تبعت الزيارة النادرة (المعلنة) لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إي” وليم بيرنز لليبيا الأسبوع الماضي، زيارة قام بها رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان أوائل الأسبوع الجاري. وإذا كان لا يوجد رابط واضح بين بيرنز وفيدان، إلا أن التقارب بين الحدثين لا بد أنه يبعث برسائل تسترعي الانتباه.
بيرنز التقى في زيارته رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الذي يتخذ طرابلس مقراً له، ثم انتقل إلى ضواحي بنغازي حيث التقى قائد “الجيش الوطني الليبي” المشير خليفة حفتر. وأوحى تحرك بيرنز بوجود اهتمام أميركي بالدفع نحو توافق الأطراف الليبيين على إجراء انتخابات رئاسية ونيابية تخرج البلاد من الطريق المسدود، وتحول دون معاودة القتال.
أما زيارة حقان فيدان، فبدت وكأنها محاولة تركية لمعرفة ماذا حمل معه بيرنز إلى طرابلس. وتركيا هي من اللاعبين الرئيسيين في ليبيا ولا بد أن التحرك الأميركي قد أخذها على حين غرة، فسارعت إلى إيفاد رئيس استخباراتها ليلتقي بالدبيبة وبرئيس مجلس الدولة خالد المشري ويعقد مصالحة بين الرجلين اللذين استبد النفور بينهما، منذ اللقاء الذي جمع المشري برئيس مجلس النواب عقيلة صالح في القاهرة، وقيل بعدها أن الرجلين توافقا على “القاعدة الدستورية” التي يتعين على أساسها الترشح للانتخابات الرئاسية. أمر لم يسر الدبيبة كثيراً.
وأنقرة، ترى أن أي خلاف بين الدبيبة والمشري في الوقت الحالي، من شأنه أن يصب في مصلحة الشرق الليبي الخارج عن النفوذ التركي، والواقع تحت رعاية روسيا ومصر ودول عربية.
اعتادت تركيا أن تنظر إلى هذه الأطراف على أنها المنافس الرئيسي لها في طرابلس. أما دخول أميركا بقوة على خط الأزمة الليبية فيحمل رسالتين مزدوجتين، واحدة لروسيا والأخرى لتركيا.
بالنسبة إلى روسيا الموضوع يبدو قديماً وطالما نددت واشنطن بوجود مجموعات من شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة في ليبيا واعتبرتها محاولة من موسكو لاستعادة النفوذ المفقود في هذا البلد الذي كان يرتبط بعلاقات استراتيجية مع روسيا في عهد معمر القذافي. وطالما اندلعت جدالات حادة خلال جلسات مجلس الأمن بين المندوبين الأميركيين ونظرائهم الروس. ولا تزال موسكو تذكر الأميركيين بأن استخدام حلف شمال الأطلسي القوة لإسقاط النظام الليبي عام 2011، كان السبب في مأساة الليبيين اليوم.
أما الرسالة الأميركية لتركيا، فهي التعبير عن الاستياء من خطوات أنقرة للتقارب مع دمشق والحديث عن إمكان التطبيع التركي – السوري برعاية روسية، ما من شأنه أن يخلط الأوراق في سوريا والشرق الأوسط.
ربما أرادت واشنطن الذهاب بعيداً في البعث برسالة تحذير إلى تركيا مفادها أن المضي في الانفتاح على سوريا له ثمن، وأن هذا الثمن ليس بالضرورة أن يكون في سوريا، بل عبر التشويش على النفوذ التركي في ليبيا مثلاً.
قد تكون زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لواشنطن الأربعاء، تناولت كل أوجه التباين التركي – الأميركي الذي تعمق مع الحرب الروسية – الأوكرانية وتغريد أنقرة خارج سرب حلف شمال الأطلسي وصولاً إلى حد عرقلة انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف بعد التقدم بمطالب تعجيزية إلى هلسنكي واستوكهولم.
وأتى احتمال التطبيع مع سوريا، ليزيد نار الخلاف اشتعالاً، فكان لا بد من رسالة التحذير الأميركية عبر ليبيا هذه المرة. علماً أن أميركا لم تتخل بعد عن استخدام وسائل الترغيب مع أنقرة من طريق إعلان إدارة بايدن أنها طلبت من الكونغرس المصادقة على إمداد تركيا بصفقة مقاتلات “إف-16” التي تطالب بها الحكومة التركية منذ سنوات.
المصدر: النهار العربي