قراءة في كتاب: الخطاب السياسي في القرآن. || السلطة والجماعة ومنظومة القيم – ١ من ٢

أحمد العربي

عبد الرحمن الحاج؛ متخصص في الدراسات الاسلامية، قرأت له بعضها، وكان آخرها البعث الشيعي في سوريا.

اولا. كتاب الخطاب السياسي في القرآن – السلطة والجماعة ومنظومة القيم – ؛ هو كتاب يخوض غمار موضوع مهم جدا، سواء البحث هذا الذي يحتاج لمزيد من الدراسة، فمازالت الاسئلة قائمة عن الجانب السياسي للإسلام، هل هناك حكم اسلامي كما هناك دين اسلامي؟، هل كان الرسول محمد ص نبيا فقط؟، ام نبيا وحاكما ؟، وان كان حاكما فهل نسميه حاكما مسلما ؟، وما هي مجموعة قواعد حكمه وقوانينه ان وجدت؟، وهل هناك حكم اسلامي بعد وفاة الرسول  ص؟، والسؤال هو حول المشروعية الدينية لهذا الحكم ؟، وليس عما حصل تاريخيا ؟، فالتاريخ يحدثنا عن مئات السنين من الحكم المسمى اسلامي.

 والكتاب مهم لكونه يعود للنص – القرآن – الذي توافق المسلمين على اعتباره كتاب الله المنزل، المرجع، الذي يستنبط منه كل امور الاسلام واهمها الجانب السياسي.

.والكتاب مهم في هذه الفترة تحديدا؛ سواء لعودة التيارات الاسلامية للحضور بقوة على ارض الواقع، كبدائل سياسية للحكم في مجتمعاتنا العربية؛ التي دخلت في ربيعها، الربيع الذي تحول لثورات حاربتها  كل الأطراف محلية و اقليمية ودولية، وادت لوأدها ، وتحولت بلدان الربيع العربي لمواقع تتحرك بها قوى مسلحة تحمل أغلبها الهوية الإسلامية، وتتحرك لبناء الدولة الإسلامية (كل من منظوره)؟!!؛ بدء من تنظيم الدولة الاسلامية – داعش- والقاعدة ؛ الذين اعتبرى منظمتان إرهابيتان دوليا، وليس نهاية ببقية القوى العسكرية الاخرى بهويتها الاسلامية، وانتهاء بتنظيم الاخوان المسلمين ذي العمر المديد، والممتد دوليا، والذي تسعى كثير من الدول ان تعتبره ارهابيا ايضا.

.لكل ذلك كان الكتاب مهم جدا ، انه دراسة علمية رزينة، وهو جزء من رسالة الدكتوراه للمؤلف د عبد الرحمن الحاج.

ثانيا. في مقدمة مركزة يحدد الكاتب سبب الدخول في الموضوع الذي يعمل عليه: الخطاب السياسي في القرآن، ليؤكد ان الموضوع على أهميته، لم يتم طرحه بشكل علمي وشمولي للان، وان اغلب ماكتب اتسم بالموقف العقائدي (الايديولوجي) المسبق، مع او ضد ، وأفهام مسبقة  يراد اسقاطها على النص القرآني، وان اغلب من كتب لم يستفد من العلوم الحديثة التي تتعامل مع النص كبنية  وسياق خاص به ، كما هو متأقلم مع السياق التاريخي، وحدد معالم رؤيته المنهجية في كتاباته بأنها تنطلق من: المفردة القرآنية، وسلاسل الخطاب القرآني لتعطي الخطاب الكلي، واعتماد الترتيب التسلسلي للقرآن كما هو في المصحف الان، ودراسة الخطاب السياسي بتطوره وسياقه ضمن القرآن من الفاتحة إلى سورة الناس.

ثالثا. في مدخل يتحدث الكاتب عن الخطاب والسياسة والقرآن، يحدد الخطاب بأنه نص وسياق يتواجد به، وسلطة معنوية تتولد عنه. اما السياسة فقد تناول تطور مدلولها بدء من سياسة الخيل وسياسة الناس، إلى السياسة بصفتها طريقة الحكم وآلياته المختلفة. وضمن خلفية العلاقة بين القرآن والسياسة، يمر الكاتب على السجال الحاصل في الفكر السياسي الاسلامي، بين من يرى ان القرآن منصب على السياسة، وله فيها رؤية؛ وهو دستور سياسي لدولة اسلامية، ورؤى ترى ان القرآن كتاب دين وليس له علاقة مباشرة بالحكم والسلطة، وبين الرأيين المتصارعين و اللذين يأخذان مشروعيتهما من وقائع تاريخية، و من قراءات فكريه وسياسية، بعضها يرتبط بالغرب ومدارسه الفكرية، وبعضها جزء من اجندة الصحوة الاسلامية، وبكل الاحوال يؤكد الكاتب أن في القرآن جانب سياسي – فرض اولي – وسيحاول عبر كتابه هذا ان يوضحه وان يظهر معالمه الأساسية .

رابعا. يتناول الكاتب في القسم الاول من الكتاب بناء الجماعة السياسية، حيث يعتمد على البحث في القرآن عن اللفظة وسياقها ومشابهاتها، ليصل الى ثلاثة ألفاظ  معيارية :القوم كجماعة سياسية،  والمؤمنون كجماعة دينية، والناس كجماعة طبيعية. وفي تفصيل رابطة القوم: هي جماعة تتجاوز القبيلة وتتحدث عن انتشار في حيز جغرافي، اما جماعة المؤمنين يكون مقابلها جماعة الكفار، حيث يتحدث القرآن عن البشر الذين خلقهم الله تعالى شعوبا وقبائل ليتعارفوا. وفي تفصيل بنية جماعة المسلمين؛ تابع الكاتب ان جماعة المسلمين تحوي بداخلها جماعة المؤمنين، فهناك المسلمون من اسلم ولم يدخل الايمان في قلبه، وهناك من اسلم ولكنه كان منافقا؛ يعلن الايمان ويضمر الكفر، وهناك الفاسقون الذين لا يلتزمون بأوامر الرسول ،وهناك الآثمون الذين يعملون الخطأ وهم مؤمنون. وفي تفصيل المؤمنين، هناك المهاجرين والأنصار الفئتين الاوليتين التين تشكل المجتمع المسلم من خلالهم في المدينة المنورة، وهناك المجاهدين والمصلحين والمحسنين، كدرجات متقدمة في الفعل الايماني الايجابي. وفي تفصيل متابعة جماعة الكافرين؛ فهناك الكافرون من انكر الايمان بالله او الرسول او الكتاب..الخ، وهناك المشركون الذين يؤمنون بوجود شركاء لله بالخلق او العباده، وهناك المجرمون الذين ينتهكون حرمات الله او يضرون بالبشر، وكذلك المفسدون يحملون نفس المعنى والمدلول؛ يهلكون الحرث والنسل، وهناك اعلى درجات الكفر الذين يطرحون انفسهم اربابا من دون الله؛ وهؤلاء اسوأ الكفار واضرهم على المؤمنين والناس عموما، هم رؤوس الصراع مع جماعة المؤمنين لأن وجودهم ومصالحهم ومكتسباتهم مهددة لذلك يحاربون المؤمنين حتى النهاية.

خامسا.ينتقل الكاتب في فصل جديد: بناء الجماعة – التكوين- متتبعا عبر منهجيته الفاظ القرآن ونصوصه، ليبدأ من لفظة الناس والخطاب الرباني لهم وانهم مختلفين بصفتهم شعوبا وقبائل، وان الدعوة الاسلامية جاءت لهم على يد محمد ص ومن قبله من انبياء، وان الناس سينقسمون بين مسلمين وكفار، وان المسلمين مطالبين ان ينتصروا لايمانهم ، بحيث يواجهوا كفار مكة، وإن لم يستطيعوا فعليهم الهجرة الى يثرب، التي سيصبح اسمها المدينة المنورة ، بعدما وصلها المهاجرون مع النبي محمد ص، وسيقوم الرسول بصناعة كيان مجتمعي جديد، حيث آخى بين المهاجرين والانصار، كنموذج قائم على الايمان وعلى اخوة العقيدة. في المدينة سيخلق نمط سلطة سياسية جديدة، فلاهي سلطة القبيلة ورابطة الدم، ولا هي سلطة الصراع القبائلي او توافقات القوة كما مكة قبل الاسلام، ويثرب وصراع الاوس والخزرج وتسميتهم بالنص القرآني؛ القرى، والانتقال الى المدينة ونموذجها المدينة المنورة، وحكمها وفق توافقات الصحيفة التي ارتضاها اهل المدينة الانصار والمهاجرين، وبعض حلفائها، ويهودها، وتوافقوا على رئيس لهذه المدينة محمد ص بصفته صانع الصحيفة ، البعض مؤمن بنبوته والبعض غير مؤمن. وهكذا بسلطة محمد ص في المدينة يثبت نمط حكم المؤمنين المختلف عم ما قبله.

سادسا. ينتقل الكاتب للحديث عن السلطة السياسية، بالحديث عن النظرية السياسية (هيكل الامر) ، موضحا السياسة بصفتها سلطة من طرف وطاعة من الاخرين، وتحديد حيز وجودي، واصدقاء واعداء، ويتتبع واقع حال نمط السلطة ونظام الحكم قبل مجيئ الرسول ص وتجربته، مستنتجا من متابعته للقرآن نمطين من الحكم، الأول وهو حكم أولي الامر في القبيلة حسب رابطة الدم و الأقوى والأغنى والممتد اكثر عائلة وقربى، او القرية كمكة ويثرب، ويصفها بانها حكم العصبية الاقوى ولها هرمية محددة ؛ أولي الأمر الذين يمثلون رؤساء القبائل وساداتها واغنيائها واقوى عصبيتها، وبقية ابناء القبائل ومجموع ناسها، يضاف لهم من يلتحقون بهم ممن انسلخوا عن قبائلهم والتحقوا بهذه القبائل. وهناك نموذج الملك الذي يمثله فرعون وامثاله؛ حيث يتدرج مركز القوة من مجموع الناس في قعر الهرم، وفوقه القوم الذين يمثلون عصبية الملك، وفوقه الملأ الذين يمثلون السادة والاغنياء والتجار وقادة الجند ، وفوقهم الملك الحاكم المطلق، الذي يضفي على نفسه هالة قدسية قد توصله الى مرتبة التأله، وفرعون نموذج لذلك.

 أما النموذج الذي أسسه الرسول ص فيبدأ من الله رب العالمين والناس المتساوين عنده وفيما بينهم، على رأس هرم الامر في الاسلام الرسول ص، ويليه اولي الامر قادة المؤمنين الذين اثبتوا في الواقع مصداقية اسلامهم وايمانهم هجرة وتضحية وجهاد، ثم يليهم المؤمنين عموما، ثم يليهم عموم الناس في مجال حكم الجماعة المسلمة. و للوصول الى ذلك كان لا بد من البدء بالتوحيد السياسي بموجب الايمان والاعتقاد، وبالتالي تجاوز نمط الرابط السياسي السابق القبلي او العصبوي او الملك، للوصول لنمط الصراط المستقيم ؛المتمثل بالاسلام دينا وممارسة ونموذجها الرسول ص في المدينة المنورة.

سابعا. ينتقل الكاتب ليدرس النموذج (نظام الامر)؛ قاصدا النموذج الذي اراده الله للمسلمين للحكم مبلغا له للرسول عبر كتابة القرآن، ومؤكدا ان مصدر الشرعية للأمر هو الله والرسول، عبر الشريعة ونموذجها المؤسس النبي ص، إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر، والالتزام بالعبادات، ويقومون بالبر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وان يكونوا عادلين، من الله الامر ومن المؤمنين الطاعة والتنفيذ، والحكم بين الناس بالقسط؛ بصفته مساواة بين البشر اصلا، وحكم عادل في حال التقاضي، ومرجعية الكتاب (القرآن) والحكمة وحكمه بمواجهة حاكمية الطاغوت كرمز للشيطان و الظلم والظالمين، ومرجعية الرسول ص ضمن سلسلة الله الرسول وأولي الأمر، وأولي الامر محكومين بما اراد الله والرسول، وقد ركز الكاتب على ان الحكم لله والرسول واولي الامر ضمن الجماعة السياسية ، وليس في امر الاعتقاد، لانه (لا اكراه في الدين)، وهذه مسألة مهمة، حيث اغلب الصراع كان على الحكم وليس على فرض الدين، وان الصراع كان لاجبار الكافرين والظالمين على السماح للدين ان ينتشر ، بعد ان تسقط سلطاتهم. وتحدث ايضا عن نظام الامر والطاعة لله وللرسول، وما هي حدود الطاعة لأولي الامر ، على الا تتجاوز على ارادة الله ، او حقوق البشر في العدل والمساواة او اجبارهم على تغيير معتقداتهم او ظلمهم اجتماعيا، ويتحدث عن الجماعة المؤمنة بصفتها المسؤولة عن تلقي امر الله والرسول وتمثلها سلوكيا، وانها متساوية امام الله وان رابط الايمان يمثل اقوى روابطها ويجعلها أمة مؤمنة، وان الشورى بين المؤمنين وأولي الامر والبيعة على الطاعة والولاء هي من محددات السلوك المطلوب للمؤمنين في نموذجهم الحاكم .

ثامنا. يحدد الكاتب بتركيز النسق الفكري للنظرية السياسية كما حددها.

)1 – الكتاب -القرآن- بما هو تشريع عام يحل محل الرسول ص في الحاكمية القانونية فحسب.

2- مفهوم أولي الامر يستند الى مفهوم المؤمنين بوصفه اجتماعا سياسيا شبه متجانس يتيح لهم تملك السلطة … والحكم بين الناس.

3 – ..مهام اولي الامر.. ادارة امور الجماعة في الامن والخوف، والحكم بين الناس بالكتاب.

4- الطاعة لله والرسول واولي الامر حتى لو لم يكن مؤمنا، امر تكليفي بشرط عدم معارضتها للكتاب

5- اصل الالتزام طوعي تمليه الارادة الحرة… يلزم عنه الزام غير طوعي بسلطة عقاب دنيوي، ينطبق على المؤمنين وغير المؤمنين.

6- الحاكمية السياسية للناس والمؤمنين على السواء.

7- جميع أحكام الكتاب العامة أنيط تنفيذها بجماعة المؤمنين وليس اولي الامر..

8- ادارة الأمر العام في الجماعة المؤمنة يخضع لمفهوم الشورى المحكومة بالمرجعية التشريعية الكتاب(القرآن). ) الكتاب ص244.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى