اثنا عشر عاماَ من الزمان، والثورة السورية العظيمة تستمر تألقاً وحيوية زخماً وعطاء… تحدياً وجلداً. وايماناً صلداً بالنصر النهائي.
وبإسقاط رمز العمالة والطاغوت وأركانه إلى مزابل التاريخ…
تلك هي رسالة الأمس التي تبدت في المناطق المتعددة التي نزل إلى ميادينها شباب الثورة وفرسانها، نعم تلك كانت هي الرسالة الثانية عشر للثورة السورية إلى العالم أجمع. العالم الذي ظهرت عوراته اللاأخلاقية على محك انطلاقتها وسيرورتها….
لكن، وبالمقابل. كان للثورة رسالة اخرى باتت في متناول جميع السوريين عامة والثوار خاصة. وهي الرسالة التي تتحدث عن غياب القيادة الثورية والتي بات انتاجها أكثر من أمر ملح وأكثر من ضرورة لكي تحسم الثورة معركتها. وتنهي صراعها…
وإذا كان تاريخ الثورات قد أعلمنا ان انتصار جميع الثورات كان بوجود قيادات لها تدير شؤونها وتنظمها وتحسن تفاعلها مع ادوات الصراع التي تواجهها، كذلك أعلمنا ان هذه القيادة لم تكن الا نتاجا للجدل الطبيعي القائم بين البنى الاجتماعية المختلفة التى تنبثق الثورة من صفوفها. وكانت الفئات الاكثر وعيا ونخبوية هي الرافد لهذه القيادة….
من هنا نرى ان غياب القيادة لثورتنا انما يرتبط بالحالة النخبوية الكامنة في مجتمعنا والتي وللأسف كشفتها الثورة وعرت موقعها ودورها المعطوب فيها، وهو الأمر الذي لا زال يفرض نفسه على المسار الثوري وحركيته وبالتالي لم يساعد في عملية انتاج القيادة الثورية التي نحتاجها حتى الان.
الا أن والأمر بات ملحاحاً وبات مكشوفا من مختلف جوانبه وخاصة لجهة اهمية عنصر المثقف ودوره الرائد ومساهمته في انتاج هذه القيادة، فقد اخذ مفهوم المثقف العضوي واهميته يحتل مساحة من ساحات النقاش والاضاءة في سبل البحث عن الية انتاج القيادة الثورية، هذا المصطلح الذي أطلقه غرامشي والذي استنتجنا صحة معناه من خلال معايشتنا ومراقبتنا وتحليلنا للدور الذي لعبه المثقف أو النخبوي السوري في الثورة منذ انطلاقتها حتى اليوم…
حيث لمسنا كم كانت الفجوة هائلة بين ما عناه مفهوم المثقف العضوي وبين ما اُلبس للمثقف أو النخبوي السوري من دور ومن مهمات نفذها في حالة تصدره للمشهد الثوري من خلال المجلس الوطني لقوى الثورة وتداعيات هذا الدور واشكاله المتعددة في مؤسسات الائتلاف، الهيئة العامة للتفاوض، اللجنة الدستورية، الحكومة المؤقتة…و.و الخ، والتي عرفت جميعها بمؤسسات الثورة الرسمية التي باتت تسمى لاحقا بالمعارضة السورية والتي يرفضها الشارع والحراك الثوري بمجملها ومن ثم تالياً تحول القسم اللافت من المثقفين النخبويين للقيام بدور ما يشبه الاحتراف بما يسمى بالمحلل السياسي والاستراتيجي للثورة…والذي طغى ولازال على المشهد النخبوي في الثورة السورية… وهذا ما يسمح لنا القول أن الثورة اليوم لازالت بحاجة إلى هذا المثقف العضوي الذي يعيش احداث الثورة وتفاعل صراعاتها مع القوى المتنازعة وادواتها التي تؤثر في حركيتها وتعمل على كبح تقدمها ودفعها الى مهاوي الافلاس وطمس الرؤية الثورية لديها وتحويلها الى كم من الأطر البشرية تتطلع مكرهة الى الخلاص والنجاة بأي شكل وبأي مخرج كان….من الوضع الكارثي الذي دفعت إليه،
وهو ما يسمح لنا أيضا القول أن الثورة السورية العظيمة لا زالت بحاجة الى المطالبة بأن يغادر مثقفوها أو نخبويوها حالة المثقف المراقب الذي ارتضى ان يتموضع في دائرة المتابع عن بعد أو من فوق وأن يترك للثورة ميكانيزماتها الخاصة بها ولغلبة المتآمرين عليها فيصفها ويحللها ويتنبأ بمجرياتها ومآلاتها مسقطاً عن قصد ودون قصد من تفكيره الدور الرائد لحالته النخبوية أي حالة المثقف العضوي التي انبأنا بها التاريخ والتي لازلت الثورة تؤشر الى حاجتها الملحة لمثل هذا الدور لتنتج قيادتها الثورية الصادقة فهل آن الآوان لأن يغادر نخبويونا تموضعهم المشار اليه الى حيث اختمار وتصارع الاحداث وانتاجها..
الاحداث الثورية التي تعتمل في صفوف الثوار صفوف ابناء شعبنا المناضل في سبيل الحرية والتحرير وتناهض بها جميع المعوقات والمكبلات والتي لابد ان تتجاوزها وان تحقق انتصارها. في حال تم انتاج القيادة الثورية المطلوبة.