يعود لبنان إلى القارعة السورية. ينظر اللبنانيون إلى “الانفتاح” العربي على دمشق. بعضهم يعارض وبعضهم الآخر يتأمل، والبعض الثالث يراقب وينتظر. المعارضون يحاولون التخفيف من الوطأة، ولا يتوانون عن التعبير عن اعتراضهم، كما قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع: “إنه من المخزي حقاً ان نرى وفداً من البرلمانيين العرب يستفيد من مأساة الزلزال الذي حلّ بالشعب السوري لكي يقابل بشار الأسد. إن الوفد البرلماني العربي الذي التقى بشار الأسد، أمس، تناسى أنه إذا كان الزلزال قد قتل في أسوأ الحالات 7 آلاف مواطن سوري، فإن نظام الأسد قتل مئات الآلاف”. آخرون يفضلون عدم الكلام، فثمة من لا يزال ينتظر الجثة، وثمة من يراهن على أن تبعث حية.
“مشكلة” برّي
يبدو الواقع اللبناني مشابهاً للواقع العربي إزاء المواقف، ومنقسمة تجاه النظام السوري. في لبنان، طرف يتحمس لإعادة تعويم النظام ولعبه دور سياسي في لبنان. مقابل طرف آخر يعارض ويراهن على انعدام القدرة على تحقيق ذلك. فيما طرف ثالث يفضل الانتظار ويسعى إلى مواكبة هذا المسار، إنطلاقاً من مواكبة المسار العربي كما هو الحال بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي أرسل وفداً برلمانياً إلى دمشق، وأرسل موفداً عنه إليها أيضاً وهو النائب أيوب حميد، لتمثيله ضمن وفد رؤساء البرلمانات العربية. في مواقفه يحرص برّي دوماً على الإشارة إلى ضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولكنه يعلم أن هناك مشكلة بينه وبين دمشق منذ اندلاع الثورة. إذ أن برّي اتخذ موقفاً متوازناً في هذا المجال، وكان يشير إلى حرصه على الدولة السورية وعلاقاتها مع الدول العربية. بينما من يعرف في حقيقة العلاقة يعلم أن هناك توتراً من جهة رئيس النظام السوري بشار الأسد تجاه برّي. لكن الإيقاع الذي يختاره رئيس المجلس تجاه دمشق يرتبط بإيقاع يعبّر عنه صراحة تجاه السعودية، من خلال التشديد على الحوار معها وبينها وبين إيران، بالإضافة إلى موقفه من إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
تناقضات عربية
هذه المواقف اللبنانية، تقابلها تناقضات عربية أيضاً. فهناك من ذهب إلى فتح العلاقات مع سوريا، كدولة الإمارات، سلطنة عمان، الأردن وصولاً إلى مصر، والتي زار وزير خارجيتها دمشق والتقى الأسد. في المقابل، هناك دول عربية لا تزال معارضة لذلك، أبرزها دولة قطر، فيما السعودية والتي لديها تواصل أمني مع النظام، لديها أيضاً شروطها لترفيع مستوى التنسيق أو العلاقة إلى الجانب السياسي، فيما تتضارب المواقف حيال ما يمكن للسعودية أن تقدم عليه. المتحمسون يعتبرون أن السعودية تسلك طريق التطبيع مع دمشق، وأنها لا تريد ترك الساحة لدول عربية أخرى، ولا لإيران وتركيا فقط. فيما آخرون يعتبرون أن السعودية لن تقدم على هذه الخطوة من دون تحقيق أهداف سياسية أساسية، أبرزها الإلتزام بالمسار السياسي بموجب القرار 2254 وبما يتعلق بالنفوذ الإيراني وغيرها.
بشار والتفاصيل اللبنانية
بقدر الاهتمام اللبناني بتطورات الوضع العربي مع سوريا، فإن ما سمعه زوار دمشق مؤخراً، ينطوي على إهتمام سوري بتفاصيل الوضع في لبنان. حسب ما ينقل الزوار، فإن الأسد قد سألهم عن تفاصيل التفاصيل اللبنانية، وتعمّد أن يظهر مدى متابعته للوقائع اللبنانية اليومية في المجالات السياسية، الاقتصادية، وحتى الواقع الاجتماعي، ولم يغب عنه تناول العلاقة مع “عائلات” لبنانية لديها علاقات اجتماعية مع النظام.
تقصّد الأسد الإطلالة التفصيلية على الملف اللبناني، لإفهام ضيوفه بأنه مهتم ويتابع. وبذلك تعبير عن جموح متجدد يريد إظهاره، تعبيراً عن تعاف. وهو ما يسارع اللبنانيون إلى استعادته بمعادلة “السين-السين”. علماً أن العقلاء يعتبرون أنه لا يزال من المبكر الذهاب إلى مثل هذه الاستنتاجات، خصوصاً أن الأسد، بداية، يحتاج إلى استعادة الكلام والحوار السياسي العربي معه، وبعدها سيكون منهمكاً في وضعيته الداخلية.
وبذلك يمكن أن يخلص المرء إلى استنتاج واحد يتعلق في معادلة النهر. فعودة الأسد إلى لبنان عبر النهر متأخرة، لا سيما أن الجريان معاكس، وبالتالي هناك من يخرج ليقول له بالتعبير القروي اللبناني: “مشمّر والنهر بعيد”. أما من ينتظر الجثة على ضفة النهر، فإنه سيتأخر أيضاً لأن منسوب الجريان خافت.
المصدر: المدن