أطلقنا هذا العنوان على مجلتنا الشهرية، للتأكيد على قيمة الوعي في الوسط السوري، هذا الواقع الذي يعيش أكبر مأساة تم حشر الشعب السوري فيها لمجرد أنه أراد حياة كالحياة فقط، وبظل صراع معقد مع غياب أو تراجع لمستوى الوعي، وقد ظهر ذلك بصور شتى من التخبط السياسي والاجتماعي وغيره، ويوماً بعد يوم تزداد التعقيدات، ونحن نراوح في المكان، وأتحدث هنا عن الوعي السياسي أولاً ثم الوعي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
فالوعي السياسي: هو الفهم العام للمناخ السياسي وما يحركه من تجاذبات ومخطّطات من الفاعلين السياسيين داخل القطر أو حتى خارجه نظراً للترابط العالمي للأحداث.
ويتعلق مفهوم “الوعي السياسي” بالأفراد والمنظمات والمجتمعات على حدّ سواء، فإنشاء الوعي السياسي يعني تكوين ضرب من ضروب التفكير الواعي بالراهن السياسي، والحراك المطلبي في النطاق المحلي أو الإقليمي أو الدولي وجميع التصرفات السياسية الشعبية والرسمية، فهذا الوعي إذن هو القلب النابض للمكونات الحية للكيانات السياسية والفعل السياسي
يمثل الوعي السياسي بشكل خاص الركيزة الأساسية التي يُبنى عليها النظام السياسي والاجتماعي، إذ أن إغفال موضوع الوعي في عملية التحرر وعملية بناء الدولة ستعني البناء على أسس من الرمال، والمجهود دون محصول يُذكر، إذ لن يصمد مثل هذا البناء أمام أي أزمة قد تمر بها الدولة أو المجتمع مهما كان حجم البناء السياسي أو العمراني، وهناك تجارب تاريخية عديدة على هذه الحقيقة.
الوعي صفة أساسية ملازمة للإنسان، فالذي يتميز به الإنسان عن الحيوان هو الوعي. يبدأ المرء بوعي حاجياته الأساسية التي تكفل له بقاءه ونماءه ثم يتطور هذا الوعي عبر التأمل والتفكير ليدرك المرء العلاقة بينه وبين محيطه ومن ثم إدراك الكون أو المكان الذي يعيش فيه.
وكما أن هناك وعياً فردياً ذاتياً، ينبثق من تصور كامل للمرء عن نفسه ومجتمعه ومكانته داخل هذا المجتمع ومركزه من الكون المحيط به فهناك وعي جماعي أو وعي اجتماعي يتشارك فيه كل أفراد المجتمع تجاه تاريخ الجماعة وواقعها ومكانتها بين المجتمعات الأخرى ويحدد نظرتها للكون والحياة أيضًا.
إن الوعي السياسي مرتبط ارتباطاً لصيقًا مع الوعي الاجتماعي وكذلك الوعي الثقافي، وهي مرتبطة بأشكال المعرفة، لأنها نتاج لها، وتتموضع فيها.
وتوافر الوعي ذاته ليس أمرًا منشودًا لأنه متحقق وإنما نوعه ومستوياته هي التي تحدد هوية الجماعة ومستقبلها. ويعتبر الوعي السياسي مؤشرا شديد الوضوح على درجة رقي المجتمع ومناعته الداخلية وقدرته على ضبط التناقضات في داخله وتجييرها من أجل الصالح العالم.
وتعاني المجتمعات المتخلفة من تفشي الوعي الزائف أي ذاك الوعي المتوهم والمتخيل وغير المطابق للوقائع. وتكريس الوعي الزائف أصبح علمًا يُدرّس، له قوانينه واستراتيجياته. ونشره يهدف لخلق وعي يخدم الأيديولوجيا التي ترغب الجهات النافذة والمتحكمة في تثبيتها في المجتمع.
يساهم الوعي الزائف في عرقلة نمو المجتمع والحد من وعيه المعرفي،
ونشر الوعي الزائف يفكك المجتمع إلى طبقات متناحرة، متشككة، متحاربة على المصلحة الخاصة، وتفسد لديها روح المبادرة، كما يضعف محصولها الإنتاجي من العمل. وتعمل لاهثة خلف تحقيق الذات للفرد فيها دون الوعي الحقيقي بروح الجماعة والمصلحة العامة.
وخوض المعارك بكل أشكالها دون خوض جادٍ وحقيقي لمعركة الوعي بشكلٍ متوازٍ هو جزء من الهدر والضياع للمجهود.
من هنا جاءت أهمية دور النخبة الواعية بأن تكون أداة توجيه وترشيد وتحكيم للعقل والمصلحة العامة فأفراد بوعي وتنظيم أفضل من جيش تائه.
المصدر: الوعي السوري