بعد إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من قبل المحكمة الجنائية الدولية مؤخراً، يتبادر للأذهان السؤال حول سبب عدم تطبيق الإجراء نفسه على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي لا تقل الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتكبها هو ونظامه والتي وثقت بتقارير أممية وحقوقية، بل ولربما تفوق عدد المجازر التي ارتكبت في أوكرانيا بالإبادة الحاصلة بحق الشعب السوري منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية ضده عام 2011.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط 2022، دعمت الدول الغربية أوكرانيا مادياً وعسكرياً وانهالت بالعقوبات على بوتين ورؤوس نظامه منذ الشهر الأول للغزو.
ولفهم السياق الذي أقر استحقاق بوتين لهذه المذكرة ومعرفة إذا ما كان يمكن تطبيقها على حليفه بشار الأسد، لابد من فهم آلية عمل المحكمة والشروط التي أفضت إلى إصدار هذه المذكرة.
آلية عمل المحكمة الجنائية الدولية؟
تمنح المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، والمسماة نظام “روما الأساسي”، دولة ما الولاية القضائية بناءً على ارتكاب أربع جرائم رئيسية هي:
- جريمة الإبادة الجماعية
بالنوايا المحددة للقضاء الكلي أو الجزئي على مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بقتل أعضائها أو بوسائل أخرى.
- الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية
وهي انتهاكات خطيرة تُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق ضد أي مدني، وتشمل الأشكال الـ 15 للجرائم ضد الإنسانية المدرجة في نظام “روما الأساسي” (مثل القتل والاغتصاب والسجن والاختفاء القسري والاسترقاق) لا سيما ضد النساء والأطفال والاستعباد الجنسي والتعذيب والفصل العنصري والترحيل.
- جرائم الحرب التي تعد انتهاكات جسيمة لاتفاقيات “جنيف” في سياق النزاع المسلح
وتشمل استخدام الأطفال كجنود، وقتل أو تعذيب أشخاص مثل المدنيين أو أسرى الحرب، وتعمد توجيه هجمات ضد المستشفيات أو الآثار التاريخية أو المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية).
- جريمة العدوان
استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها أو استقلالها، واعتمد تعريف هذه الجريمة من خلال تعديل نظام “روما الأساسي” في المؤتمر الأول له في كمبالا، أوغندا، في عام 2010.
وحول ماهية الولاية القضائية، والخيارات التي تكون أمام الدول الأطراف، أوضح الدبلوماسي السوري، والباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، داني بعاج، في حديث إلى موقع “تلفزيون سوريا”، أن نظام “روما الأساسي” أنشأ المحكمة الجنائية كولاية قضائية مكملة للولايات القضائية الوطنية، أي أن الدول التي تكون أحد أطراف هذه المحكمة، سيكون لديها ثلاثة خيارات:
- أن تعطي الدولة ولاية كاملة مباشرة للمحكمة بأن تأتي لتحقق بأية انتهاكات أو جرائم حرب ممكن أن تكون تعرضت لها أو وقعت على أراضيها، أو ارتكبت من قبل أحد مواطني الدولة نفسها.
- أن تكيف الدولة قوانينها الداخلية، بحيث تجرم الانتهاكات أو جرائم الحرب التي هي من اختصاصات المحكمة الجنائية المختصة بها بقانون الدولة المحلي، وبالتالي سيتم اتخاذ الإجراءات داخل الدولة نفسها، من دون الرجوع لمحكمة الجنايات الدولية.
- في حال تجريم الدولة لهذه الأفعال في قوانينها الوطنية، إلا أنها لا تملك القدرة أو ليس لديها رغبة في القيام بالتحقيق، فهنا تستلم القضية محكمة الجنايات الدولية.
وفي الحالة الأخيرة وهي إعلان الدولة إعطاءها الولاية لمحكمة الجنايات الدولية لتحقق بالجرائم، وهو ما فعلته أوكرانيا، إذ إنها لم تكن طرفا بـ”نظام روما”، وبالتالي فهي ليست طرفا بالمحكمة الجنائية الدولية.
وعندما بدأ الغزو الروسي أعلنت أوكرانيا مباشرة إعطاءها لمحكمة الجنايات الدولية الولاية الكاملة للتحقيق في جرائم الحرب التي تحدث على أراضيها لعدم قدرتها على ذلك بسبب الحرب.
وأوضح أنه في هذه الحالة وأياً كانت جنسية المجرم طالما أن الانتهاك ارتكب على الأراضي الأوكرانية فهذا الانتهاك أصبح من ولاية محكمة الجنايات الدولية لتحقق فيه.
“كان عليه أن يعلم”
إن الفكرة الأساسية من القانون الجنائي الدولي هي مسؤولية الرئيس عن أفعال مرؤوسيه، ومن هنا تأتي أهمية محاكمة رؤساء الدول، لأنهم لا يستطيعون أن يدّعوا عدم معرفتهم بحدوث الانتهاك.
وإن القانون الجنائي الدولي يقول “كان عليه أن يعلم”، فعندما ارتكب الجيش الروسي انتهاكات بأوكرانيا فإن بوتين، مسؤول عن هذه الانتهاكات لأنه كان عليه أن يعلم وهو لم يحقق بتلك الانتهاكات وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة والذي يعتبر مسؤولا أساسيا عن كل هذه الانتهاكات التي تحدث في أوكرانيا.
هل يوجد إمكانية لتطبيقها في سوريا؟
يرى بعاج أن هذه الحالة ليست موجودة حتى الآن في سوريا، لأن سوريا ليست موجودة كطرف في محكمة الجنايات الدولية حتى تقوم المحكمة بالتحقيق، ولم يتم تأكيد أن أحد المنتهكين يحمل جنسية دولة هي طرف في محكمة الجنايات الدولية، لأن روسيا ليست طرفا كما أن أميركا ليست طرفا، لذا لم تنطبق على سوريا هذه الشروط.
وأضاف أن الحل الوحيد في سوريا لتحقيق تحرك في محكمة الجنايات، هو إما بقرار من مجلس الأمن وهو ما تقوم روسيا دائماً بتعطيله، أو عبر محاولة تفعيل “المادة 15” من ميثاق روما الأساسي بتقديم شكوى.
في آذار 2019، رفع محامون أول قضيتين ضد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بحسب ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
وكانت القضايا باسم 28 لاجئا سوريا في الأردن، قالوا إنهم أجبروا على النزوح من بلدهم، وطالبوا المحكمة بالتحقيق في جرائم محتملة ضد الإنسانية منذ بداية الاحتجاجات ضد النظام السوري عام 2011.
وبما أن سوريا ليست عضواً في “نظام روما”، فلا يمكن رفع قضايا دولية ضد حكومتها.
ولكن المحامين استخدموا سابقة للمحكمة، بما يخص الأحكام في قضايا الانتهاكات التي سجلت للاجئي الروهينجا من حكومة ميانمار بعد لجوئهم إلى بنغلادش.
وقرر القضاة النظر في قضايا اللاجئين لأن بنغلاديش من الدول الأطراف في “نظام روما”.
وعليه رُفعت قضيتا اللاجئين السوريين لنفس السبب، حيث إن الأردن عضو طرف في المحكمة الجنائية الدولية، بحسب “BBC”.
ما الذي عطل الدعوى ضد بشار الأسد؟
يرى بعاج أن الحرب في أوكرانيا لعبت دوراً كبيراً في توجيه الاهتمام الكامل لها مع الأخذ بعين الاعتبار أن المحكمة الجنائية محدودة الموارد من حيث عدد المحققين القضاة لمتابعة الأدلة.
وأصبح هنالك ضغط سياسي كبير باتجاه فتح التحقيق في أوكرانيا التي أعطت الولاية للمحكمة فبدأ التحقيق فيها، أو على الأقل هذا ما يدعيه أكرم خان المدعي العام للمحكمة الدولية.
وحول عدم تقدم الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية يرى بعاج أن هنالك خلطة من التسييس وقلة الموارد وعدم الاهتمام بالملف.
ومما لا شك فيه بأنه ليس هنالك دفع سياسي دولي باتجاه المحكمة لتتابع التحقيق في قضية الانتهاكات المقدمة عن سوريا، ويوجد تلكؤ عند المحكمة نفسها لأنها مشغولة بقضايا كبيرة متل أوكرانيا، ولا تطلب موارد إضافية لتفتح قضايا أخرى.
الشكاوى عبثية بلا قرار من مجلس الأمن
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إن الإعلان عن الشكاوى التي تقدم بها سوريون لمحكمة الجنايات الدولية هي غير دقيقة والهدف منها ممكن أن يكون دعائيا أو استعراضيا إذ سبقها إعلانات سابقة مشابهة من قبل ناشطين أو من قبل “الائتلاف الوطني السوري”.
وأوضح عبد الغني أن المحكمة الجنائية الدولية هي “غير مختصة وليس لها ولاية على سوريا”، لعدم مصادقة سوريا على نظام “روما الأساسي”، ولعدم وجود طلب من مجلس الأمن للمحكمة للنظر في الدعاوى المتعلقة بمحاسبة بشار الأسد على الانتهاكات المرتكبة في سوريا.
وأكد عبد الغني أن أي شخص يمكنه أن يتقدم بشكوى ويرسل رسالة إلكترونية ويرفقها بمستندات، ولكنها لا تعني شيئا إذ إن كل تلك الشكاوى هي فقط على حساب أعصاب الناس ومشاعرها في سبيل تحقيق الشهرة.
وحذر مدير الشبكة من أن بناء توقعات وهمية أو رفع سقف توقعات السوريين وعائلات الضحايا هو أمر تكرر في أكثر من مناسبة، وأنه من الأفضل مصارحة بالسوريين بالخطوات التي يمكن فعلاً أن تحرز تقدماً ما “دون الكذب عليهم وبيعهم مجرد وهم”، بحسب قوله.
مذكرات دولية سابقة لا تشمل “الرئيس”
في حزيران 2018، أصدر المدعي العام الفيدرالي في ألمانيا مذكرة توقيف دولية بحق اللواء جميل حسن، رئيس فرع المخابرات الجوية في النظام السوري، وذلك على خلفية شكوى مقدمة من سوريين، وبمساهمة كل من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، والمركز السوري للدراسات القانونية.
وفي العام ذاته أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية أيضاً بحق ثلاثة من المسؤولين الكبار في الاستخبارات وحكومة النظام السوري، من بينهم رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، بتهمة التورط في جرائم حرب.
وكان السبب من المذكرة بسبب قضية اختفاء أب وابنه يحملان الجنسيتين السورية والفرنسية (مازن وباتريك دباغ)، اللذين اعتقلتهما المخابرات الجوية في تشرين الثاني 2013 في سجن المزة، واختفيا بعدها.
الدبلوماسي داني بعاج أوضح أن حصانة رئيس الجمهورية عن الأعمال في الولاية القضائية العالمية هي موجودة، ويؤخذ بالحصانة وبالتالي القانون الفرنسي لا يستطيع أن يصدر مذكرة جلب أو توقيف طالما أنه يشغل منصب رئيس البلاد.
وكذلك القضاء الأوروبي، فالولاية العالمية تسمح بالمحاكمة لمجرمي حرب ولكنها لا تكسر حصانتهم.
وهو الفارق بينها وبين محكمة الجنايات الدولية، التي تعتبر المحكمة الوحيدة التي تعتبر حصانة رئيس الجمهورية ليس لها قيمة أمام أحكامها، فتطلب التوقيف حتى لو كان الشخص على رأس عمله، مهما كان منصبه، والدول الأطراف ملزمة بالتنفيذ.
وعلى سبيل المثال، إذا اتجه بوتين إلى أي دولة هي طرف في نظام روما فيفترض بها أن تسلمه.
ولكن اليوم في حالة بشار الأسد إذا مورس الضغط حقوقياً وسياسياً من الممكن جداً أن تخلص المحكمة الجنائية الدولية دراستها للشكوى المقدمة بهذا الشأن وتصدر مذكرة توقيف دولية بحق الأسد.
حصيلة الضحايا المدنيين في سوريا
ووثقت الشبكة السورية في آخر تقرير لها، منذ انطلاق الثورة السورية وحتى 15 من شهر آذار الحالي، مقتل 201 ألف و55 شخصاً، بينهم 22 ألفاً و981 طفلاً، و11 ألفاً و976 سيدة على يد قوات النظام السوري. بينما قتلت القوات الروسية الموجودة في سوريا 6950 سورياً بينهم 2048 طفلاً، و977 سيدة.
وأكد التقرير على أن 135 ألفاً و253 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري بينهم 3691 طفلاً، و8473 سيدة على يد قوات النظام السوري.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا