كل الدلائل الواقعية والتي ثبت تحققها في أرضنا وعلى شعبنا والتي عمدت بدم مئات الالاف من أبنائنا…منذ انطلاق الثورة السورية حتى اليوم تشير وبوضوح ناصع أن المخطط الاستعماري الصهيوني الذي تم اعلانه في الكتاب الشهير لوزير الخارجية الأسبق شمعون بيريز الإسرائيلي: والذي كان بعنوان شرق أوسط جديد، منذ تسعينيات القرن الماضي هو قيد الانجاز والتنفيذ، حيث يوصي هذا المخطط بإعادة تركيب الدول والكيانات المجتمعية في منطقتنا وتجزئتها الى كيانات ودويلات متعددة يتمكن فيها الكيان الصهيوني من الهيمنة والتسيد متكئاً على المال الخليجي النفطي والأيدي العاملة العربية الرخيصة، وبنظرة سريعة إلى ما نعيشه اليوم نرى كيف أن سورية باتت مجزأة إلى أربع كيانات فعليه، وكذلك ما حصل في اليمن ويليها ليبيا واليوم يدخل السودان في هذا النفق الذي يبدو أنه سيكون أكثر دموية ووحشية.
وأخيراً، يأتي المثال اللبناني الذي بات وضعه فاقع الدلالة: وهو ما قد تسرب في أكثر من مناسبة سياسية أو إعلامية أن مصير الكيان اللبناني الذي ينتظره هو التلاشي
وببساطة، إن أياً من المراقبين يدرك أن الوضع في لبنان كما في السودان، لو كان هناك إرادة مركزية دولية لحسم الصراع فيهما لتم انجازه فوراً، بل إن ما يحدث اليوم تحديداً من تهجير للسوريين في لبنان وترحيل للسودانيين من المدن الرئيسية بحجة الحصول على الأمان إن هو الا تمهيد لدفع البلدين إلى مرحلة جديدة من الصراع كمدخل لتثبيت التجزئة الحاصلة والتي ستحصل لاحقاً.
وعليه، لابد من التصريح بأننا كشعوب وكقوى سياسية أو نخب ثقافية بات الإقرار بالفشل والعجز ضرورة موضوعيه، بل وبأن الإعلان لأنفسنا على الاقل أن الذل والمهانة والدونية صارت بالنسبة لنا وكأنها مثل وقيم وسمات، من الحذاقة بمكان أن نتقن الترويج لها والتمهيد لتمفصلها مع مخيال مجتمعاتنا الجمعية طالما أن مراكز الأبحاث الدولية ودوائر الدراسات العالمية تبارك خطابنا وانتاجنا الإعلامي والتثقيفي الذي يجمل ويبسط ويبرر ما هو واقع علينا من قبل منظومة دولية يحق لنا أن ننعتها بالوحشية والبربرية والاستعمارية….
لذا، ولأننا أبناء ثورة تم اطلاقها منذ اثني عشر عاما، بعد التهيئة لها وعلى مدى نصف قرن تقريبا، حيث توفر في انطلاقتها كل المبررات المنطقية والشرعية والتشريعية السماوية منها والبشرية، والتي تطالب بحق بكل ما جبل عليه الإنسان منذ بدء الخليقة حتى اليوم، أي بالكرامة والحرية والسيادة وبفضاء من العدالة والمساواة يعيش فيه.
فإننا نرى أن آوان اليقظة قد ازف وآوان النهضة قد حل وآوان الفعل والمواجهة قد بات حقاً وضرورةً، فلتتوقف كل عادات الفهلوة والتذاكي التي تسللت إلى وعينا السوري فذهبنا في التحليل والتوصيف والاستنتاج واللياقة الخطابية إلى أبعد مدى حيث بات ذلك هو المذهب الوحيد الذي اجتمعنا عليه، فغرقنا فيما رادوه لنا واستنقعنا في الواقع الذي يدفعوننا اليه ونحن متساهلين مستسلمين.
ولنبدأ بالإعلان عن نهج فكري مختلف وممارسة ثورية مختلفة وأدوات للعمل مختلفة، وكل ذلك لخدمة فكرة وحيدة وواحدة، الا وهي:
فكرة التحرير… تحرير الوطن والانسان…. وبكل الأدوات التي يمكن ابتداعها… ولتكن خطوة وجود أو لا وجود.
ولنعلن التحدي التاريخي للتاريخ…
إما أن الحياة للإنسان: الإنسان بكل القيم الحضارية التي ابتدعها وأنتج في سياقها أمماً وحضارات صنعت التاريخ ومنها امتنا العربية
والإسلامية. وإما أن تكون الحياة لأرباب المال والطغي والاستبداد والاستعباد والهيمنة البربرية…فهلا… فعلنا.