يوم أوقعت سورية بين الجزائر والسعودية

توفيق رباحي

كانت العلاقات الجزائرية السعودية دائما هادئة يغلب عليها الاحترام والقدرة على إبقاء الخلافات تحت السطح. لم تكن هذه العلاقات يوماً دافئة كما هو حال السعودية مع مصر أو المغرب مثلاً. لكنها في المقابل لم تشهد أزمات ثنائية حادة (في العلن على الأقل).

من أسباب ذلك أن لا أحد من البلدين احتاج للآخر بشدَّة، ولا أحد وقف في وجه مصالح الآخر بحدة. كما لعب عامل البُعد الجغرافي بين البلدين دوراً مساعداً في تقليل أسباب التوتر أو التقارب.

إجمالاً يمكن القول إن العلاقات الجزائرية السعودية لم تتعرض لاختبارات حاسمة كثيرة. لكن الفتور موجود ويصعب إخفاؤه. يعود هذا الفتور، الذي يرتقي أحيانا إلى خلاف، إلى الفروق الجذرية بين نظامي الحكم في الرياض وفي الجزائر. الجزائر منذ البداية جمهورية «ثورية» محدودة الموارد (معدل إنتاجها من النفط يتراوح حول مليون برميل يومياً) هواها سوفييتي اشتراكي، والسعودية مملكة ثرية اختارت المعسكر الأمريكي منذ نشأتها.

هذه الاختلافات تقود كلتا الدولتين إلى رفض أن تكون تحت إبط الأخرى في التحالفات الإقليمية والقضايا الطارئة.

وعمَّق الاختلافَ عدمُ تطابق مواقف البلدين في أزمات عربية خطيرة مثل حرب اليمن في 2015، وقبلها الاحتلال العراقي للكويت صيف 1990 عندما اختارت الجزائر الرسمية الحياد بينما كان شعار السعودية أقرب إلى «مَن ليس معنا فهو ضدنا».

هناك أيضا موضوع النفط والاعتقاد السائد في الجزائر أن السعودية تقرر في قضايا الإنتاج والأسعار من دون مراعاة أثر ذلك على الأعضاء الآخرين في أوبك، ومنهم الجزائر.

في السنوات القليلة الماضية برزت الاختلافات أكثر عندما تولى زمام السعودية فريق جديد يقوده أمير شاب يملك الجرأة على التحرك والمغامرة السياسية والدبلوماسية، بينما بقيت الجزائر محكومة بمنظومة عقيدتها قديمة تُفضّل التروي وتخشى عواقب المغامرة.

واضح أن البلدين اليوم على موعد مع حلقة أخرى من حلقات الاختلاف، مدفوعا هذه المرة باستياء جزائري من تحركات السعودية إقليميا. الجزائر تتولى رسميا «رئاسة العرب» منذ القمة العربية التي احتضنتها في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لكن السعودية، وبمساعدة حلفائها التقليديين، هي التي تتزعم العمل العربي خارج أطر الجامعة وتؤثر فيه داخل هذه الأطر مع تهميش للجزائر.

الاستياء الجزائري عبّر عنه مقال (بلا توقيع) صدر يوم الخميس في موقع «كل شيء عن الجزائر». رغم أن الموقع غير حكومي ولا يُعبّر بالضرورة عن وجهة النظر الرسمية، إلا أنه، مثل كل الصحافة الجزائرية حاليا، يتبنى المواقف الرسمية حرفيا، خصوصا في القضايا الدبلوماسية وعلى رأسها الأزمة مع المغرب.

لكن على خلاف بقية وسائل الإعلام الجزائرية، لا يجد «كل شيء عن الجزائر» مشكلة في الحصول على تعليقات وتصريحات من مسؤولين في وزارة الخارجية الجزائرية. في الماضي القريب استند الموقع في معلوماته وتحليلاته إلى دبلوماسيَين اثنين، واحد في الخدمة هو عمار بلعاني أمين عام وزارة الخارجية، وآخر متقاعد هو (السفير السابق) عبد العزيز رحابي.

هذه المرة نسب الموقع الغضبَ الجزائري من السعودية إلى مصادر لم يُسمِّها. هي غالبا مصادر رسمية وإلا ما كان يجرؤ على نشر كلام أقرب إلى الهجوم اللاذع على السعودية.

منبع الغضب الجزائري أن الجزائر كانت تريد احتكار «شرف» عودة سوريا إلى الجامعة العربية وقطف ثمار ومجد ذلك مع الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة لدمشق. وقد عملت على ذلك طويلاً، لكن السعودية باغتتها وسحبت منها ورقة سوريا بكل هدوء وثقة في النفس.

كان نجاح الجزائر في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لو حدث، سيشكّل ورقة سياسية تُستعمَل داخليا للتغلب على الاستياء الشعبي وضمن محفزات الولاية الرئاسية الثانية لتبون، وخارجيا في تعزيز مكانة الجزائر وتحالفاتها ثم توظيف ذلك داخليا لصالح العهدة الرئاسية الثانية.

الاختلافات واضحة بين قادة البلدين وطرق تفكيرهم وعملهم: في السعودية قيادة شابة تهوى المغامرة السياسية ولا تخشى الاندفاع الدبلوماسي. وفي الجزائر قيادة هرمة بطيئة الحركة وكثيرة الحسابات.

ورغم تشابه البلدين من حيث أن القضايا الدبلوماسية الرئيسية يتحكم فيها الرئيس تبون هنا والأمير محمد بن سلمان هناك (أكثر من وزارتي الخارجية)، إلا أن «واقعة سوريا» تعكس اختلافا في المقاربة وتُبرز أن الطريقة (الجزائرية) القديمة في التعاطي مع الأمور تجاوزها الزمن وأن الحذر المفرط لم يعد ورقة مجدية.

في الجزائر هناك حرج وغضب. الحرج، وقد عبّر عنه الصمت الرسمي، من كون الرياض لم تراع رئاسة الجزائر الدورية وتخلت عن الدبلوماسية في هذا الموضوع. أما الغضب فمن كون «الاندفاع» السعودي لم يكتفِ باقتراح فكرة إعادة سوريا للصف العربي، بل طرحها وسوّقها ثم بدأ تنفيذها رسميا باستقبال وزير خارجية سوريا فيصل المقداد أولًا، ثم اجتماع جدة يوم الجمعة الذي ضمَّ أعضاء مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والعراق والأردن، مع تغييب متعمد للجزائر الرئيس الدوري للجامعة العربية ولهذه الجامعة ككيان ورمز.

بغض النظر عن فشل اجتماع جدة في التوصل إلى اتفاق، من المؤكد أن السعودية لن تستسلم، ومن الواضح أنها ستواصل العمل على الموضوع السوري لأنه جزء من ترتيبات تخص علاقاتها مع إيران ستنعكس على مصالحها في دول وبؤر أخرى في المنطقة.

السعودية فهمت أن الجامعة العربية هيكل بلا روح، وتعمل وفقا لذلك. كما تستفيد (السعودية) من تواطؤ الأمانة العامة للجامعة وضعفها أمام المملكة. من مصلحة الدبلوماسية الجزائرية أن تبدأ التصرف وفق هذه الواقعية التي تكاد السعودية أن تصبح رائدة فيها، إذ بعد أن كانت من المتحفظين على ردّ الاعتبار لسوريا في قمة الجزائر الأخيرة وقبلها، تتصرف اليوم على النقيض من ذلك. المغزى أن المصلحة فوق كل اعتبار وتتغيّر بسرعة وفي كل الاتجاهات، والمطلوب التكيّف معها وحمايتها.

الاختبار سيكون خلال القمة العربية التي ستستضيفها السعودية الشهر المقبل: كيف ستتصرف الجزائر إذا طرحت الرياض موضوع عودة سوريا في اجتماع القمة؟ هل توافق على الرغم من أن الموضوع نوقش وطُرح من دونها فيكون ذلك استسلاما للأمر الواقع الدبلوماسي؟ أم ترفض فيكون ذلك تراجعا عن قضية لطالما سعت لدعمها وتبنِّيها؟

كاتب صحافي جزائري

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى