في مضمون كلام نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب، عن وضع خريطة طريق لما بعد اتفاق ترسيم الحدود، وهي تتعلق بوضعها بين يدي رئيس الجمهورية الجديد، مؤشر واضح حول الارتباط السياسي لملف الترسيم. وهذا من شأنه أن يوضح أكثر التصعيد الذي ذهب إليه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وإعادة التلويح باستخدام القوة في حال منع لبنان من استخراج نفطه، بينما قد بدأت اسرائيل بتصدير الغاز.
تخيلات لم تتحقق
جاء تصعيد نصرالله بعد تبدد مجموعة “تخيلات” لبنانية بأنه ما بعد الترسيم سيتم الوصول إلى تسويات كثيرة على الساحة اللبنانية، وسيحصل لبنان على أوكسيجين، بمعزل عن أي تسوية سياسية تقتضي الالتزام بشروط خارجية، بالإضافة إلى الاعتبار بأن أي تسوية سياسية أو رئاسية يمكن الوصول إليها ستكون في صالح حزب الله ومحوره، أي على قاعدة أن التنازل في ملف الترسيم سيمنح الحزب فرصة لإعادة انتاج السلطة في لبنان، كما كان الحال في تسوية انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.
شيء من هذه التخيلات لم يتحقق بعد. لا الأوكسيجين الخارجي وصل، خصوصاً في ظل تعثر إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وفي ظل الموانع التي بقيت مرفوعة أمام إيصال الفيول الإيراني. سياسياً، لم ينعكس الترسيم إيجاباً على مسار انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في ظل استمرار الشروط الدولية الواضحة، وصولاً إلى اجتماع باريس، والذي أعاد التذكير بالمسار العام الذي لا بد للبنان من سلوكه، لإنضاج تسوية تكون قادرة على الحدّ من الانهيار والانفتاح على الخارج، بغية الحصول على مساعدات منه.
أصل العرقلة
لا تزال هذه الشروط قائمة ومفروضة. ولذلك لا يزال السؤال المطروح بحثاً عن إجابة عليه، إذا ما كانت عرقلة الوصول إلى توافق أو تسوية من مسؤولية اللبنانيين أم أنها بنتيجة استمرار العقدة الخارجية. القوى الدولية المهتمة بالملف اللبناني تشير إلى أن خريطة الطريق قد وضعت والكرة في ملعب اللبنانيين للاتفاق فيما بينهم، وأن الدول توافق على ما يتوافقون عليه. بينما في لبنان هناك من يعتبر أن هذا الكلام يعني عدم نضوج الظروف الإقليمية والدولية التي ستتيح الوصول إلى الاتفاق الرئاسي وتشكيل الحكومة، خصوصاً أن مثل هؤلاء يستبعدون القدرة التعطيلية الطويلة للديناميكية الداخلية.
داخلياً، لا شك أنه حتى الآن هناك ديناميكية معطّلة، في ظل عدم التوافق على الساحة المسيحية أولاً، أو على الساحة الوطنية ككل. الخلافات المسيحية في التوجهات الرئاسية مستمرة، والخلافات بين قوى مسيحية وبين الثنائي الشيعي أيضاً قائمة، وهذا لن يسهل الاتفاق. لذلك هناك من يراهن على إشارات قد تأتي من الخارج تسهم في تليين بعض المواقف الداخلية.
مقايضة رئيس برئيس
أما بالعودة إلى تصعيد نصرالله إقليمياً، في مقابل تشديده على ضرورة الذهاب إلى الحوار والتوافق الداخلي، وصولاً إلى إعادة تسريب معادلة “سليمان فرنجية مقابل نواف سلام”، تتضمن نوعاً من المقايضة وجس النبض لمثل هذا الطرح، وإذا كان هناك إمكانية لتكرار تجربة العام 2016 وهي انتخاب رئيس للجمهورية حليف للحزب مقابل أن يكون رئيس الحكومة معارضاً له. وهو أمر تعتبره الجهات الإقليمية ولا سيما السعودية أنه غير مقبول لأنه قد تم تجريبه سابقاً. فيما هناك جهات دولية غربية لا تمانع قيام مثل هذه التسويات. ولكن بمجرد طرح مثل هذه المعادلة، عطفاً على تشديد الحزب على الحوار وعدم فرض رئيس من الخارج، فهي تعني أيضاً أن حزب الله جاهز للتفاوض وتقديم تنازلات مطلوبة، ولكن ليس بالفرض.
مساعي بكركي
كل هذه الوقائع من شأنها أن تسهم في تفعيل الديناميكية الداخلية، ولا سيما على الساحة المسيحية. إذ يشدد المسؤولون المسيحيون على دورهم الأساسي في اختيار الرئيس، وعدم فرضه عليهم من قبل الآخرين. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المحاولات التي برزت على الساحة المسيحية في إعادة إطلاق حوار برعاية بكركي، والمساعي التي قامت بها البطريركية لاستمزاج آراء الكتل المسيحية، تشير إلى أن هذا النوع من التحرك مستمر. فالمطران طوني بو نجم والذي كلف من قبل البطريرك الماروني بشارة الراعي لاستمزاج آراء رؤساء الكتل والأحزاب استكمل عمله، وقد تبلّغ بأنه لا بد من وصول أي اجتماع سيعقد في الصرح البطريركي إلى نتيجة، لأن عدم الخروج بنتيجة سينعكس سلباً على صورة الصرح وعلى دور المسيحيين. فالتيار الوطني الحرّ أبلغ بكركي رفض السير بخيار سليمان فرنجية أو قائد الجيش، واقترح تسليم ثلاثة أسماء من قبل كل طرف خلال اللقاء. القوات اللبنانية تؤكد أنها حريصة على خروج الاجتماع بنتيجة، مع التأكيد على رفض انتخاب رئيس من قوى 8 آذار، وذلك من خلال اقتراح مبدأ التصويت في اجتماع بكركي على عدد من الأسماء، واختيار واحد من بينها، وطبعاً الذي يكون قد نال أكبر عدد من الاصوات. أما حزب الكتائب فأكد أيضاً السعي للبحث عن اسم لا ينتمي لقوى 8 آذار ولا يغطي سلاح حزب الله. ولكن الأهم هو أن يخرج الاجتماع بوضع خريطة طريق وبرنامج عمل للرئيس ولحكومته.
هذه الديناميكية يفترض أن تستمر، في مقابل تحركات أخرى ستشهدها الساحة السياسية، في محاولة لتقاطع الظروف الخارجية والداخلية بشكل ينعكس إيجاباً على انتاج اتفاق. في هذا السياق، وبناء على المعارضة الشرسة لعدد من الأفرقاء لسليمان فرنجية وخصوصاً مسيحياً، بالإضافة إلى معارضة التيار الوطني الحرّ بالتحديد لخيار قائد الجيش جوزيف عون، هناك من يستنتج بأن الرجلين قد يطيحان ببعضهما البعض، ما سيفرض واقعاً جديداً وهو الذهاب نحو خيار ثالث.
المصدر: المدن