ضبط تهريب المخدرات إلى الأردن: هل يُلزِم التدخل الروسي النظام لسوري؟

عدنان أحمد

تشهد محافظة درعا في الجنوب السوري أوضاعاً مضطربة نتيجة سياسات النظام السوري خلال السنوات الماضية، الرامية إلى إخضاع المحافظة لسيطرته، وهو المتهم باستخدام المنطقة ممراً لتهريب المخدرات باتجاه الخليج عبر الأردن، فضلاً عن مساعدة إيران ومليشياتها على التمدد جنوباً، مع استخدام تنظيم “داعش” لتعزيز هذه الفوضى.

وتتسبّب هذه السياسات في استدامة الأوضاع المتوترة في المحافظة، كما تثير قلق الأردن الذي استعان بروسيا من أجل الضغط على النظام لضبط الحدود بين الجانبين، إذ زار مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف كلاً من عمّان ودمشق أخيراً لهذا الغرض، وفق ما أعلن الجانب الأردني.

وفي ما يبدو أنه من نتائج هذه الجهود الروسية، كشفت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام في سورية، الأول من أمس الخميس، عن إجراءات جديدة ستُتخذ على الحدود الأردنية من قبل أجهزة أمن النظام لضبط عمليات التهريب.

ونقلت الصحيفة عن مصادر “واسعة الاطلاع” قولها إن مسؤولية ضبط الحدود مع الأردن من الجانب السوري كان يقوم بها جهاز أمني واحد، ولكن منذ أكثر من أسبوع، أصدرت اللجنة الأمنية في محافظة درعا قراراً، يدعو لمشاركة أجهزة النظام الأمنية الأربعة الموجودة في المحافظة بعملية ضبط الحدود، اعتباراً من الأسبوع المقبل. والأجهزة هي المخابرات الجوية، والأمن العسكري، وأمن الدولة، والأمن السياسي.

وكانت وكالة “سبوتينك” الروسية قد نقلت، الخميس أيضاً، عن مصدر في درعا لم تسمّه، قوله إن روسيا والنظام يعملان على ضبط الحدود لإيقاف عمليات التهريب.

وتشمل الإجراءات زيادة عدد المخافر الحدودية بين البلدين، وتسيير دوريات تابعة للشرطة العسكرية الروسية في المنطقة الممتدة بين ريفي السويداء ودرعا، إضافة إلى رفد المنطقة “بعناصر من الجهات المختصة السورية مهمتها مراقبة الحدود والتعامل مع أي حالات أمنية، وذلك بالتعاون مع مسلحين محليين ممن قاموا بتسوية أوضاعهم بضمانة روسية منذ نحو 4 سنوات”.

ووفق “الوطن”، فقد شهدت الحدود السورية – الأردنية، تحديداً جنوب مدينة درعا المقابل لبلدة الرمثا الأردنية، قبل يومين، جولة شاركت فيها الشرطة العسكرية الروسية وعدد من ضباط أجهزة الأمن التابعة للنظام ومسلحون سابقون ممن قاموا بتسوية أوضاعهم.

وفي تعليق على هذا التطور، رأى الناشط الإعلامي في درعا يوسف المصلح، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن النظام “غير قادر ولا راغب في ضبط الحدود، لأن ضباط الأجهزة الأمنية وقوات النظام، خصوصاً الفرقة الرابعة التي عادت إلى الجنوب أخيراً وتولت الدوريات الحدودية، هم المسؤولون أساساً عن تجارة وتهريب المخدرات بالتعاون مع المليشيات التي جندتها إيران لصالحها، وكل القرارات التي يصدرها النظام بخصوص مكافحة المخدرات ليست جدية”.

صدام بين الأجهزة المتنافسة

يأتي ذلك وسط وقوع حوادث وصدامات بين تجار المخدرات التابعين لفرع الأمن العسكري، ومجموعات أخرى تابعة للفرع نفسه، إذ قُتل عنصران جراء اشتباكات بين فصيلين مسلحين يتبعان للفرع مساء الخميس في حي الكاشف وسط مدينة درعا، فيما لقي طبيب الجراحة العصبية علي السعد، وهو الوحيد بهذا الاختصاص في المحافظة، مصرعه أثناء وجوده في المنطقة.

ووقع الاشتباك نتيجة خلاف بين المجموعتين لم تعرف أسبابه المباشرة، تبعه اعتقال قائد إحدى المجموعتين، وهو اسماعيل قداح، على يد مجموعة يقودها مصطفى المسالمة.

وبدأ الاشتباك عقب هجوم مجموعة قداح على حاجز للأمن العسكري قرب مستشفى الشرق، ضمن المربع الأمني في مدينة درعا، ما أدى إلى مقتل أحد عناصر الحاجز، قبل أن تتدخل مجموعة المسالمة التابعة للأمن العسكري لنصرة الحاجز، ما أدى إلى مقتل اثنين من عناصرها.

لكن جرى اعتقال قداح الذي بادر أنصاره إلى قطع بعض الطرق الرئيسية في مدينة درعا واعتقلوا عناصر حاجز أم المياذن للضغط من أجل الإفراج عنه، وهاجموا معبر نصيب الحدودي مع الأردن بالأسلحة الرشاشة، ما دفع النظام للإفراج عنه فجر أمس الجمعة، بعدما أصيب خلال الاشتباك.

وينحدر قداح من بلدة أم المياذن، شرقي درعا، وهو قائد سابق لمجموعة تتبع لـ”اللواء الثامن”، قبل أن ينضم قبل سنتين إلى مجموعة بقيادة فايز الراضي، التابع للأمن العسكري، والمعروف بنشاطه في تجارة المخدرات وتهريبها.

يعلن الأردن باستمرار عن ضبط كميات من المواد المخدرة، خصوصاً حبوب “الكبتاغون”، آتية من الأراضي السورية، وكثيراً ما تقع اشتباكات مع المهربين، ينتج عنها سقوط قتلى في صفوفهم.

ووفق مصادر متطابقة، فإن هناك عدة محطات لتخزين المواد المخدرة في الجنوب السوري، أبرزها قرية الشعاب في جنوب شرق محافظة السويداء، ويتولى مرعي الرمثان وأفراد عشيرته مهمة تخزين المخدرات التي تصل إليه من “حزب الله” بمساعدة المليشيات الإيرانية والأجهزة الأمنية التابعة للنظام، إضافة إلى الفرقة الرابعة، وفق المصادر.

وقرية الشعاب لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة آلاف نسمة، لكن فيها تضاريس صعبة، وجميع سكانها من عشيرة واحدة ومزودين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، ويضعون حواجز على مداخل القرية لمنع دخول الغرباء، وفق ما ذكر الناشط محمد السمودي، المقيم في منطقة مجاورة.

وأضاف السمودي في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن موقع القرية القريب جداً من الحدود الأردنية، وتضاريسها الصعبة، ومعرفة سكانها بطرق التهريب، جعلتها محطة رئيسة في تهريب المخدرات باتجاه الأردن، إذ يقيم الرمثان علاقات وطيدة مع الأجهزة الأمنية و”حزب الله”.

وأوضح السمودي أن الشبكة التي يديرها الرمثان تقتصر مهمتها على إيصال المخدرات الآتية من لبنان، أو معامل المخدرات في ريفي دمشق وحمص، من الجانب السوري إلى الجانب الأردني.

وكشف عن وجود نقاط تهريب أخرى في محافظة درعا، ومنها معبر نصيب الحدودي، حيث تُوضع المخدرات داخل شاحنات نقل البضائع عبر إخفائها في مخابئ سرية أو حشوها بين البضائع. كما تُنقل أحياناً المخدرات بواسطة سيارات دفع رباعي، وغالباً ما تكون مسلحة.

وينتشر عناصر حرس الحدود (الهجانة) من الجانب السوري ضمن مخافر على طول الحدود السورية – الأردنية تقريباً (ما عدا منطقة انتشار قوات التحالف الدولي) بمعدل مخفر كل 4 كيلومترات. لكن فاعلية هذه المخافر ضعيفة بسبب عدم تزويدها بأية معدات للرؤية الليلية، أو وسائل قتالية مناسبة للتعامل مع المهربين المسلحين جيداً والذين يعرفون تضاريس المنطقة.

وقال السمودي إن عناصر حرس الحدود قد لا يكونون متورطين بتهريب المخدرات، لكن إمكاناتهم ضعيفة، وقد يكون بعض ضباطهم ينسقون مع الأجهزة الأمنية لغض النظر عن بعض الأنشطة في مناطقهم.

تشكيك بجدية الجهود الروسية

من جهته، شكك قيادي سابق في فصائل المعارضة في الجنوب السوري بجدوى الجهود الروسية لضبط الحدود مع الأردن. وقال القيادي المقيم في الأردن، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن روسيا لم يعد لديها نفوذ كبير في محافظة درعا بعد تخليها عن “اللواء الثامن” وانشغالها بالحرب في أوكرانيا، ما جعل الجنوب السوري فريسة سهلة لإيران ومليشياتها، بالتعاون مع أجهزة النظام الأمنية والفرقة الرابعة القريبة جميعها من إيران.

وحول التأثير المحتمل لقانون “الكبتاغون” الذي أجازه الرئيس الأميركي جو بايدن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بهدف محاربة إنتاج وتهريب المخدرات في سورية، رأى القيادي أن النظام لا يبدو مبالياً كثيراً بهذه الخطوات، والدليل أنه لم يوقف أنشطة تهريب المخدرات أو يحد منها، لأن هذه الأنشطة باتت في الواقع هي المصدر الرئيسي لدخله ودخل “حزب الله”، وعلى وجه الخصوص ضباطه الكبار الذي راكموا ثروات ضخمة من هذه التجارة.

وجاء في مشروع قانون “الكبتاغون” أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر “تهديداً أمنياً عابراً”، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة.

غير أن القيادي لم يستبعد أن يكون لـ”قانون قيصر” (الذي أُقرّ في عام 2019 ويتعلق بفرض عقوبات على النظام السوري بسبب قتله آلاف المعتقلين تحت التعذيب) تبعات في المرحلة المقبلة، بما في ذلك إمكانية مهاجمة مراكز إنتاج وتخزين المخدرات عبر الطائرات المسيّرة، بالتنسيق مع الجانب الأردني الذي باتت لديه معطيات وافية حول هذا الأمر.

كما لم يستبعد القيادي أن تبادر الولايات المتحدة إلى التعاون مع المجموعات المحلية في درعا المعارِضة للنظام السوري، وأن تقدم لها الدعم العسكري واللوجستي للعمل على الأرض ضد تجار المخدرات والمليشيات الإيرانية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى