نصر الله والأسد في فقه السقوط

بشير البكر

دعا الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، منذ حوالي أسبوع، الحكومة اللبنانية إلى الانفتاح على النظام السوري، من أجل مساعدة الاقتصاد اللبناني، للخروج من وضعه الصعب. وقال: “لبنان بحاجة لإعادة ترتيب العلاقات مع سورية، وخاصّة أن لبنان أمام أزمة اقتصادية”. واعتبر أن “ترتيب الوضع مع سورية سيفتح أبوابًا مهمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في لبنان”، وضرب على الوتر الحساس، حين نبّه إلى أن هناك من يؤخر الأمر، لأنه يعيش وهمًا أن الوضع في سورية سيتغيّر، وأن النظام سيسقط. وقال: “هذه أوهام وتضييع وقت على لبنان واللبنانيين، وليس لسورية”. وحسب وجهة نظر نصر الله، فإن “سورية اليوم ليست بحاجة اقتصادية للبنان”.

يصعب تصديق أطروحة نصر الله أن سورية ليست بحاجة اقتصادية إلى لبنان، وهناك براهين كثيرة تثبت عكس ذلك. والمعروف أن واحدة من أزمات النظام في سورية هي السقوط السريع للعملة السورية التي خسرت أكثر من نصف قيمتها خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بعد أن وضع مصرف لبنان المركزي قيودا على خروج الدولار من البلد، الأمر الذي انعكس مباشرة على العملة السورية حسب كل الخبراء الاقتصاديين. والسبب أن السوق اللبناني هو أحد أهم المصادر لتغذية سورية بالدولار الذي تحتاجه لتمويل مشترياتها الخارجية في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه. وقد فتح إقفال حنفية الدولار من لبنان باب المضاربة على الليرة السورية التي باتت تتدحرج بشكل حر وبلا ضوابط. ومثال الليرة أحد الأمثلة على اعتماد سورية اقتصاديا على لبنان، لأن الاقتصاد اللبناني، على الرغم من أزماته، يظل في حال أحسن من الاقتصاد السوري، الذي تحول إلى تمويل الحرب التي يخوضها النظام ضد الشعب منذ عام 2011.

ويأتي تدخل نصر الله العاجل لصالح نظام الأسد ليضع المراقبين أمام أمرين: الأول هو أنه لا يمكن لأحد أن يصدّق أن تحرّك نصر الله جاء من باب الحرص على لبنان، بل إن وضع النظام السوري هو ما يقلقه، ويقضّ مضاجع إيران التي استثمرت المليارات في نظام بشار الأسد، وتخشى أن يسقط وتذهب معه المليارات، إذ ليس من المضمون أن يحترم النظام الآتي تسديد فواتير الأسد. والأمر الثاني أنه لا يمكن قراءة نصيحة نصر الله للحكومة اللبنانية بعيدا عن التطورات المتسارعة التي تشهدها سورية. وما كان له أن ينبه اللبنانيين من تصديق الأخبار عن تغيير النظام السوري وسقوطه، لولا أن النظام لا يواجه مجموعة من الأزمات، وهذا أمر باتت تتحدّث عنه وسائل الإعلام الروسية بلا أدنى حرج، وتلوح به استحقاقا سياسيا للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وتأتي قضية الخلاف المالي بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف، لتعكس جانبا من الأزمة الخانقة التي يعيشها الأسد ونظامه. وهي أزمة من خارج النظام ومن داخله، وهي تفوق في حدّتها وأثرها كل الأزمات التي واجهها النظام، منذ أعلن الحرب على الحراك السلمي، ورهن سورية للإيرانيين، ومن بعدهم الروس الذين لهم الفضل في حماية نظامه من السقوط في سبتمبر/ أيلول 2015. وعلى اعتبار أن الحرب في سورية شارفت على نهايتها، فإن الساعة حانت لتسديد الفواتير، والبحث عن تسويةٍ سياسية، ليس الأسد هو الرجل المناسب فيها، في وقت تتواتر الكتابات الروسية منذ حوالي شهر، وتجمع كلها على أن الأسد عبء على روسيا، وعقبة في درب الحل السياسي. وهذا أمرٌ يتقاطع مع مطالب الأطراف الدولية والإقليمية صاحبة التأثير في المسألة السورية، مثل الولايات المتحدة وتركيا. وليس من المستبعد أن تخرج إيران من الحسابات كليا، ولن تكون الخاسرة وحدها، بل نصر الله أيضا.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى