اعتبر محمد اليحيى، وهو زميل في مبادرة الشرق الأوسط لمركز “هارفارد بلفور” الأمريكي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد معركة على النفوذ يبدو أن الصين مصممة على الفوز بها على حساب الولايات المتحدة.
وأضاف اليحيي، في تحليل نشره “معهد هوفر” الأمريكي وترجمه “الخليج الجديد”، أن “المسؤولين الأمريكيين، ولأكثر من عقد من الزمان، كان يروجون لتشكيل محور استراتيجي بعيدا عن الشرق الأوسط لمواجهة تهديد الصين الصاعدة (في آسيا)، وخلال الفترة نفسها، حددت بكين الشرق الأوسط باعتباره ساحة أساسية لمنافسة الولايات المتحدة”.
وأوضح أن “التنافر الاستراتيجي بين هاتين القوتين العظمتين في المنطقة بلغ ذروته بالإعلان المفاجئ عن أن بكين نجحت في التوسط في التقارب بين السعودية وإيران”.
وبوساطة صينية، وقّعت السعودية (ذات أغلبية سنية) وإيران (ذات أغلبية شيعية) في 10 مارس/ آذار الجاري اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال شهرين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات منذ أن اقتحم محتجون سفارة المملكة بطهران، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.
واعتبر اليحيي أن “الصفقة السعودية الإيرانية المفاجئة لا تتعلق بأي دفء للعلاقات بين البلدين بقدر ارتباطها بطموح الصين لملء فراغ القوة الذي خلفه رحيل الولايات المتحدة”.
ولفت إلى الصراع لمدة عقد بين واشنطن وطهران لضمان عدم تمكن إيران من إنتاج أسلحة نووية، مقابل تشديد طهران على أن برنامجها النووي مصمم للأغراض السلمية بما فيها توليد الكهرباء.
وبينما كانت واشنطن تخوض هذا الصراع مع طهران، بحسب اليحيي، “أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإيران وحدث ذلك جزئيا عبر انتهاك العقوبات الأمريكية”.
وأردف: “كما أقامت الصين علاقات اقتصادية مهمة مع السعودية (لاسيما عبر شراء نفط المملكة). ويبدو أن بكين هي الوحيدة التي تمتلك الإرادة والضغط اللازمين لضمان صفقة بين أقوى منافسين في المنطقة”.
فراغ القوة الأمريكي
اليحيي قال إن السعودية وبعد أن خاضت، برفقة الولايات المتحدة، حربا طويلة ضد الاتحاد السوفيتي الشيوعي خلال الحرب الباردة، “وجدت نفسها الآن مضطرة للتعامل مع الصين (الشيوعية) لتأمين موقع المملكة الإقليمي”.
وتابع: “بينما تروج الولايات المتحدة لفكرة الابتعاد عن المنطقة، يجد حلفاؤها أنفسهم بلا خيار سوى التعامل مع الصين لملء فراغ القوة المزعزع للاستقرار الذي خلفه رحيل واشنطن”.
وأردف أنه “من خلال التوسط في التقارب بين السعودية وإيران، نجح الصينيون في إظهار قيمتهم المحتملة في لعب هذا الدور. وبينما يبدو أن الولايات المتحدة تفضل الابتعاد عن المنطقة للتركيز ظاهريا على التهديد الصيني (في آسيا)، فإن الصينيين يتجهون نحو المنطقة للتنافس مع واشنطن لتأمين مصالحهم”.
“نظريا، يمتلك الصينيون فقط الأدوات والنفوذ لرعاية عملية خفض تصعيد أكبر وأكثر ديمومة في العراق وسوريا ولبنان واليمن (ساحات تنافس على النفوذ بين السعودية وإيران)”، بحسب اليحيي.
نظام أمني صيني
وقال اليحيي إن “الصين تنظر اليوم إلى الشرق الأوسط على أنه ساحة رئيسية للتنافس مع الولايات المتحدة”.
وتابع أنه “من خلال ترسيخ نفسها كضامن للأمن الإقليمي ولتدفق النفط العالمي، تلقي الصين في سلة المهملات نظام الأمن الإقليمي الأمريكي القائم منذ حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي، والذي تم تأسيسه على تكلفة هائلة من المال وحياة الأمريكيين والعرب”.
وأضاف أن “النظام الأمني الأمريكي في المنطقة عاني من ضربات على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، من الانسحاب من أفغانستان والعراق إلى السماح لروسيا بتأسيس موطئ قدم في شرق البحر المتوسط (سوريا) إلى ترخيص الدوافع الإيرانية التوسعية وبرنامجها النووي من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي لعام 2015)”.
واستطرد بالقول: “لم يظهر بعد أي بديل موثوق للقيادة الأمريكية، لكن يمكن للصين الصاعدة، التي توسطت في التقارب بين إيران والسعودية، تغيير هذه المعادلة بسهولة”.
وشدد على أن “حقيقة أن واشنطن قد تفضل عدم التنافس مع الصين على النفوذ في المنطقة لن تحمي الشرق الأوسط أو الأمريكيين من عواقب المعركة التي يبدو أن الصين مصممة على الفوز بها”.
المصدر | محمد اليحيي/ معهد هوفر – ترجمة وتحرير الخليج الجديد