تحكم النظرية السياسية، وعاد الى اغلب ماقيل في الموضوع ، وحدد ان القيمة العليا في الاسلام هي توحيد الله، و ستتبعها قيمة الحق التي تؤدي للخير والحسن بمعنى الاعمال الصالحة، وحدد بعد ذلك مجموعة القيم المستنتجة من هذه القيم العليا وهي:
1 . قيمة التوحيد السياسي للمسلمين ، في مقابل التوحيد الإلهي كان توحيد المؤمنين والامة والناس .
2 . وقيمة المساواة بمعنى العدل السياسي، والعدل الاجتماعي تمثل قيمة القسط والحكم القضائي العادل.
3 . جهاد وفتح؛ جهاد للدفاع عن الدين الجديد وعمل لانتصاره وانتشاره، وفتح تمثل بفتح مكة كرمز قوة وانتقال للانتصار، كمقدمة لفتح الجزيرة العربية وفتح العالم بعد ذلك.
4 . جهاد الشهادة؛ وهو الانتقال بالجهاد من مرحلة الدفاع وتثبيت الوجود، الى مرحلة التمكين وبناء النموذج، وهذا تطلب الشهادة؛ بصفتها الاستعداد للموت ودخول الجنة لاجل هذا الدين وانتصاره وتمكينه وانتشاره، وبصفتها الشهادة على النفس والناس بانهم قاموا بدورهم، والعمل ليقوموا بدورهم. لنصرة دينهم وأمتهم والمسلمين والناس.
عاشرا. ينتقل الكاتب الى ما اسماه : سلم القيم السياسية ، منطلقا من الايمانيات المركزية الكبرى للمسلم؛ الايمان بالله والرسول والكتاب واليوم الآخر، التي يبنى عليها سلم القيم.
1 . التعددية المنبثقة عن المساواة الإنسانية، والتي تعني اقرار مسبق بالتعدد والتنوع الإنساني وضمن المجتمع المسلم، وكيفية ادارة هذا التعدد وضبطه وتحويله لقوة ايجابية محركة للمجتمع المسلم نحو الافضل.
2 .الكرامة الانسانية؛ منطلقا من الاقرار بأن الانسان اكرم مخلوقات الله وان المجتمع المسلم مسؤول عن رعاية الكرامة الانسانية وحمايتها وصونها.
3 .الحرية (المشيئة) ؛ بمعنى ان الانسان حر مختار لأفعاله أمام نفسه والله، وهذه الحرية المتفاعلة مع المساواة الانسانية والتعددية المجتمعية حيث الشورى وحيث الحق الكامل بتشكيل اي تعبيرات سياسية للقيام بالدور المجتمعي المطلوب ، وتضع الإنسان أمام مسؤوليته الكاملة عن أفعاله ودوره الحياتي .
- الشرعية: بمعنى الانطلاق من الحق الذي هو هنا الايمان والاسلام والنبوة، والمشروعية بمعنى ان التصرفات تكون متوافقة مع الاصل الشرعي، وان لها ايضا مرجعية مجتمعية، اقرارها المبدئي بالشورى كوسيلة لممارسة السياسة في مجتمع معترف به بالتعددية وبحق الكل ان يكون له دور ورأي بكفية بناء الحياة في المجتمع المسلم، لممارسة هذا الدور فعلا.
5 . السلم الاجتماعي: وهي هنا تعني ان هدف المجتمع المسلم بناء السلام الاجتماعي والسلم مع الاخرين أفراد وكيانات، آليات ذلك وادواته.
6 . المسؤولية والصلاح العام: حيث قيمة الاحساس بالانتماء للمجتمع المسلم، والمسؤولية الكاملة عنه والبحث عن الدور الايجابي فيه وممارسته، وهذه القيمة مقترنة مع الصلاح العام ؛ اي بناء الحياة الافضل للمجتمع مع الاخرين كل الناس في المجتمع.
.ثم تحدث الكاتب العلاقة الجدلية التفاعلية بين القيم السياسية العليا وتفرعاتها على كل المستويات: التوحيد وخلق الإنسان والكتاب واليوم الآخر، هذه الإيمانيات ومنعكسها المفاهيمي من: التعددية والمساواة والحرية والكرامة الانسانية والشرعية والمسؤولية والصالح العام، ومنعكسهم الواقعي من الشهادة والفتح والشورى والعزة والسيادة والتعارف والطاعة والمشاركة والمحاسبة، كلها عبارة عن منظومة متكاملة مترابطة تعيش في وجدان المسلم وتعاش في المجتمع بشمولية تصنع النموذج القيمي الذي حدد للإنسان ان يعمل وفقه.
حادي عشر.في خاتمة مركزة يتحدث الكاتب عن منهجية عمله في كتابه، وانه اعتمد منهج تحليل الخطاب، وانه اجتهد لفتح طريق في تناول الخطاب السياسي ، وانه يعترف بجهود الاخرين في مجلات اخرى وخاصة علم المقاصد، وانه لا يزال هناك مهمات تتطلب الربط بين الخطاب السياسي القيمي الاسلامي وعلم المقاصد وغيره من العلوم المكملة.
وفي قراءتنا للكتاب نقول:
1 . لا بد ان ننوه بالجهد البحثي ل د عبد الرحمن الحاج في هذا المؤلف المصرح عنه انه جزء من رسالة الدكتوراه التي أعدها، المراجع كثيرة تكاد تغطي كل ماقيل في الموضوع ، والهوامش المصاحبة تصل لثلث حجم النص تقريبا، وكذلك منهج البحث المعتمد على تتبع الفكرة والاطروحة من خلال البحث في القرآن الكريم ، سواء بتسلسلها المصحفي من الفاتحة الى سورة الناس، او بمتابعة اللفظة المعنية او الفكرة المتابعة في كل القرآن بشكل احصائي دقيق، وهذا يتطلب جهدا مضنيا يشكر عليه.
2 . كما يذكر للكاتب اعتماده على المنهجية العلمية المعاصرة بكل تطوراتها سواء بعلم اللغة او البنيوية وغيرها، وهو لا يغفل كل ما كتب في موضوعه سابقا بل ينطلق منه ويبني عليه.
- وعند التفكير بمناقشة الكتاب من قبلنا نركز على ما لم يتم التطرق له او ما يجب طرحه، الكتاب اعتمد على العودة للفظ القرآن وهذا اساس منهجه، لكن كان من المفروض ان يعود ايضا لسلوك الرسول ص سواء كسيرة او عبر بعض الحديث ليخدم على موضوعه، فالموضوع المطروح حول الخطاب السياسي في القرآن، لا يستقيم فهمه دون العودة الى واقع نزول القرآن على محمد النبي ص، وهو في واقع الممارسة الحياتية للنبوة ، و منفذا للقرآن سلوكيا، وصانعا للدولة النموذج.
4 . وهناك تساؤل حول رأي الكاتب بما قيل في ذات الموضوع ؛ ولو ضمن افق مختلف ، ومعتمدا الاستنتاج من النص القرآني نفسه، ومثالنا على ذلك جهد الشافعي ان يستنتج علم الاصول؛ الذي يعني ضمنا ما الذي أراد القرآن ان يقول بأوامر ونواهي وطريقة الاستنباط وتعامل مع الحياة زمن النبي وبعده الى يوم الدين، ووصل الى خماسيته الحلال والمندوب والمباح والمكروه والمحرم، وما بني عليها فيما بعد اغلب تطورات علم اصول الفقه وعلم الفقه نفسه.
والمثال الثاني جهد الشاطبي في نظريته المقاصد الشرعية للإسلام الذي استنتجها من القرآن الكريم، والتي فتحت بابا واسعا للتطور في التعامل مع النص القرآني، وكيفية تطوير المواقف الشرعية في مواجهة تطورات الحياة، وما بني على مثاله ونموذجه منذ القرن السابع الهجري حيث الشاطبي للان، وكيف أسس الشاطبي تنظيريا للانتقال الى المقاصد كما هي وكيف يمكن ان تبني عليها دون ان تربطها باصلها الديني او القرآني، وبهذا الشكل يكون الشاطبي- برأيي – قد اسس اسلامية اعتماد المنهج العلمي في العمل لصناعة الحياة الأفضل للإنسان.
كان من المفترض الدخول في نقاش مع اطروحات الشافعي والشاطبي وتحديد التوافق والاختلاف وما يستنتج تراكما عليهما مع جهد الكاتب.
5 .اعتقد ان مفهوم الشورى ؛ لم يعطى حقه الكافي من البحث والاهتمام والاولوية، بصفته الآلية المعاشة بين اولي الأمر فيما بينهم، وبين أولي الأمر والناس او الجماعة المحكومة، وعلاقات جماعة المؤمنين والمسلمين والناس في المجتمع، بصفتها الصيغة المفتاحية للعلاقة بين كل الأطراف، سواء بتبادل الرأي بمشكلات الحياة وحلولها او كيفية العمل لصناعة الحياة الافضل، الشورى بصفتها المخرج الاجتماعي والسياسي والمجتمعي لكل معطيات الواقع والعمل لما تريده الجماعة؛ توافقات بين اولي الامر وعموم الناس في المجتمع. ونموذج الخلفاء الراشدين كحكم مجتمع وعلاقات الأكثر قبولا ضمن مرحلتها التاريخية ضمن ظروفها الذاتية والموضوعية.
كل ذلك وما يعني تطور كل القيم الاسلامية التي حددها الكاتب ، خاصة قيمة الشورى وتطورها المعاصر؛ ديمقراطية ضمن منظومة مجتمعية خاصة تتقاطع مع المنظومة السياسية القيمية الاسلامية كما ذكرها الكاتب.
6 . كنت اود لو ان كاتبنا قد صاحب بين اطروحاته النظرية سواء بالنظرية السياسية والقيمية، وبين واقع ممارسة الرسول والصحابة بعده، واظن ذلك تاليا في الجزء الاخر من رسالته للدكتوراه، او عبر دراسات قادمه بعون الله.
اخيرا. كنت اود ان ارى مناقشة ما لجهد د محمد عابد الجابري حول ذات الموضوع من قبل كاتبنا، فما قدمه د الجابري يحتاج لمناقشة وهو ينطلق من ذات الموضوع.