حول الغزو الروسي الشامل أوكرانيا إلى أكبر حقل ألغام في العالم يوازي مساحة بريطانيا العظمى، ولذك يعد التلوث بالألغام والذخائر إحدى المشاكل الملحة والأكثر إيلاماً بالنسبة إلى لأوكرانيا، بينما قد تكون إزالة الألغام في البلاد أكبر تحد يواجه خبراء نزع الألغام منذ الحرب العالمية الثانية. وكانت أوكرانيا تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد ضحايا انفجار الألغام والذخائر حتى قبل الغزو الروسي. أعلنت وزارة الداخلية الأوكرانية نهاية العام الماضي أن المساحة التي تحتاج إلى التطهير من الألغام تبلغ 185 ألف كيلومتر مربع ما عادل 30% من أراضي أوكرانيا كلها ومن بينها المناطق المحررة من الاحتلال الروسي وتلك التي لا تزال تدور المعارك فيها تعتبر أكثر تلغيماً. ومن المرجح أن مهمة إزالة ألغام قد تستغرق 70 سنة نظراً لمدى التلوث والموارد المتاحة حالياً. لذلك، أعلنت وزارة الاقتصاد الأوكرانية عن الحاجة الماسة لعقد اجتماعات على غرار رامشتاين بهذا الشأن. ويتطلب الحل الأكثر فعالية لهذه المهمة الدعم المالي والتكنولوجي والتنظيمي للشركاء الأجانب إلى جانب تنسيق جميع العمليات في أسرع وقت ممكن.
عدد حالات وفاة وتشويه المدنيين بسبب انفجار ألغام روسية آخذ في الازدياد. يترك المحتلون الروس وهم يفرون علامات الموت عن طريق زرع ألغام في منازل المدنيين والمدارس والمستشفيات والحدائق والغابات والشواطئ وحتى ألعاب للأطفال وجثث القتلى ما ينبه إلى تكتيكات مقاتلي داعش في العراق وسوريا حيث حاولوا قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين من خلال ترهيب الناس وتخويفهم من العودة إلى ديارهم. كلما طال أمد الاحتلال الروسي للأراضي الأوكرانية زادت صعوبة إزالة الألغام منها لاحقاً.
تستخدم روسيا ألغام بي اف إم-1 على نطاق واسع، وتعتبر الأخطر على المدنيين، وتعرف باسم ألغام الفراشة وهي التي تحظرها اتفاقية أوتاوا لعام 1999 التي انضمت إليها أوكرانيا عام 2005. وهذه الألغام ليس لديها مبدأ التدمير الذاتي ولذا تشكل خطراً لسنوات عديدة حتى انفجارها. يقوم الجيش الروسي بزرع مثل هذه الألغام في مناطق الخطوط الأمامية في أوكرانيا. من خصائصها المميتة أنها تغطى بالغبار وأوراق أشجار وتصبح غير مرئية بعد ساعات قليلة من زرعها. على الرغم من أنها لا تحمل قوة تدميرية كبيرة فإنها يمكن أن تصيب بجروح خطيرة. على سبيل المثال، وقع مؤخراً حادث إصابة سبعة مراهقين بجروح جراء شظايا ألغام الفراشة وإصابة فتاة بصدمة نفسية في مدينة إيزيوم المحررة بمقاطعة خاركيف. وأصيب عدد كبير من المدنيين بجروح خطيرة على وجه التحديد جراء انفجار ألغام الفراشة الروسية. عادة ما يؤدي التلامس مع هذا النوع من الألغام الأرضية إلى إصابات أو فقدان أحد الأطراف، الأمر الذي يكون مرعباً للغاية إذا حدث ذلك لطفل. منذ بداية الحرب الروسية لقي 185 أوكرانياً حتفهم بسبب الألغام الروسية وأصيب 404 أشخاص.
لا شك أن إزالة الألغام عملية طويلة الأمد قد تستغرق سنوات أو حتى عقوداً. وهذا يعني أن الأجهزة المتفجرة تهدد حياة المدنيين وتمنع حرث الأراضي الأوكرانية الخصبة وعودة الأوكرانيين الذين أجبروا على الفرار من أهوال الحرب إلى ديارهم ما دامت موجودة. وقالت وزارة الداخلية الأوكرانية إن نحو ألف متخصص أجنبي ممن يساعدون اليوم في إزالة الألغام من أراضي أوكرانيا يجدون صعوبات في إزالتها بسبب طرق زرعها الخبيثة التي لم يروا مثلها من قبل في حياتهم المهنية.
تستخدم روسيا تقنية التلغيم الجماعي عن طريق إطلاق قذائف عنقودية تحمل ألغام الفراشة بحيث في بعض الأحيان يمكن أن تصل كثافتها إلى مئة لغم للهكتار الواحد. ولا يزرع الروس ألغاماً في المناطق حيث تجري الأعمال القتالية فحسب بل أيضاً في مستوطنات بأكملها ومنازل خاصة وشقق وحدائق ومدارس ورياض أطفال، وذلك لقتل أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين، بما في ذلك الأطفال، أو إصابتهم أو تخويفهم. في حقيقة الأمر، تقتل روسيا المدنيين وتدمر البنية التحتية وتمحو مدناً وقرى بأكملها عن وجه الأرض وهي تقول إنها تستهدف المنشآت العسكرية حصراً، الأمر الذي يدل على ارتكاب روسيا إبادة بحق الشعب الأوكراني.
ولذا، يجب اعتراف جميع الدول الغربية بروسيا كدولة إرهابية ووقف الإرهاب والحرب في وسط أوروبا بالجهود المشتركة. وإذا مد الحلفاء يدهم في مواجهة العدوان الروسي فستتعزز القوى العالمية التي تدعم الديمقراطية وسيادة القانون. لذلك، حان الوقت لدعم الغرب لأوكرانيا سياسياً وأخلاقياً وعسكرياً ما يعتبر أمراً معقولاً وضرورياً لانتصار الديمقراطية على الإرهاب والشر اللذين يجلبهما بوتين ونظامه.
المصدر: معهد روبرت لانسيغ