من المقرر أن تتسلّم السفيرة الأميركية الجديدة في لبنان، ليزا جونسون، منصبها في مقرّ سفارة بلادها في عوكر، التي تعتبر أكبر مقرّ لسفارة أميركية وغير أميركية في المنطقة، في أواخر شهر آذار المقبل، خلفًا للسفيرة الأميركية الحالية في لبنان، دوروثي شيا، التي ستغادر لبنان، لتتولّى منصبًا جديدًا رفيعًا في الخارجية الأميركية، كغالبية السفراء الأميركيين الذين سبقوها الى الخدمة في سفارة بلادهم في لبنان، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:
ميشال سيسون/ تمّ تعيينها سفيرة في جزر المالديف ولاحقا مندوبة بلادها في الأمم المتحدة، ديفيد هيل/ تمّ تعيينه مبعوثًا خاصًا للسلام في الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان/ تمّ تعيينه مساعدًا لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، دايفيد ساترفيلد/ تمّ تعيينه منسقًا للعراق وكبير مستشاري وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وآخرهم السفيرة شيا، التي تمّ تعيينها نائبًا لممثل واشنطن في الأمم المتحدة، برتبة سفير مفوّض فوق العادة، ونائب ممثل بلادها في مجلس الأمن، و(هؤلاء السفراء يجيدون اللغة العربية، قراءة وكتابة ومحادثة)، وسبق لهم العمل في منطقة الشرق الأوسط، وفي دول عربية، أو في مراكز تابعة لوزارة الخارجية الأميركية، يتعلّق عملها بالشرق الأوسط والصراع العربي/ الصهيوني.
يشار الى أن السفيرة جونسون، لا تشبه أيّ من السفراء الأميركيين الذين أمضوا سنوات في لبنان، ولا سيّما من غادره، وتولّى مناصب حسّاسة في الخارجية الأميركية، ولا السفيرة الأميركية الحالية شيا، التي تشبهها في صفتها الوظيفية فقط، (أيّ سفيرة)، فهي مختلفة عنها بكلّ المعايير الخارجية والداخلية، وهي شخصية غريبة جدًا، كلامها قليل، ونادرًا جدًا أن تطلق التصريحات الصحافية، أو تظهر في إطلالات إعلامية، فهي لا تحبّ الظهور، وليست مهووسة بالكاميرات والتقاط الصور، وليس لديها أيّ حسابات شخصية على مواقع التواصل الإجتماعي.
تاريخها العملي “الديبلوماسي”، يَشِي بقدراتها وإمكانياتها وإحاطتها بالملف اللبناني، الداخلي والخارجي، في المراحل المقبلة، نتيجة عملها سابقًا في لبنان، وفي موقع “مديرة مكتب “إسرائيل” السياسي/ العسكري/ الأمني”، في الخارجية الأميركية، ما أمّن لها القدرة الفائقة والسهلة على بناء علاقات مع شخصيات عربية ولبنانية، سرعان ما تحوّلت الى صداقات شخصية تخدم أهدافها وتطلعاتها، وذلك قبل تعيينها مندوبة لواشنطن في حلف “الناتو”، الأمر الذي أتاح لها إمتلاك أكثر من كلمة سرّ تتعلّق بالمنطقة، وبكواليسها السياسية والأمنية.
واللافت في خطاباتها وتصريحاتها (عبر فيديوهات منشورة على مواقع التواصل الإجتماعي)، تركيزها الدائم على ترداد عبارتيّ: “مشاركة المعلومات”، وتشجيع مستمعيها على الثقة بها وبشخصيتها المُحببة والودودة، وعدم التردد في المسارعة الى الإتصال بها، وطلب موعد معها، من أجل تزويدها بكلّ ما يتوفّر لديهم من معلومات، تتعلّق بالخطط السياسية والإعلامية والأمنية، المتعلّقة بالبلد الذي تعمل به، أو بالقطاع التي تنشط حركتها فيه، حتى وإن كانت المعلومات تتعلٌق بأمور شخصية أو خاصة بفرد ما، أو بمسؤول أو شاغل منصب حسّاس، أو غير ذات أهمية، فالمهم، بل الأهم بالنسبة لهذه “الديبلوماسية” غريبة الأطوار، الّا تكون غائبة عن أيّ شاردة أو واردة، مرتبطة بعملها وواجباتها الوظيفية، أو بالسياسة العامة للبلد الذي تعمل على أراضيه.
وهذه المعلومات، إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على أن عملها لن يكون مقتصرًا على الشؤون “الديبلوماسية” كما يُفترض، وكما تنصّ عليها “بروتوكولات” تبادل السفراء بين الدول، بل يتعداها الى شؤون تتعلّق بالأمن والعسكر والإستعلامات، وأنه ليس عملًا إعلاميًا إو إعلانيًا محدودًا، يأخذ المتابع الى أمكنة أخرى، كما حصل مع أكثر من سفير أميركي في لبنان والمنطقة، وليست آخرهم السفيرة شيا.
والواضح، أن إختيار الإدارة الأميركية للسفيرة جونسون، وتعيينها كقائدة لغرفة عمليات هي الأكبر والأكثر نشاطًا في المنطقة، لم يكن عن عبث، في هذه المرحلة، بل هو خطوة مدروسة بدقة متناهية، بخاصة في الظروف الإقليمية والعربية واللبنانية الداخلية التي يمرّ بها لبنان، بخاصة، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، إذ أن القضايا الكبيرة في السياسية الأميركية الخارجية، ليست خاضعة للتقديرات والتمنيات والتوقعات والمفاجآت والصدف، بل أنها خاضعة لنتائج دراسات وأبحاث تحتّم على تلك الإدارة، إختيار الشخصية “الديبلوماسية” المناسبة لهذا الموقع، والقادرة على التعامل مع كلّ الظروف العامة والخاصة المحيطة بالبلد، التي يتمّ إنتدابها اليه، وسياسته الخارجية والداخلية.
وفي المحصلة النهائية المفيدة، ستظهر ردّات الفعل المحلّية، مِمّا “تعتبرهم جماعة 8 آذار” الموالية لسوريا وإيران، أو ما يسمّى “محور الممانعة”، حيال “جماعة السفارة”، ورأيها وتصرفاتها بالتزامن مع تعيين السفيرة ليزا جونسون في لبنان، خلفًا لزميلتها السفيرة دوروثي شيا.
السفيرة جونسون
السفيرة جونسون من مواليد واشنطن عام 1967. وبعد نيلها إجازة في العلوم السياسية من “جامعة ستانفورد”، تخصّصت بالشؤون الدولية في “جامعة كولومبيا”، قبل أن تكمل دراستها في “استراتيجية الأمن القومي” في National War College.
جونسون تعرف لبنان، جيّدًا، فقد عملت في سفارة بلادها في بيروت، بين عاميّ 2002 و2004. ما يعني أنها تعرف لكثير عن لبنان، ولديها فيه صداقات وعلاقات مع شخصيات لبنانية في مستويات متنوّعة.
تنقّلت جونسون، بين مواقع حساسة في العالم، من أفريقيا، إلى بروكسل حيث كانت مندوبة بلادها في مكتب الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وداخل الولايات المتحدة عُينت مديرة لمجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط منذ عام 2001، ومديرة لمكتب إسرائيل السياسي – العسكري في مكتب شؤون الشرق الأدنى في الخارجية، ومراقبة في مركز العمليات في مكتب شؤون الشرق الأدنى، ونائبة لقائد الكلية الحربية الوطنية الأميركية ومستشارته للشؤون الدولية، ومديرة مكتب أفريقيا والشرق الأوسط في “مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدّرات وإنفاذ القانون”.
المصدر: “المدارنت”..