اثنا عشر عاماً من عمر الثورة السورية مضت، وحلم الحرية والانعتاق من الاستبداد والطغيان مازال حاضراً، قوياً، في وجدان السوريين وضميرهم، رغم كل ما تعرضوا له من أشكال العذاب والقهر والموت، وما عانوه من التدخلات الإقليمية، والاحتلالات المتعددة، التي باتت تتحكم بقضيتهم، وتعيق خلاصهم، وتطيل أمد معاناتهم.
حلت الذكرى الثانية عشرة للثورة هذا العام في ظل حالة استقطاب دولي حاد فرضه العدوان الروسي على أوكرانيا، واحتمالات تطور المعارك إلى مالا يحمد عقباه، في ظل التصعيد المستمر والتهديدات الدائمة بما هو أخطر، إضافة إلى ملفات صراع إقليمي ودولي عديدة، وكلها تتقدم في الأولوية على الملف السوري وإيجاد فرص لتسوية ما، أو حل سياسي يلبي طموح الشعب السوري، وبالنظر إلى الاستقطاب الدولي الحاصل في مسألة إعادة تأهيل نظام دمشق أقله عربياً.
منذ البداية حملت عسكرة الثورة مخاطر التدويل والتحول إلى قضية صراع إقليمي، وهو ما حصل بفعل ليس سياسات الدول الداعمة والممولة فقط، إنما نتيجة سياسات نظام القتل والإجرام الكوني، وسياسات بعض أطراف المعارضة التي كانت “استراتيجيتها” واضحة في الركون للخارج، سواء بالدعم والتأييد، أو التدخل العسكري المباشر لصالحها وحدها.
القراءة الخاطئة للموقف الدولي أوقعت (قوى الثورة والمعارضة) في مطب الترقب والانتظار والارتهان وهو مايحصد الشعب السوري، اليوم، نتائجه، ويدفع ثمنه، دون أفق واضح لنهاية معاناته، رغم القرارات الدولية، خصوصاً 2254، وماتمخض عنها من مفاوضات برعاية أممية، وماتفرع عنها من لجان تحت بدعة السلال التي جاء بها المبعوث الدولي السابق دي مستورا في نهاية شباط/فبراير 2017.
وضع القضية السورية الحرج في حمأة الصراع الدولي وأولوياته يفترض بالغيورين، والوطنيين، السوريين الخروج من حالة الترقب وانتظار جلاء الموقف الدولي، وما سيسفر عنه، والمبادرة باتجاه خلق رافعة وطنية تنتشل الحالة السورية من ركودها، وتحشد كل القوى والامكانات باتجاه إعادة تسليط الضوء عليها، وقبل ذلك وبعده إعادة قراءة مسارها، وتجاوز العثرات والأخطاء التي وقعت فيها سابقاً، خصوصاً لجهة الارتباط والارتهان الاقليمي والدولي، مستفيدين من تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية التي فرضها الزلزال/ الفاجعة.
أسوأ مافي القضية السورية، في هذا الطور من عمرها، هو حالة البلادة وفقدان الحس بالمسؤولية لدى بعض مايسمى مؤسسات وقوى الثورة وتجمعاتها المتعددة ومنظماتها التي لا يعرف عددها لكثرتها، دون فعل، أو أثر ذو جدوى، ولعل كارثة الزلزال المدمر في فبراير/ شباط الماضي كشفت بما لايدع مجالاً للنقاش والجدل أن (الخوذ البيضاء) وحدها من حظي باحترام وثقة كل السوريين، وقلة من طوفان المجموعات والمنظمات من كان لوجوده أثراً، أو معنىً يذكر.
على كل حال بعد كل تلك السنوات والتضحيات، وتعقد القضية السورية في أروقة الدول ونزاعات مصالحها، من الضرورة بمكان التفكير بمبادرات غير تقليدية، تعيد السوريين إلى ساحة الفعل والعمل، فقد كشفت نشاطات هذا العام في الذكرى ال 12 للثورة أنه مايزال قطاع واسع من السوريين على استعداد للعطاء والتضحية والوفاء لأحلامنا جميعاً في الحرية والكرامة الانسانية، وهو مايبرز الحاجة لمؤسسات وطنية، كما قلنا، تتغلب على كافة عوامل تحنيط قضيتنا، أو مواتها.
الاحتفال بذكرى الثورة كأنها طقس سنوي، أو عادة، لامعنى، ولا قيمة له، ولا يضيف شيئاً للثورة، لأن المطلوب أن يكون فعلنا بالنظر إليها على أنها حدث مستمر في حركة التاريخ يتطلب دوماً تجديد أدواته ومراجعة أداءه، والإجابة على السؤال الأساس أين أخفقنا وأين نجحنا وكيف يمكن أن نستمر.؟؟؟
بالعودة إلى قراءة الوضع الدولي المعقد يصبح لزامًا علينا كسوريين تجاوز حالة عنق الزجاج والتغلب على الاستنقاع الدولي في تعاطيه مع قضيتنا بتشكيل مؤسسات وطنية قوية ومحترمة، تلي حوار وطني سوري شامل، جدي وحقيقي، تستطيع أن تعيد لقضيتنا نبلها وبهاءها وبغير ذلك لن يبقى لنا إلا الوقوف على الأطلال والاحتفال بذكرى ثورة مثلت لنا، ذات يوم، حلم ليلة ربيع دافئة وجميلة ساهمنا جميعنا (بمعنى ما) بتضييعها.
المصدر: اشراق