ماذا بعد زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة؟

أحمد عبد الحكيم

يقول شكري إن هناك “إرادة سياسية” لعودة العلاقات بين البلدين وتشاويش أوغلو يأمل في عدم قطعها مجدداً وسط حديث عن لقاء مرتقب بين السيسي وأردوغان

في خطوة هي الأولى منذ 11 عاماً استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو اليوم السبت في مؤشر جديد إلى المضي قدماً باتجاه إصلاح العلاقات بين البلدين، بعد نحو 10 سنوات من التوتر.

وعكست المحادثات التي كانت “صريحة ومتعمقة وشفافة”، وفق تعبير الوزير المصري، عزم البلدين على إعادة الدفء إلى العلاقة بينهما وتطويرها على المستويات كافة، وذلك بعد زيارة أجراها شكري إلى تركيا الشهر الماضي بهدف إظهار تضامن بلاده مع أنقرة في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وأدى إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا والمصابين.

وأوضح مصدر مصري مطلع لـ”اندبندنت عربية” أن “مسار استعادة كامل العلاقات بين القاهرة وأنقرة بات مسألة وقت بعد حلحلة معظم القضايا العالقة بين البلدين”، ملمحاً إلى “عمل الجانبين عبر القنوات الدبلوماسية للتحضير لقمة لم يتم الاتفاق بعد على مكانها بين الرئيسين المصري والتركي لإنهاء عقد من القطيعة”.

وعشية الزيارة أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن “زيارة وزير خارجية تركيا إلى مصر تعد بمثابة تدشين لمسار استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين وإطلاق حوار معمق حول مختلف جوانب العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك وبهدف الوصول إلى تفاهم مشترك يحقق مصالح الدولتين والشعبين الشقيقين”.

عودة مرتقبة للعلاقات

وخلال مؤتمر صحافي جمع الوزيرين بعد اجتماع ثنائي مغلق ومحادثات موسعة بحضور وفدي البلدين، قال سامح شكري إن الحوار مع تركيا في خصوص إمكانية إعادة العلاقات إلى مستوى السفراء ستجرى “في الوقت الملائم وفقاً لما تأتي به من نتائج إيجابية”، مشيراً إلى وجود “أرضية صلبة لعودة العلاقات لطبيعتها”.

ومع التأكيد على أن محادثات المسؤولين كانت “صريحة ومتعمقة وشفافة”، أوضح شكري أنه “يحترم العلاقة الشخصية التي تجمعه بنظيره التركي وتواصلهما المشترك في الفترة الماضية”، مشدداً على وجود “الإرادة السياسية والتوجيهات من قبل رئيسي البلدين عندما اجتمعا في الدوحة لإطلاق المسار للوصول إلى التطبيع الكامل للعلاقات بعد تطورات الأعوام الماضية”.

واعتبر الوزير المصري أن العلاقات بين أنقرة والقاهرة “ممتدة وتاريخية”، معرباً عن “أمله في استمرار التواصل والتنسيق”.

من جانبه قال الوزير التركي إن بلاده سترفع علاقتها مع مصر إلى مستوى السفراء “في أقرب وقت ممكن” وأضاف، “سعيد جداً لأننا اتخذنا خطوات ملموسة لتطبيع العلاقات مع مصر، سنبذل قصارى جهدنا حتى لا تقطع العلاقات بيننا مرة أخرى في المستقبل”.

وبحسب تشاويش أوغلو فقد تم “الاتفاق على طي صفحة التوتر واتخاذ خطوات لعودة العلاقات لطبيعتها فوراً”، مشدداً على أن “زيارته للقاهرة هدفها تحسين العلاقات الثنائية”.

ومع الإشارة إلى تطرق المحادثات لكل القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، أوضح تشاويش أوغلو أن الاجتماع تناول “قضايا ليبيا وسوريا والعراق”، لافتاً إلى أن “العلاقة بين تركيا ومصر تاريخية ويجب تعزيزها”.

في موازاة ذلك تحدث وزير الخارجية التركي عن وجود استثمارات كبرى مشتركة مع مصر، معرباً عن رغبته في زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين ومضاعفة الاستثمارات.

وفي وقت سابق أمس الجمعة أعلنت الخارجية التركية أن تشاويش أوغلو سيزور مصر اليوم تلبية لدعوة من نظيره شكري في زيارة هي الأولى من نوعها لوزير خارجية تركي منذ 11 عاماً.

ماذا بعد الزيارة؟

وذكرت مصادر دبلوماسية مصرية تحدثت إلى “اندبندنت عربية” أن “مسار عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة يمضي في مساره وذلك منذ المصافحة التي تمت بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على هامش حضورهما افتتاح كأس العالم في قطر”.

وبحسب مصدر دبلوماسي مصري، فإن “البلدين اتخذا خطوات سريعة منذ تلك المصافحة باتجاه مسار عودة العلاقات والتواصل، على رغم التعثر الذي أصابه قبل ذلك بأشهر جراء بعض الملفات الخلافية العالقة وعلى رأسها الملف الليبي وملف غاز المتوسط”، مشيراً إلى أن هناك “عملاً وتنسيقاً جاريين بين البلدين في الوقت الراهن لعقد قمة بين السيسي وأردوغان ربما تكون في النصف الثاني من العام الحالي وبعد الانتخابات الرئاسية التركية المقررة في مايو (أيار) المقبل”.

من جانبه قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق جمال بيومي “يبدو أن عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة باتت مسألة وقت وتأتي في سياق توجه إقليمي عربي وإسلامي شامل نحو تهدئة التوترات وحلحلة الملفات العالقة”.

وعبّر بيومي عن رغبته في أن تنعكس عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة على حلحلة ملفات إقليمية بعينها، على غرار الملف الليبي والملف السوري اللذين يشهدان تبايناً في المواقف بين الجانبين، معتبراً أن “الحفاظ على المصالح القومية للدول يأتي من العلاقات الطيبة والمحادثات الدبلوماسية وليس انتهاج مسارات المواجهة”.

كذلك، وصف السياسي التركي غواد غوك الزيارة بأنها “خطوة عملية من تركيا نحو استعادة العلاقات مع مصر”، مشدداً على أن “الزيارة تاريخية وتتطلب مزيداً من الخطوات السريعة في غضون الأيام والأسابيع المقبلة للبناء على نتائجها”.

واعتبر غوك أن “الخطوة المرتقبة ستكون تبادل السفراء بين البلدين مع مزيد من الخطوات الإيجابية المتبادلة نحو تهدئة التوتر في الملفات الخلافية، لا سيما في ليبيا وسوريا وشرق المتوسط”.

ووفق المصدر الدبلوماسي المصري، فإن “أنقرة ترغب في إحراز تقدم على صعيد ملف ترسيم الحدود في مياه شرق المتوسط، فضلاً عن الانضمام إلى منتدى غاز المتوسط الذي يتخذ من مصر مقراً له. في المقابل، طالبت القاهرة أنقرة بدعم مسار الانتخابات في ليبيا وإنهاء ملف استضافة عناصر جماعة الإخوان المسلمين”.

يشار إلى أن العلاقات بين القاهرة وأنقرة كانت توترت بشدة عام 2013 في أعقاب إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان التي تصنفها السلطات المصرية على أنها “إرهابية”، وحينها وصف أردوغان الذي كان حليفاً للجماعة نظيره المصري بأنه “طاغية”، معلناً أنه لن يتواصل “أبداً” مع شخص مثله.

وعام 2021 بدأت العلاقات بالتحسن تدريجاً مع انطلاق المشاورات بين مسؤولين بارزين في وزارتي خارجية البلدين، وسط مساع تركية لتخفيف التوترات مع مصر والإمارات وإسرائيل والسعودية.

وفي إطار تلك المصالحة المبدئية، طلبت أنقرة من قنوات تلفزيونية مصرية معارضة تعمل في تركيا التخفيف من حدة انتقاداتها لمصر، لكن مع استمرار التباين في ملفات إقليمية على رأسها الملف الليبي وغاز شرق المتوسط، تعثرت المشاورات السياسية بين البلدين إلى أن تمت المصافحة بين السيسي وأردوغان في نوفمبر الماضي على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم بقطر.

وتباينت مواقف تركيا ومصر خلال الأعوام الأخيرة في شأن ليبيا، إذ دعمت القاهرة وأنقرة فصائل متناحرة في صراع لا يزال قائماً، وكذلك في ما يتعلق بالحدود البحرية في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالغاز.

وعلى وقع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في 6 فبراير (شباط) الماضي وأدى إلى مقتل 48500 في هذا البلد، أجرى السيسي اتصالاً هاتفياً بأردوغان في إشارة عكست مرة أخرى التقارب بين البلدين.

وعلى رغم الخلافات السياسية، لم تتوقف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين طوال أعوام التوتر، وعلى المستوى التجاري زادت التبادلات بين البلدين من 4.4 مليار دولار عام 2007 إلى 11.1 مليار دولار في 2020، بحسب مركز “كارنيغي” للأبحاث، وكانت أنقرة عام 2022 أول مستورد للمنتجات المصرية بقيمة 4 مليارات دولار.

وفي ضوء الأزمة الاقتصادية التي تواجهها القاهرة مع ارتفاع نسب التضخم وتدني سعر صرف عملتها المحلية، فضلاً عن سعيها إلى مواجهة النقص الحاد في النقد الأجنبي، كان لافتاً تعهد شركات تركية الشهر الماضي بضخ استثمارات جديدة في مصر بقيمة 500 مليون دولار.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى