يحلو لبعض الأردنيين تسمية المناطق الثرية غرب العاصمة عمان بـ”Jordan” في إشارة إلى طبقة من الأغنياء تقطن في هذه المناطق التي يتسم بعضها بمظاهر الثراء الفاحش، كالقصور والفلل والسيارات الفارهة.
وفي الوقت الذي تزداد فيه نسب الفقر في الأردن، فإن نسبة الأثرياء تتزايد، إذ تتكدس الثروات بيد نحو 10 في المئة من المواطنين، وسط تراجع كبير للطبقة الوسطى.
لكن منذ عام 2010 تمتنع السلطات الأردنية عن الإفصاح عن نسبة كل طبقة في البلاد، إذ تشير آخر إحصائية إلى أن الطبقة الفقيرة تقارب 40 في المئة، بينما الوسطى لا تتجاوز 20 في المئة، في حين أن الطبقة الغنية تصل نسبتها لـ40 في المئة.
وفقاً لهذه المعطيات القديمة يدور الحديث اليوم عن وجود نحو مليون ونصف المليون فقير في الأردن الذي يقارب عدد مواطنيه من دون المقيمين من الجنسيات الأخرى نحو سبعة ملايين نسمة.
اضمحلال الطبقة الوسطى
أستاذ الاقتصاد مازن مرجي يرجع اتساع الفجوة في الدخل بين الفقراء والأغنياء في الأردن إلى أسباب عدة، من بينها اضمحلال الطبقة الوسطى التي يفترض أن تشكل ما نسبته 60 في المئة من مجموع أي دولة، لأن الاقتصاد يقوم على هذه الطبقة المنتجة والقادرة على تحريك القطاعات كلها.
وقال مرجي إنه لم يكن هناك فرق واضح بين الفقراء والأغنياء في الأردن قبل نحو 30 عاماً، حيث كان عدد الأغنياء محدود، وثروات معظمهم جاءت إما من الخارج أو بفعل مشاريع صناعية حيوية، كما أن الطبقة الغنية سابقاً لم تكن تمارس سلوكيات اجتماعية ذات بعد طبقي، كما هي الحال اليوم.
طفرة عقارية
وأشار إلى أنه بعد ثورة النفط وتوجه الأردنيين للاغتراب وتحديداً في الخليج العربي، تزايدت الثروات وتصاعد الاستثمار، مضيفاً “بعد حرب الخليج حدثت طفرة عقارية في الأردن إثر عودة ملايين الأردنيين المغتربين الذين حصلوا على تعويضات، أو جمعوا ثرواتهم من عملهم في تلك الدول، وكل ذلك كان مدفوعاً بزيادة الطلب على العقار والتوسع السكاني في المملكة، حيث ظهرت طبقة من الأغنياء جمعوا ثرواتهم من خلال بيع الأراضي بأسعار فلكية، مما زاد الفجوة بين الأغنياء والفقراء”.
ومع تدفق اللاجئين السوريين إلى البلاد ومن قبلهم اللاجئين العراقيين، زاد الطلب بشكل هائل على العقار وبيعت مئات الآلاف من الشقق، كما بيعت فلل وقصور بمبالغ خرافية وصل سعر بعضها إلى أكثر من 20 مليون دولار.
لماذا ازداد الفقر؟
من بين الأسباب التي يوردها الخبير الاقتصادي مازن مرجي لارتفاع نسب الفقر جائحة كورونا، وقال “كل دول العالم فيها نسب فقر، لكن لا ينبغي أن تزيد على سبعة في المئة، وفي الحالة الأردنية الأرقام تتصاعد سنوياً مع ثبات الرواتب وزيادة الضرائب”.
ويتحدث عن وجود شبكة أمان اجتماعي غير حقيقية في الأردن، لأنها لا تمنع سقوط الطبقة الوسطى، كبرامج المعونة الوطنية والتنمية والتشغيل، لكن ما يحدث هو أن الفقر أصبح برنامجاً تتبناه الحكومات، لأنه يغنيها عن القيام بواجبها وهو ما يفسر تراجع ريعية الدولة، وترك المواطن لوحده في مواجهة برامج التصحيح الاقتصادي وخطط البنك الدولي والخصخصة من دون أي دعم وحماية.
وفي ما يخص الوظائف وفرص العمل، فقد أغلقت تماماً في وجوه المواطنين الأردنيين باستثناء القطاع الخاص، وبعض القطاعات الحكومية كالصحة والتعليم، كما تراجعت فرص العمل في دول الخليج العربي بعد أن كانت لسنوات بمثابة متنفس لكثير من الأردنيين، ومصدر دخل مهم للدولة من خلال تحويلات المغتربين.
ولا يستثني مرجي الفساد والهدر المالي والترهل الإداري والمحسوبية باعتبارها بعض أسباب اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ووجود فرز واضح وعلني بين الطبقتين فضلاً عن أسباب اجتماعية.
ودائع بـ60 مليار دولار
تقدر قيمة ودائع الأردنيين في البنوك بنحو 60 مليار دولار، وهو رقم يشير إلى عدم المساواة في توزيع الدخل القومي بين السكان، لأسباب من بينها عدم عدالة النظام الضريبي الذي يساوي بين الفقير والغني.
أما انخفاض الأجور فيعد مثالاً صارخاً على اتساع الفجوة، إذ لا تزيد رواتب معظم الأردنيين على 366 دولاراً شهرياً، وهو الحد الأدنى للأجور المعمول به في البلاد.
تقوم فلسفة الضرائب وفق رئيس جمعية جذور لحقوق المواطن فوزي السمهوري على العدالة وتحصيلها مقابل الخدمات، فضلاً عن إنفاقها على الطبقة الفقيرة، لكنها في الأردن تستنزف جيوب الفقراء فقط.
في المقابل، ارتفعت مديونية الأفراد لدى البنوك في الأردن إلى 16 مليار دولار، مع وجود نحو مليون ونصف المليون مقترض.
وأنتجت سياسة الاقتراض والتسهيلات التي قدمتها البنوك الأردنية خلال السنوات الماضية نحو مليون متعثر معظمهم من التجار المطالبين بسداد أكثر من ملياري دولار وفقاً للبنك المركزي الأردني.
المصدر: اندبندنت عربية