بين يورانيوم بريطانيا و”نووي” بيلاروسيا

سميح صعب

كلما اتخذ الغرب خطوة نحو زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، أقدمت روسيا على خطوة تصعيدية في المقابل. هذه هي حال الحرب الدائرة منذ 13 شهراً ونيف.

في غضون أيام فقط، زادت الولايات المتحدة من نشاطها العسكري فوق البحر الأسود بعد “الصدام” الجوي الذي أسفر عن تحطم مسيّرة أميركية من طراز “إم كيو-9″، وأعلنت تسريع الجدول الزمني لتسليم دبابات “أبرامز” المتطورة إلى كييف، فضلاً عن مساعدة عسكرية جديدة بـ350 مليون دولار، بينما دشنت أول قاعدة عسكرية دائمة لها في بولندا.

ليست واشنطن وحدها التي تحث الخطى على طريق زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا. هناك الاتحاد الأوروبي الذي رصد ملياري دولار لجمع مليون قذيفة لكييف في الأشهر المقبلة، كي تتمكن من صد الهجمات الروسية في باخموت والانتقال إلى الهجوم المعاكس المنتظر.

وأضافت بريطانيا بعداً أكثر خطورة على الحرب من خلال إعلانها العزم على تزويد أوكرانيا قذائف تحتوي على اليورانيوم المستنفد، يمكن إطلاقها من دبابات “تشاليجر-2” البريطانية التي تشق طريقها إلى كييف. قذائف اليورانيوم قادرة على اختراق أكثر الدروع الروسية تصفيحاً، ومن بينها دبابات “تي-90” المتطورة. وبحسب تقديرات معاهد الحرب الدولية، فإن الجيش الأوكراني سيكون في حاجة ماسة إلى هذا النوع من القذائف عندما يشرع في الهجوم المعاكس. واليورانيوم المستنفد في معايير حلف شمال الأطلسي لا يعد سلاحاً نووياً.

في المقابل، حذرت موسكو من أن الخطوة البريطانية لن تبقى بلا رد. ولم يتأخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الإعلان عن عزم بلاده على نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا.

على رغم أنه باستثناء باخموت، فإن الجمود هو الطابع الغالب على بقية الجبهات الأوكرانية، فإن الجميع يترقب تطوراً عسكرياً واسعاً في الأيام المقبلة. وتنتظر أوكرانيا وصول الدبابات الغربية، لا سيما الألمانية من طراز “ليوبارد-2” ومقاتلات “ميغ-29” من بولندا وسلوفاكيا، كي تبدأ هجومها.

ولا يزال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلح على الغرب طالباً منه مقاتلات متطورة وصواريخ بعيدة المدى، كي يتمكن من طرد القوات الروسية بالكامل من الأراضي الأوكرانية.

حتى هذه اللحظة، يرفض الغرب تزويد كييف المقاتلات والصواريخ البعيدة المدى. لكن من يقرأ كيف تطورت المساعدات العسكرية الغربية منذ عام وحتى الآن، من صواريخ مضادة للدروع إلى الدبابات وأنظمة الباتريوت، لا يعود مستبعداً أن تأتي اللحظة التي تكون فيها دول حلف شمال الأطلسي مستعدة لإرسال مقاتلات وصواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، رغم أن ذلك سيشكل مخاطرة مؤكدة بإثارة نزاع مباشر مع روسيا وتوسع دائرة الحرب.

وعشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين يتدربون الآن في دول حلف شمال الأطلسي على استخدام الأسلحة الغربية المنوي تسليمها إلى أوكرانيا ضمن استراتيجية إلحاق الهزيمة بروسيا.

وكلما شعرت روسيا بأن الدعم العسكري الغربي لن يتوقف عند حد معين، فإنها تلجأ إلى التلويح بالسلاح النووي كوسيلة ردع، وربما إدراكاً منها لصعوبة تحقيق مزيد من المكتسبات على الأرض بأسلحتها التقليدية.

وهنا تكمن الخطورة. ومع انسداد الأفق أمام حل دبلوماسي. تزداد الرهانات على الميدان. وكلما لمست القيادة الروسية أن الأسلحة الغربية بدأت تحدث فارقاً على الأرض، فإنها ستكون أكثر ميلاً إلى التلويح بأسلحتها النووية.

ووقت تحمل الولايات المتحدة بقوة على المبادرة الصينية للسلام، وتحض كييف على رفضها بالمطلق، لا يبقى غير الجبهات لتقرير نتيجة الحرب. وإذا كانت التجارب التاريخية تدل إلى أن كل الحروب انتهت بالتفاوض، فلا يبدو أن زمن التفاوض قد أزف في الحرب الروسية-الأوكرانية، التي على نتائجها سيُبنى النظام العالمي الجديد.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى