رسالة مفتوحة إلى أستاذنا الدكتور علي محمد فخرو 

د. مخلص الصيادي

يوم الأربعاء 5 إبريل نشر الدكتور علي محمد فخرو في صحيفة الشروق التي يخصها بكتاباته مقالاً بعنوان: “رجوع سوريا وأخذ القرارات والأفعال”.

وقام عدد من المواقع بإعادة نشر هذا المقال الذي يدعو إلى إعادة سوريا إلى مؤسسات الجامعة العربية، وأن يكون المدخل إلى هذه العودة مشاركتها في قمة الرياض المزمع عقدها في 19 مايو القادم، وأن تأتي هذه العودة في إطار جهد عربي متواصل لرفع العقوبات وكسر الحصار المفروض عليها، لتأخذ دمشق قلب العروبة النابض مكانها في أسرتها العربية، وأن يكون هذا القرار واحدا من تجليات كسر الهيمنة الامريكية على المنطقة ومصائرها.

المقال في مضمونه وتوجهه فاجأني، لأسباب عدة:

السبب الأول: أن الدكتور فخرو واحد من رجالات الأمة الذين أبدو خلال حياتهم الطويلة المهنية والثقافية حرصاً على إعلاء قيم تمثل مجتمعة الأساس الضروري لأي بناء اجتماعي قويم نتطلع إليه:

** فهو من دعاة العروبة، والأمن القومي العربي، وحشد الأمة وتوحيدها باعتبار ذلك السبيل الوحيد لها لمواجهة ما تتعرض له من هجمات من قوى خارجية استهدفتها على الدوام. ومن هذا المنظور فهو “مجاهد” ضد كل القيم والأفكار التي تقسم الأمة عموما، وكل بلد من بلدانها، سواء كان منبع هذه القيم والأفكار: الطائفية، أو العرقية، أو الجهوية، أو العشائرية…الخ.

** وهو من المنافحين عن الديموقراطية وعن حقوق الانسان، والعاملين والداعين إلى تعزيز هذه القيم والحقوق في مجتمعاتنا العربية، باعتبارها سياج تحفظ الإنسان وقدرته على التفاعل داخل مجتمعه، وأيضا باعتبارها شرط من شروط نهضة الأمة، وبناء دولتها الحقيقية، دولة المواطنة الحقة، إضافة إلى كونها مظهر من مظاهر رقي الإنسان ومجتمعه.

** وهو بسلوكه، وبفكره من المحاربين للفساد، والإفساد، المالي والاجتماعي، ولكل ما يمكن أن يفتح بابا للفساد، وفي هذا السبيل يدرك إدراك “شيوخ الأمة وحكمائها” أن الفساد لا يكون حالة مرضية تهدد سلامة المجتمع، وتتطلب التدخل الحقيقي والحاسم إلا حين يتحول إلى “منظومة فساد” تسيطر على مؤسسات الدولة وتحكم اليات عملها، وهي حتى تصبح كذلك فلا بد أن يكون المجتمع قد افتقد أليات رصد الفساد، واليات تعريته، وآليات مكافحته.

السبب الثاني: أن المقال قام على خلط غريب عن قلم الرجل وفكره، وبني على معلومات أو مسلمات مغلوطة بلا شك، لم يقل أحد بها حتى من يعمل في جانب النظام القائم في دمشق، وجاء هذا الخلط في مواضع عدة من أهمها:

1ـ المطابقة بين النظام السوري، وسوريا، فهو يطالب بعودة سوريا إلى مؤسسات الجامعة العربية، وبرفع الحصار عنها، في حين أن من أخرج من ” النظام العربي” هو النظام السوري، وبالتالي فإن الحديث يجب أن ينصب على النظام السوري وليس سوريا.

إن سوريا وليس النظام السوري هي قلب العروبة النابض، كانت في الماضي، وهي كذلك الآن، وستبقى كذلك في المستقبل، ما يعوق عمل هذا القلب، هو هذا النظام القائم.

والعمل على إعادة النظام السوري الراهن إلى حضن النظام العربي شيء، والعمل على إعادة سوريا شيء آخر مختلف جذريا.

الأول يتحقق بإعادة فتح السفارات، وتحريك قنوات الاتصال بين الأنظمة العربية وهذا النظام، واستعادة النظام السوري لدوره ومكانه في الجامعة العربية ومؤسساتها المختلفة، وهذا شأن الأنظمة تأخذ إزاءه القرار الذي تراه مناسبا لها وملبيا لاعتباراتها.

أما إعادة سوريا “الوطن والشعب والحضور” فهو أمر مختلف، أمر يستدعي معالجة الأزمة التي مر بها الشعب السوري وما زال، ومعالجة مخلفات هذه الأزمة.

ولقد كان للجامعة العربية محاولة لمعالجة هذه الأزمة في بداياتها، لكن المحاولة فشلت، ونحن نقول إن النظام هو من أفشلها وأفشل المحاولات الدولية التالية، ولا زال.

 لكن إذا كانت الجامعة العربية وهي وعاء النظام العربي تريد أن تعالج الأزمة السورية، فهذا شيء محمود، وهذا واجب يستدعي القيام به، لكن لهذه الأزمة / الملف عناوين لا بد من التصدي لها، وحتى لا نطيل في هذا الجانب فقد تم التواطؤ عربيا ودوليا على أن القرار الدولي 2254 يمثل قاعدة لمعالجة هذا الملف، وبالتالي فإن إعلان “جامعة الدول العربية” التزامها القطعي بهذا القرار، واستناد أي مبادرة لها على هذا القرار بالذات يمثل بداية قوية مهمة لهذه المؤسسة القومية.

2ـ ولقد كان غريبا أن يقدم المقال تفسيرا لملف اللاجئين يفهم منه أن عملية اللجوء جاءت هربا من الصعوبات الحياتية التي خلفها الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على النظام السوري، أو على سوريا حسب ألفاظ المقال.

ولا أدري من أين جاءت هذه الرؤية أو التفسير لخروج مئات آلاف السوريين من رجال ونساء وأطفال تباعا إلى الدول المجاورة، حتى تجاوز هذا العدد نصف سكان سوريا، ليتصدر عدد اللاجئين السوريين مختلف جنسيات اللاجئين في كل أصقاع الأرض. ونتيجة كل الأزمات التي مرت بشعوب الأرض.

 هل هذا التفسير الذي يقدمه الدكتور فخرو نتيجة معلومات خاطئة وصلت!، أم أنه لا يدرك، ولا يعرف مقدار الهوان والانكسار والذل الذي يعيشه اللاجئون في مواضع لجوئهم. أيا ما كان تفسير هذه السقطة التي وقع بها الدكتور فخرو فإنها غير مفهومة وغير جائزة، وما من أحد قال بمثل هذا القول أو قدم مثل هذا التفسير.

3ـ ثم إن الاتكاء على فكرة أن ما حدث ويحدث في سوريا هو نتيجة لتعرضها لمؤامرة دولية، يحتاج إلى تدقيق يفصل الحقيقي في هذا القول عن الزائف، ويحدد مكامن المؤامرة، وأدواتها.

والبدء في هذا التدقيق يكون بتأكيد أن سوريا تتعرض لمؤامرة دولية، كانت ولا تزال، فهذه المؤامرة ليست جديدة، بل أوضح من ذلك فإن ” سوريا بجغرافيتها السياسية وتكوين شعبها، وتنوعها الثقافي والديني، وتاريخها الحضاري” كانت مستهدفة من قوى الاستعمار الغربي باستمرار، وأن هذا التآمر لم ينقطع يوما، لكنه كان دائما يواجه بوحدة وطنية واعية تتصدى لكل المؤامرات وتنتصر عليها.

ومهم هنا أن نشير إلى أن “سوريا” التي نتحدث عنها هنا تعني بلاد الشام كلها، وليس الدولة السورية التي حددت اتفاقية سايكس بيكو حدودها. ولم يسبق لمثل هذه المؤامرة المستمرة بدون انقطاع أن شردت السوريين على نحو ما نرى، حتى ولا زمن الغزو الإفرنجي الصليبي.

السؤال هنا من فتح هذه البلاد لتمر المؤامرة إليها؟

من أقام حكما طائفيا في كل زاوية من زوايا هذا الوطن؟

من أقام منظومة فساد حاكمة، ومتحكمة، ومستبدة، في كل أرجاء الوطن.

أين ومن قتل مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسريا؟

من رفع شعار الأسد أو نحرق البلد؟

من فتح سوريا لنظام “ولاية الفقيه” الفارسي الذي يعيث فسادا في العراق واليمن وغيرهما؟

من استخدم الأسلحة الكيماوية في هذا الصراع؟

من جعل من سوريا مركز انتاج وتصدير للمخدرات؟

من رفض أي إصلاح وطني ينهي تدريجيا هذا الوضع ويعيد اللحمة إلى جسد الوطن؟

مهم الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها حتى نستطيع أن نحدد الثغرات التي دخلت منها المؤامرة، والأدوات التي تنفذها.

4 ـ ثم إنه من غير الجزائر ونحن نتوجه إلى النظام العربي لمعالجة تعصف منذ 12 عاما بإحدى الدول العربية” سوريا”، ونحن نتحدث عن الدور” الخارجي” في هذه الأزمة، ألا نتحدث عن دور “النظام العربي” أو دور “نظم عربية” في دفع الوطن السوري والشعب السوري إلى أتون هذه الأزمة، ودورها في تعزيز دور السلاح في إدارة هذه الأزمة، ودورها في تخريب أي فرصة كان يمكن أن توقف هذه الأزمة عند حد معين.

5 ـ كنت أتمنى ـ ولعل غيري كذلك ـ، أن يبادر الدكتور فخرو، ـ وهو واحد ممن كان يشار إليهم دائما بأنهم حكماء الأمة ـ إلى دعوة “حكماء الأمة”، ـ وهم كبار رجال الفكر والعمل والسيرة الحسنة ـ من كل التيارات إلى العمل على تقديم مبادرة إلى القمة العربية، وعبرها إلى النظام السوري تحدد خارطة طريق لتطبيق القرار الدولي 2254، وأن يقوم هؤلاء الحكماء بدورهم في دفع نظام بشار الأسد إلى إعلان الالتزام بهذا القرار، وأن يكون مقدمة ذلك وقفة حقيقية إنسانية وأخلاقية أمام ملف المعتقلين والمغيبين قسرا، ووقفة حقيقية مسؤولة وإنسانية ، أمام ملف القتلى والمفقودين.

وأختم بالقول:

في سوريا، في الملف السوري، دماء أكثر من مليون سوري، ومئات آلاف المعتقلين والمختفين قسرا، وأكثر من 12   مليون سوري مهجر في اصقاع مختلف من العالم، وقد تحولت سوريا إلى مزرعة لقواعد أجنبية وجيوش احتلال وميليشيات طائفية، وكل هذا جاثم على خراب مرعب لمختلف أوجه الحياة الإنسانية والاجتماعية والحضارية السورية…..

إذا كان هذا كله لا يستطيع إقناع من يملك ضميرا أن في سوريا أزمة حقيقية، وأن الصانع الرئيسي لها هو هذا النظام القائم، وما عداه ـ أيا كان حجمه وتأثيرـ لا يعدوا أن يكون إضافات، على هوامش الفاعل الرئيسي، فإن هذا مشهد من أقسى مشاهد الأزمة التي يعيشها كل صاحب رأي وقلم وهو يتصدى للملف السوري.

السوريون هربوا من القصف الذي طال بيوتهم، وأحياءهم، وقراهم، ومدنهم، وقد أدى هذا القصف الى مقتل مئات الالاف من المدنيين، واستخدم في هذا القصف، صواريخ سورية وروسية من مواقع انتشار القوات السورية حول دمشق، وحلب واللاذقية، ومن عمق البحار، من البحر الأسود، والبحر الأبيض المتوسط عبر صواريخ باليستية خرجت من القطع الحربية الروسية، ومن صواريخ الطائرات، والمدفعية، ومن البراميل المتفجرة، وكل هذه لا تفرق مسلحا عن مدنيا، ولا تفرق طفلا عن امرأة، ولا نفرق شيخا عن شابا.

الناس هربوا من هذا القصف، وهربوا يحيط به الخوف والهلع والذعر، وهذه مشاهد لم تعد تخفى على أحد.

ثم أنهم هربوا من أجواء الإرهاب التي اشاعتها قوات النظام وميليشياته السورية والإيرانية والعراقية والافغانية، وكلها هذه ميليشيات طائفية، وهذه القوات هي من سرب فيديوهات التعذيب والسحل والقتل والتصفية ومن منا لا يتذكر المشاهد التي تم بثها للتنكيل بالمدنيين في البيضا بمحافظة طرطوس في الثاني والثالث من مايو 2013 وقد وثق مقتل 72 مدنيا في هذه المذبحة. ثم توالت مشاهد القتل والإرهاب دون توقف.

لقد كان خطا فادحا ان يسجل الدكتور فخرو في مقاله وهو يدعو الى كسر الحصار الاقتصادي والمالي عن سوريا القول ان هذا الحصار: “أوصل هذا القطر الى حدود الفقر والمجاعة وهروب الملايين من مواطنيه ومواطناته الى منافي الهجرة والشتات”.

**الخلط بين سوريا والنظام السوري” سوريا الجغرافيا والسكان والحمل الحضاري

**اعتبار التهجير حصل بسبب الجوع والحصار وليس نتيجة سياسات النظام الدموية والمقصودة

** الحديث عن التآمر الغربي على سوريا( هذا ليس جديدا، منذ سايكس بيكو، حينما تم تقسيم بلاد الشام وزرع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى