تناقش لجنة من كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين كيف يمكن للجدل الداخلي المتوتر في إسرائيل أن يؤثر على القضايا الحيوية المتعلقة بالتأهب العسكري، والتقدم النووي الإيراني، والإرهاب الفلسطيني، وغيرها من المواضيع.
“في 6 آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً مع ديفيد ماكوفسكي، وشمريت مئير، ويعكوف عميدرور، وعوزي ديان، وزوهار بالتي. وماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المتميز في المعهد ومدير “مشروع كوريت” حول “العلاقات العربية الإسرائيلية”. ومئير عملت مستشارة بارزة للشؤون الخارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت. وعميدرور هو زميل “آن وغريغ روسهاندلر” الأقدم في “معهد القدس للاستراتيجية والأمن” ومستشار سابق لشؤون الأمن القومي الإسرائيلي. وديان شغل عدة مناصب من بينها رئيس “فرع التخطيط” في “جيش الدفاع الإسرائيلي” ومستشار للأمن القومي. وبالتي هو “زميل دولي” في معهد واشنطن والرئيس السابق لـ “مديرية استخبارات الموساد”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
ديفيد ماكوفسكي
تشهد إسرائيل احتجاجات حاشدة تشارك فيها مختلف الفئات الشعبية على خلفية مشروع تعديل النظام القضائي الذي تسعى الحكومة الجديدة إلى تمريره منذ استلامها السلطة ويهدف إلى إعادة تحديد توازن القوى. ورداً على ذلك، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ جميع الأطراف إلى الحوار، مشيراً مؤخراً إلى أن الحكومة على وشك التوصل إلى تسوية مع معارضي رزمة الإصلاحات القضائية.
ويثير الحد من استقلالية القضاء مخاوف على صعيد الأمن القومي أيضاً. فقد ربط الكثيرون من المراقبين مباشرة بين هذه المسألة ومكانة إسرائيل على الساحة الدولية. علاوةً على ذلك، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، صرّح الآلاف من جنود الاحتياط في “الجيش الإسرائيلي” بأنهم سيمتنعون عن تأدية واجباتهم ولو بدرجات متفاوتة.
شمريت مئير
تشكّل هذه الأحداث مرحلة حرجة ومؤسفة في تاريخ إسرائيل، لا سيما وأنها تمثل مأزقاً تسببت بها بنفسها في وقت يتعين عليها تسخير مواردها لمواجهة التحديات الأمنية الخارجية. وتبرز في هذا السياق ثلاث عواقب على صعيد الأمن القومي، هي: أعمال العنف الفلسطينية، وتقدّم إيران على الصعيد النووي، واحتمال الحسابات الخاطئة.
أولاً، يشكل الفلسطينيون خير دليل على كيفية تأثير استمرار الصراع وانقسام الحكومة على التحركات الوطنية. فللسنة الثالثة على التوالي، ستلمس إسرائيل في شهر رمضان انعكاسات ضعف “السلطة الفلسطينية”. ويتطلب ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية غير المنظمة الناتجة عن ذلك والتي لا تتبناها أي جهة رداً مدروساً ومنسقاً، وهو ما لا يبدو أن إسرائيل قادرة على تقديمه في الوقت الحالي. فخلال شهر رمضان في عامي 2021 و 2022، أثرت أعمال العنف بشكل ملحوظ على استقرار الحكومة، وقد يثير شهر رمضان الوشيك هذا العام القلق أيضاً.
ثانياً، شكل قرار الولايات المتحدة بعدم العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بمثابة انتصار لحكومة بينيت-لابيد، ولكن تداعياته تتطلب تنسيقاً وثيقاً مع البيت الأبيض. ويتعيّن على إسرائيل أيضاً أن تتحد لمواجهة التحدي المباشر الذي يشكله تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 90 في المائة. فانقسام الحكومة يضرّ بجميع الإسرائيليين.
ثالثاً، يخاطر الأعداء أكثر فأكثر بسوء التقدير، إذ يُظهر “حزب الله” مؤخراً استعداداً أكبر لتحدي إسرائيل. وإذا استمر الجدل لفترة طويلة جداً، سيصل الوضع الأمني في النهاية إلى نقطة الانهيار. ولكن على الرغم من هذه المخاطر، لا تزال الكنيست تَعْقد جلساتها وما زال احتمال نجاح مساعي الرئيس هرتسوغ قائماً.
عموماً، تضم إسرائيل مجموعة واسعة من الفئات الاجتماعية والدينية والسياسية، ولا يمكن بصنع السياسات أن يصب في مصلحة فئة واحدة فقط على حساب الأخرى. ويكمن الأمر الإيجابي في الجدل الدائر حالياً في أن الاحتجاجات المعارضة للإصلاح لا تزال تحت شعار القومية الإسرائيلية. وخلال المراحل القادمة، على طرفي الجدال الامتناع عن استخدام اللغة الثورية والتمسك بهويتهما المشتركة كإسرائيليين.
من جانبها، فإن إدارة بايدن في موقف صعب حيث يتعين عليها تجنب التدخل في الشؤون السياسية الإسرائيلية ولكنها قد تكون أقل استعداداً أو قدرة على حماية حليفتها في المحاكم الدولية. وبالتالي، ستكون إسرائيل في وضع أفضل في ظل وجود حكومة وحدة (وطنية) وليس حكومة أيديولوجية منحازة لجانب واحد. وكانت حكومة بينيت-لابيد ملتزمة بإدارة شؤون البلاد بطريقة مختلفة – فهي لم تسع إلى تغيير السياسات الأساسية التي وضعتها الحكومات السابقة. يتعيّن على الإسرائيليين مجدداً إيجاد أرضية مشتركة.
يعكوف عميدرور
إذا استمر الجدل القضائي دون حل، فإن بعض قدرات إسرائيل العسكرية ستضعف حتماً، ولا سيما في “سلاح الجو” (القوات الجوية). ومن غير المرجح أن تواجه الفروع الأخرى مشاكل كبيرة، إلا أن “سلاح الجو” يشارك بصورة كبيرة في جميع الحروب الإسرائيلية، لذا فأي تحديات داخلية تواجهها البلاد قد يكون لها تداعيات خطيرة. ولهذا السبب فإن احتمال مشاركة جنود احتياط في القوات الجوية في أعمال احتجاجية يضع الكثير من الضغط على النظام. وإذا تفاوضت الحكومة معهم بشأن التوصل إلى حل وسط، فقد تعتبر الفئات المحلية الأخرى أنها قادرة على انتزاع تنازلات منها. إن الوضع معقد للغاية لكلا الجانبين، ولكل منهما أسبابه الوجيهة لرفض التوصل إلى حل وسط.
وفي الوقت الحالي، إن الرئيس الإسرائيلي هو الوحيد القادر على التوسط في مثل هذه التسوية، لكن لم تبرز بعد مفاوضات جادة. فعناصر المعسكر المناهض للإصلاحات منقسمون لأنهم ينتمون إلى حركة شعبية لا يقودها سياسيون. لكنهم لا يراوغون وسيصعّدون احتجاجاتهم إذا لزم الأمر.
وعليه، سيتعين على الحكومة والمحتجين التعاون لإيجاد حل، ومن الضروري أن يتحد المجتمع الإسرائيلي. ولا تكمن المشكلة في عدم تأدية بعض الوزراء في الحكومة الخدمة العسكرية بل في الانقسام المتسّع بين المعسكرين الليبرالي والمحافظ. فرفض الحكومة أخذ رأي المعارضة في الاعتبار ورفض المعارضة المشاركة في الحوار يضران بقدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود. وبالتالي، سيكون لكيفية انتهاء الجدل تداعيات مهمة على الأمن القومي.
وفيما يتعلق بالتأثير المحتمل للجدل على عمليات البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل، فلن تكون حزمة الإصلاحيات القضائية في حد ذاتها مسؤولة بشكل مباشر عن أي آثار سلبية، بل على العكس، سيكون للقرارات الفردية التي يتخذها قادة القطاع التكنولوجي تأثير أكبر بكثير.
عوزي ديان
إن كبرى تداعيات الجدل القضائي هي داخلية، ولا سيما الضرر الذي تخلّفه على التماسك المجتمعي. وهذه مسألة يتعين على الإسرائيليين حلّها بأنفسهم. كما أن التهديد الحقيقي لم يتبلور بعد وهو انتهاء إيران من تطوير قدراتها النووية، وهو هدف تسعى طهران إلى تحقيقه حالياً. فـ”الجيش الإسرائيلي” هو المؤسسة الإسرائيلية الوحيدة القائمة على جنود الاحتياط، لذا من شأن أي رفض لتأدية الخدمة العسكرية أن يخلّف أثراً فعلياً. وإذا ما أصبحت إيران دولة نووية، ستبقى جميع مشاكل الشرق الأوسط كما هي، إلا أن كل دولة ستواجه تهديداً إضافياً.
ناهيك عن إيران، تتمثل المهمة الأكثر أهمية لإسرائيل في التعامل مع الإرهاب. ويمكن أن تكون “السلطة الفلسطينية” جهة فاعلة رئيسية في هذه المسألة، إلا أنها لا تضطلع بأي دور حالياً. ومن شأن مساعي مكافحة الإرهاب غير الفعالة أن تسمح للجماعات الإرهابية بالعمل بحرية وسط إخراج سياسة إسرائيل واستراتيجيتها عن مسارها. فإسرائيل لا تكافح الإرهاب لحماية نفسها فحسب، بل لحماية حلفائها أيضاً. على الولايات المتحدة الإقرار بهذا الأمر والامتناع عن محاولة إملاء السياسة على القدس، والإقدام بدلاً من ذلك على تقديم الدعم المستمر لجهود مكافحة الإرهاب وإيران على حد سواء.
ويُعتبر الحوار غير المشروط أساسياً لحل الجدل القضائي. وعلى الرغم من الاضطرابات الحالية، نجحت إسرائيل في معالجة ثلاثة تحديات أمنية رئيسية في البلاد: المياه والطاقة والديموغرافيا. وإذا عجزت عن التوصل إلى حل وسط بشأن القضايا القضائية، فلن يبقى أمامها سوى تنظيم جولة أخرى من الانتخابات أو إجراء استفتاء. ومع ذلك، وعلى غرار الديمقراطيات الأخرى، ستصمد ديمقراطية إسرائيل خلال هذه الفترة العاصفة. وعلى الرغم من أن الإصلاحات تضرّ بالحقوق الفردية، إلا أنها لا تلحق أي ضرر بالديمقراطية الإسرائيلية.
زوهار بالتي
هذه هي أعمق أزمة داخلية شهدتها إسرائيل في السنوات الأربعين الماضية، وسوف تؤثر على صنع القرارات في بعض المسائل الأمنية. فلطالما كانت المحكمة العليا درعاً لأجهزة الأمن الإسرائيلية العاملة في الضفة الغربية ولبنان وأماكن أخرى. وفي إطار الجدل الحالي، لا يفهم بعض المسؤولين الحكوميين موقف الجيش وتأثير قراراته على المسائل العسكرية غير المتعلقة بالسياسة. وقد تمثلت إحدى هذه النتائج في التنافر الشديد في المجتمع الإسرائيلي، حتى داخل العائلات. وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، يطرح الكثير من المواطنين أسئلة عميقة عن الخدمة العسكرية.
وإذا تعرضت إسرائيل لهجوم حالياً، فبإمكانها الدفاع عن نفسها على وجه التأكيد؛ إلا أن الرد على تهديد وجودي يستلزم وحدة مجتمعية، سواء خلال فترة الرد أم بعدها. ويُعتبر التخصيب النووي الإيراني من أسوأ هذه التهديدات على الإطلاق، ولكن الوضع الداخلي السيئ يستنزف قدرات إسرائيل. أما بالنسبة لـ “حزب الله”، فمن غير المرجح أن يُقدم على أي خطوة استراتيجية ناتجة عن سوء تقدير في الوقت الحاضر؛ علماً بأن خطر أكبر بكثير يأتي من جماعة كـ”حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”.
باختصار، لم يكن أمن إسرائيل أكثر ضعفاً مما كان عليه قبل الجدل القضائي، إلا أن استمراره من دون التوصل إلى حل وسط من شأنه أن يشكل تهديداً أمنياً خطيراً. ومن خلال الحوار المناسب، قد يؤدي الجدل إلى تعزيز الديمقراطية الإسرائيلية، ولكن الإصلاحات الحالية ثورية.
وأخيراً، يقف قطاع التكنولوجيا المتقدمة في وجه رزمة الإصلاحات القضائية المقترحة. وبالتالي، سيكون من الصعب على إسرائيل الحفاظ على مستواها الحالي في البحث والتطوير وعلى صورتها كـ”دولة” ناشئة متقدمة.
أعد هذا الملخص ديفيد باتكين.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى