زيارة الزعيم الصيني تشي جين بينغ التي بدأت أمس الإثنين وتنتهي الأربعاء، تثير أهدافها وما يمكن أن تحققه أسئلة أكثر من الأجوبة، سيما وأن ما أعلنه الطرفان بهذا الشأن يبقى ضمن العموميات. التخمينات والتوقعات تكاد لا تحصى، لكن معظمها يجمع أن “خطة السلام” التي أعلنتها الصين في سنوية الحرب الأوكرانية، ستكون على جدول أعمال مباحثات تشي ـــ بوتين. كما أن معظمها يجمع على أن مهمة بوتين في المحادثات مع الزعيم الصيني قد تكون الأصعب من كل محادثاته مع قادة الدول الآخرين، حيث أنه، وللمرة الأولى، هو الطرف الأضعف وليس كما كان يظهر في لقاءاته مع الرؤساء الآخرين.
الصين نجحت في مبادرتها الإيرانية السعودية، والتي تخطت التطبيع الدبلوماسي إلى السياسي الرفيع الذي أكدته دعوة الملك السعودي الرئيس الإيراني لزيارة الرياض وإعلانه عن قرب إجتماع وزيري خارجية البلدين. هذا الإنجاز يدفعها لترسيخه بنجاح “خطة السلام” لوقف العمليات القتالية في الحرب الروسية على أوكرانيا. لكن زيارة الزعيم الصيني المحتملة لمدينة ماريوبول الأوكرانية المحتلة التي أثارت غضب كييف، تضاعف الشكوك في هذا النجاح، ولأسباب كثيرة غير سبب الزيارة الثانوي بالمقارنة مع ما تضمنته من إنحياز واضح لروسيا.
التخمينات حول أهداف الزيارة وإمكانيات نجاحها، كانت شديدة التنوع، إختلط فيها المتخيل والواقعي، المتشائم والمتفائل، الداعم والمناهض والكثير سواها. ووسع رقعة التنوع تكتم الصينيين والروس حول كل ما يحيط بالزبارة. ويجمع معظم المواقع الإعلامية على التأكيد بأن ما سنعرفه عن نتائج الزيارة ومسارها والإتفاقيات الموقعة في ختامها، سيكون ضئيلاً للغاية. فليس من عادة النظامين المتنافسين على وراثة التركة البولشفية الإكثار من البوح والعلانية.
السينمائي البريطاني ألكس فيرمان إفترض في مدونة على موقع Kasparov المعارض بأن تشي سيبحث في موسكو مسألة خلافة بوتين. وحصر فيرمان خيارات الخلافة بثلاث شخصيات: رئيس الوزراء ميخائيل ماسوشيستين (وفقاً للدستور) ، رئيس بلدية موسكو سيرغي سابيانين والرئيس الروسي الأسبق دمتري مدفيديف. والبوليتولوغ الروسي فلاديمير باستوخوف المقيم في لندن منذ سنوات، وفي مدونة على الموقع عينه، مقتنع بأن تشي يذهب إلى موسكو في “زيارة ثأر”. فيقول بأن ماوتسي تونغ إجتمع العام 1950 (وهو اللقاء الوحيد باعتقاده) مع ستالين في لقاء تصرف خلاله ستالين بوصفه “الأخر الأكبر”، في حين أن ماو، ولعدم توفر إمكانية التهرب من اللقاء، حاول قدر المستطاع الا يبدو “الأخ الأصغر”. إعتبر ماو أن اللقاء كان مهيناً، وعبر غير مرة في محيطه الضيق عن إحتقاره لستالين، حيث كان يعتبر أن للصين تقاليد ثقافية أكثر عراقة، وأنها تتفوق على الإتحاد السوفياتي بما لا يقاس في عدد السكان وهذا ما جعله لا ينسى الإهاناتً التي وجهتها روسيا الإمبراطورية للصين.
الدبلوماسي البيلوروسي السابق ورئيس “الهيئة الشعبية المناهضة للأزمات” بافل لاتوشكو، وفي مقابلة مع قناة الإذاعة الأميركية التي تبث من براغ currenttime، قال في تعليق على زيارة الزعيم الصيني لموسكو “نحن نشهد قيام محور شر: موسكو، مينسك، طهران وبيونغ يانغ. فهل تنضم بكين”. ويبدو أن لاتوشكو الناشط في الدفاع عن ضحايا القمع والمعارضين البيلوروس خلص إلى إستنتاجه هذا من خلال متابعة نشاط الرئيس البيلوروسي لوكاشنكو في زيارتيه المتقاربتين إلى الصين وإيران.
لفت إنتباه لاتوشكو التطابق بين من يتحادث معهم بوتين ولوكاشنكو( بوتين زار إيران الصيف الماضي، ويستضيف الأن الزعيم الصيني)، ويتوصل إلى إستنتاجه بشأن محور الشر المفترض. ويرى أن إنضمام الصين إلى المحور يتوقف على نتيجة المحادثات مع بوتين، وكذلك مع زيلينسكي إذا صح ما توقعته The Wall Street Journal عن عزم الزعيم الصيني التفاوض معه عبر أونلاين.
وفي رده على سؤال عن المتوقع أن يبحثه الزعيم الصيني مع بوتين خلال محادثتهما، قال لاتوشكو بأنه كان يتوقع أن تقوم الصين خلال سنة من الحرب، على الأقل، بمبادرة ما لوقف الحرب. لكن يبدو من خلال ما تقدمت به في سنوية الحرب بأنها لا تفهم الوضع على حقيقته: من هو المعتدي في هذه الحرب، وإصرار الأوكران على الإنتصار فيها. وبدت البنود 12 التي إقترحتها الصين لوقف العمليات القتالية، وكأنها صيغت في موسكو، وليس في بكين. ويعتقد أن الصين كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي ستواصل لعب دور في البحث عن الحل الوسط الكفيل بتسهيل الخروج من الوضع. لكن فرص نجاح هذا الدور متدنية حتى الحدود الدنيا، حيث أن “خطة” الصين لا يأخذها أحد بالحسبان اليوم.
ويرى لاتوشكو أن الصين ليس من مصلحتها زوال روسيا او إنهيارها، وذلك لأن هذا سيؤدي إلى تعزيز النفوذ الأميركي.
الحرب الروسية على أوكرانيا ليست النقطة المركزية في محادثات بوتين ــــ تشي، بل واحدة من نقاط جدول الأعمال، كما أعلن مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف. وكما لاحظت الخدمة الروسية في BBC لم يرد ذكر الحرب الأوكرانية في إعلان وزارتي خارجية البلدين الجمعة المنصرمة في 17 الجاري بشأن تأكيد موعد الزيارة، ولأول مرة منذ تحدث بوتين عن ذلك في إتصاله السنوي التقليدي بالزعيم الصيني في نهاية السنة الماضية، ودعاه لزيارة موسكو في الربيع. اللافت، أن تشي تجاهل دعوة بوتين للزيارة ولم يرد لا سلباً ولا إيجاباً.
في سياق نص موقع الخدمة الروسية في 17 الجاري عن الزيارة أشار إلى نص سابق نشره بعد إعلان بوتين عن دعوته تلك، وقال في عنوانه حينها: “محادثات بوتين وتشي: روسيا تسعى للتعاون العسكري، بينما الصين تمدح موسكو لاستعدادها للسلام”. ونقل عن الباحث في مركز كارنيغي ألكسندر غابوييف قوله بأننا لن نعرف الكثير عن الحرب والصفقات التي سيتم توقيعها في ختام لقاء بوتين ـــ تشي. وبين أمور أخرى، سوف يبحث الزعيمان في تصدير المعدات الروسية والحلول التكنولوجية إلى الصين، والتي سنعرف عنها في وقت لاحق. وليس من الواضح ما إن كان الزعيمان سيتطرقان إلى البحث في المساعدات العسكرية لروسيا( موضوع قلق الغرب في الزيارة). والصين، برأيه، ليست مهتمة أين يمر خط الجبهة “100 كلم إلى الشرق، 100 كلم إلى الغرب” وعلمُ مَن يرفرف في باخموت. كل ما يهمها هو ألا تؤدي الحرب إلى إنهيار النظام الحالي في روسيا ووصول حكومة ديموقراطية موالية للغرب إلى السلطة في موسكو. وبما أن هذا غير مرجح حتى الآن، فالصين ليست معنية بالإقدام على اية تحركات غير متوقعة. ويرجح غابوييف أن تنتهي المحادثات إلى إقرار حزمة كبيرة من الإتفاقيات الإقتصادية والبحث في توسيع التبادل التجاري بالعملات الوطنية.
ويصف الباحث “خطة السلام” التي إقترحتها الصين على روسيا وأوكرانيا ب”ورقة تين” تسمح لها بالمجيء إلى موسكو وتعزيز العلاقات مع روسيا، من دون أن يبدو ذلك وكأنه سخرية منها في وضعها التفاوضي الضعيف الراهن. ويؤكد الخبير أن لدى الصين الكثير من الخيارات، وعدم التساوي في العلاقات كان قائماً حتى قبل الحرب. لكن بعد بدء الحرب، تعزز موقع الصين التفاوضي في هذا الثنائي وأصبح أقوى بكثير، ويزداد قوة مع كل شهر يمر على المواجهة الجيواقتصادية بين روسيا والغرب والحرب في أوكرانيا.
المصدر: المدن