أدلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الاثنين كلمة أعلن فيها على الملأ وللمرة الأولى عن دعمه وصول سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة في لبنان، وذلك بعد صدور مؤشرات ضمنية عن الحزب خلال الأشهر الأخيرة تظهر تأييده لفرنجية، إنما من دون إضفاء طابع رسمي عليها، ربما خوفًا من أن يفسح ذلك المجال لاستهداف فرنجية سياسيًا وتقويض حظوظه.
قال نصر الله إن “المرشح الطبيعي الذي ندعمه في الانتخابات الرئاسية ونعتبر ان المواصفات التي نأخذها بعين الاعتبار تنطبق عليه هو الوزير سليمان فرنجية”. كذلك، تطرّق نصر الله إلى حليف حزب الله السابق، التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل، الذي يعارض انتحاب فرنجية، قائلًا: “عندما نعلن دعمنا للوزير سليمان فرنجية، هذا ليس إخلالًا بالتفاهم ]مع التيار الوطني الحر في العام [2006، فلكلٍ الحرية باختيار المرشح الذي يناسبه”.
هدف الكلام التصالحي الموجّه إلى التيار الوطني الحر إلى ضمان عدم إقدام نوّابه على مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس. فوفقًا للدستور اللبناني، كي يُصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية في الدورة الأولى من التصويت، يجب أن يحظى أحد المرشحين بغالبية ثلثَي مجلس النواب، على أن ينال بعدها غالبية مطلقة، أي 65 صوتًا. لكن يجب تأمين النصاب كي تُعقد الدورة الثانية. يدرك حزب الله أن امتناع التيار الوطني عن حضور جلسة الدورة الثانية إلى جانب الكتلتَين المسيحيتَين الأخريَين، الأولى بقيادة القوات اللبنانية والثانية بقيادة حزب الكتائب، قد يطلق مسعى أوسع نطاقًا لتعطيل النصاب.
أين تكمن أهمية المسألة؟
تعرّض حزب الله لبعض الضغوط من أجل اتّخاذ موقف رسمي بشأن ترشيح فرنجية لأن صمت الحزب بدأ يقوّض باطّراد مصداقية فرنجية كمرشح رئاسي. في غضون ذلك، ربما يخاطر حزب الله في هذه الخطوة، لأن ترشيح فرنجية أصبح الآن محطّ مفاوضات محتملة. فمثلما دعم خصوم حزب الله ترشيح ميشال معوض – وهو منافس فرنجية، وأيضًا مسيحي ماروني من زغرتا – مدركين أنهم قد يتخلّون عن ترشيحه لاحقًا خلال المحادثات حول مرشّح توافقي، فقد فتح حزب الله بدوره الباب أمام احتمال التفاوض من خلال تسمية المرشّح الذي يفضّله. ربما لدى الحزب ضمانات بأن العدد الكافي من الأصوات مؤمّن لتحقيق فوز فرنجية، بيد أن الأرقام لا تزال غير واضحة في الوقت الراهن.
على سبيل المثال، لا بدّ من ترقّب ما إذا ستتبنّى الكتلة التابعة للزعيم الدرزي وليد جنبلاط ترشيح فرنجية. فمن دون دعم جنبلاط، ستكون حظوظ فرنجية ضئيلة، وربما هذه هي النقطة التي توخّتها المبادرة التي أطلقها جنبلاط في الآونة الأخيرة بشأن الرئاسة. في غضون ذلك، من المفهوم على نطاق واسع أن السعودية تعارض انتخاب فرنجية رئيسًا إذ تعتبره حليف حزب الله، ومن المستبعد جدًّا أن يخاطر جنبلاط بتقويض علاقاته مع المملكة من خلال الإيعاز لنوابه بالتصويت لفرنجية.
ثمّة عامل آخر ينبغي تحديده وهو ما إذا كان لحزب الله وفرنجية ما يكفي من الأصوات داخل كتلة التيار الوطني الحر الأوسع لترجيح الكفة لصالح فرنجية ومنحه قدرًا من الشرعية المسيحية (فالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب جميعها كتلٌ مسيحية بشكل أساسي، ورئيس الجمهورية اللبناني هو مسيحي ماروني). على سبيل المثال، أشار الوزير السابق الياس بو صعب، الذي عُيِّن سابقًا ضمن حصّة التيار الوزارية، إلى أنه قد يصوّت لفرنجية. وعلى نحو مماثل، قد يعمد حزب الطاشناق الأرمني، الذي يشكّل جزءًا من كتلة التيار الوطني الحر النيابية وتربطه علاقات وثيقة مع إيران وسورية اللتَين تدعمان فرنجية على ما يبدو، إلى التخلّي بدوره عن باسيل والتصويت لصالح فرنجية.
ما المضاعفات على المستقبل؟
لفت البعض إلى أن إعلان نصر الله دعمه لفرنجية يعني أنه نجح في تأمين الأصوات اللازمة لإيصاله إلى سدة الرئاسة. ربما هذا الأمر صحيح، لكن لا بدّ من الإشارة مجدّدًا إلى أن موقع فرنجية كان يضعف لأن الحزب لم يكن قد تبنّى ترشيحه بعد. الوقت وحده كفيلٌ بتحديد أيٍّ من التحليلَين هو الأصح.
لكن الأكيد أن فرنجية لا يلبّي إطلاقًا توقّعات المجتمع الدولي والكثير من الدول العربية. فالسعوديون خصوصًا قد يعتبرون أن انتخابه يشكّل استفزازًا لهم، ما من شأنه أن يدفع دول الخليج إلى النأي بنفسها عن الشؤون اللبنانية على مدى السنوات المقبلة. وإن لم يوافق السعوديون على الرئيس، عندئذٍ من المستبعد أن يقدّم القطريون، الذين بإمكانهم التوسّط مع الإيرانيين وحزب الله، مساعدات مالية إلى لبنان، كما قيل إنهم تعهّدوا مؤخرًا.
في غضون ذلك، تبحث دول كثيرة، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا، عن رئيس يمكنه المضيّ قدمًا بالإصلاحات الاقتصادية ولا تربطه أي علاقة مع القيادة السياسية الفاسدة في البلاد، أي بعبارة أخرى عن شخصية تُعدّ نقيض فرنجية. لم يتم لغاية الآن تنفيذ أيٍّ من الإصلاحات الأساسية التي اتفق عليها لبنان مع صندوق النقد الدولي بصورة طوعية، ومن شأن تولّي فرنجية الرئاسة أن يزيد قناعة صندوق النقد والبنك الدولي بأن لبنان ليس جديًّا بشأن اتّخاذ تدابير للتخفيف من حدّة أزمته الاقتصادية.
على حزب الله أن يكون حذرًا للغاية. إذا انتُخِب فرنجية بأكثرية كبيرة من الأصوات المسلمة وبشكل يتعارض مع تفضيلات الكتل البرلمانية المسيحية الأساسية، فسيؤدي ذلك إلى ردّ فعل طائفي قوي، إذ سيتّحد المسيحيون في إدانة الأحزاب المسلمة لفرضها مرشّحها على طائفة تعارض فرنجية. ونتيجةً لذلك، قد تصبح عملية الحكم صعبة للغاية على فرنجية، إذ سيواجه هجمات مشتركة من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب، ما سيرغمه على الاعتماد على حزب الله للصمود سياسيًا. قد يؤدّي كلّ ذلك إلى إيقاع لبنان في مأزق الجمود التام، ويفاقم الأوضاع الاقتصادية الكارثية أساسًا، ويزيد الاستياء المسيحي من حزب الله.
المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط