هل تشهد الأيام المقبلة تغيرات ملموسة على الأرض، في وضعية حزب الله السورية؟ وهل هناك ترابط في الملفين اللبناني والسوري أم أن التفاوض الإقليمي بشأنهما يبقى منفصلاً؟ في الوقت الذي لم تنجح فرنسا بتحقيق خرق على الساحة اللبنانية، ثمة انتظار لما ستؤول إليه المفاوضات الإيرانية السعودية. ويمكن استشراف المزيد من الوقائع بالاستناد إلى ما سينتج عن زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سوريا في الأيام المقبلة. لا سيما أن الزيارة تأتي في ظل الانفتاح العربي على دمشق، وتحقيق تقارب سياسي سعودي- سوري، بعد التقارب الأمني. علماً أن السعودية تقول بشكل واضح إن انفتاحها على دمشق يهدف إلى استعادتها إلى الحضن العربي، ويتركز على ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من سوريا.
الديون السورية لإيران
قبل أشهر، كان يفترض أن تجري زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، لكنها لم تحصل. وحسب ما تم تسريبه في تلك الفترة، فإن طهران رفضت حصول هذه الزيارة إلا في حال كان سيتم التوقيع على المزيد من الاتفاقيات ذات الاستثمار الطويل الأجل لصالح إيران، كنوع من سداد الديون السورية المتوجبة على إيران، التي دعمت النظام بالسلاح، والمال والنفط والرجال. ومعلوم أن جزءاً أساسياً من التفاوض العربي مع دمشق حول استعادة العلاقات معها، كان يتركز على عدم منح مثل هذه الاستثمارات الطويلة الأجل لصالح الإيرانيين، لأن ذلك سيعني بقاءً إيرانياً على المدى البعيد في سوريا. وهو ما يتعارض مع مبدأ “عودة سوريا إلى الحضن العربي”.
مخدرات وطائرات
ولكن ما الذي تغيّر حتى يتم تحديد موعد الزيارة؟ وعلى ماذا ستنطوي نتائجها؟ تأتي الزيارة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وبعد التقارب السعودي السوري، وسط معلومات تفيد بأن دمشق كانت قد نسقت مع طهران خطواتها، في سبيل التقارب مع الدول العربية وخصوصاً السعودية. وقد شمل التنسيق تعاوناً امنياً مع الرياض في سبيل وقف عملية تهريب المخدرات. وقد تم الإبلاغ عن الكثير من الشحنات ومن أسماء مهربي المخدرات إلى السعودية. وهنا تقول مصادر متابعة، إن الكلام بين النظام السوري والسعودية حول ملف تهريب المخدرات كان صريحاً للغاية. إذ طلب السعوديون من النظام وقف عمليات التهريب، وهو ما لم ينفه النظام، إنما فاوض بناء عليه، للحصول على مكاسب في المقابل، بدلاً من الأموال التي يدرها هذا القطاع.
استمرت المفاوضات الأمنية بين دمشق والرياض لأشهر طويلة. وكان رئيس المخابرات السورية حسام لوقا يسافر إلى المملكة العربية السعودية عن طريق بيروت. فقبل أشهر وخلال الزيارة ما قبل الأخيرة له إلى الرياض، غادر لوقا من مطار بيروت، إلا أنه لم يمر به للعودة إلى الشام، إنما عاد بطائرة خاصة إلى مطار دمشق الدولي. خلال تلك الزيارة أيضاً، طلبت دمشق مساعدات من السعودية لإصلاح عدد من الطائرات، وللحصول على قطع غيار، فما كان من الرياض إلا أن منحت سوريا ثلاث طائرات مدنية.
عودة اللاجئين ومفاوضة المعارضة
على وقع هذا التفاوض تم الإنتقال إلى مرحلة جديدة من المفاوضات السياسية، وسط تأكيدات سعودية بأن الغاية هي عودة الاستقرار إلى سوريا، وإعادة اللاجئين. ففي مقابل حصول النظام على مساعدات عليه تسهيل عملية إعادة اللاجئين، بالإضافة إلى البحث عن حل سياسي مع المعارضة. كما أن التفاوض يشمل الوصول إلى اتفاق على خروج القوات الأجنبية والميليشيات من سوريا. وهذا موقف يفترض أن يصدر بشكل واضح عن اجتماع القمة العربية في التاسع عشر من أيار المقبل. كإشارة واضحة من الدول العربية بضرورة خروج القوات الإيرانية وحلفائها، بالإضافة إلى القوى الأخرى من سوريا.
ولكن هل ذلك سيتحقق؟
لا تزال المنطقة تترقب نتائج الاتفاق السعودي الإيراني، وإذا كان سيتم تطبيقه والإلتزام به. وهذا لا بد له أن يظهر في نتائج زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، علماً أن الزيارة تأتي كنوع من تتويج “الانتصار” السوري الإيراني المشترك. وهو ما سيعبر عنه رئيسي بشكل واضح. وهذا الانتصار يعني أن إيران لن تقدم تنازلات، ولن تقدم على خطوات من شأنها أن تشير إلى أنها قد تراجعت. علماً أن مصادر متابعة تؤكد أن العاصمة دمشق ومحيطها قد شهدت في الأيام الماضية بعض الانسحابات من قبل القوات الإيرانية وحزب الله من مناطق أساسية. فلم يعد هناك وجود ظاهر أو حواجز في شوارع العاصمة لهذه القوات، بينما يعمل النظام السوري على تعزيز حضور الجيش السوري، فيما تمت إزالة العديد من الحواجز من الشوارع الرئيسية للعاصمة.
إيران في لبنان
من حيث الشكل، لا تزال إيران تصرّ على الاتفاق، مع تثبيت الحضور من بيروت إلى دمشق، خصوصاً بالنظر إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، حين التقى المسؤولين، والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، كما التقى بعدد من النواب. في المضمون ركز عبد اللهيان على ضرورة التوافق بين اللبنانيين على تسوية سياسية، وشدد على التعاون مع السعودية.
من حيث الشكل أيضاً، كانت زيارة عبد اللهيان إلى الجنوب تنطوي على رسالة واضحة، وهي أن إيران وحزب الله في مقدمة قوى المقاومة، ما يعني عدم التخلي عن هذا المعيار. وهذا يعني ضمناً تحييد البحث بمسألة السلاح في أي مفاوضات لاحقة.
بالإرتكاز إلى هذا التصور من حيث الشكل، يمكن النظر إلى زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، والتي ستنطوي على إشارات متعددة، بعضها يرتبط بالمعايير السياسية في ضوء الانفتاح السوري على السعودية، وهو ما قد تنتج عنها مواقف سياسية متماهية مع هذا التطور. أما في المضمون، فإن حضور رئيسي في دمشق سيعبّر عن تثبيت الوجود والفعالية.
المصدر: المدن